أكد رئيس لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر”، الناقد والأكاديمي المغربي شرف الدين ماجدولين في رؤيته لمجموع روايات القائمة القصيرة في دورتها الثانية عشرة للعام 2019، أنها تصدر عن تجارب في الكتابة تراوح بين الوفاء لتقاليد السرد الكلاسيكي والتطلع إلى التجريب الشكلي، يرتد في حد ذاته إلى صدور تلك النصوص عن نوازع سردية متنوعة الرهانات، بالنظر إلى انتماء أصحابها إلى مسارات بعضها مخضرم وبعض آخر منتم إلى أجيال جديدة، كما تشكل استمرارية لأرصدة غير متماثلة في الأحجام والصيغ والمرامي التعبيرية، بما يجعلها تختزل إلى حد معتبر المشهد الروائي العربي الراهن في مطامحه الموضوعية والجمالية وفي كبواته السردية أيضا. وقد أقام اتحاد كتاب الإمارات ندوة جمع فيها خمسة روائيين من قائمة الكتاب الستة الذين وصلت رواياتهم إلى القائمة القصيرة وهم كفى الزعبي، وشهلا العجيلي، وعادل عصمت، وإنعام كجه جي، ومحمد المعزوز، حيث طرح كل منهم رؤيته في الكتابة من خلال تجربته سواء في الرواية الفائزة أو في مجمل أعماله. ورأى الروائي المغربي محمد المعزوز صاحب رواية “بأي ذنب رحلت؟” أن هناك حاجة اليوم في العالم العربي للعودة إلى الثقافة والفن والفكر. وأضاف “هذه العودة التي توجب حضور أقانيم ثلاثة في تجربتي الروائية هي الأخلاق والفلسفة والجمال، لو عدنا إلى كل كتابات الفلاسفة وقراءتهم للعالم سنلاحظ أن هؤلاء الفلاسفة يحتفلون بالجمال، ولذا فإن قراءتنا اليوم لبلادنا العربية، وقراءتنا للسياسة ولعلاقتنا بعضنا البعض ولعلاقتنا بهويتنا، فإننا نكتشف فعلا أننا في منحدر فظيع، هذا المنحدر يضعنا أمام سؤال الهوّية، سؤال وجودنا نحن، كيف سنكون من هنا إلى عشرين سنة قادمة مثلا؟”. ويقر المعزوز بأن روايته حاولت أن تجيب على هذه الأسئلة، بنقد ونقض الفكر السياسي العربي ثم بنقد التذبذب والتوتر اللذين نشهدهما ما بين ذواتنا ولغتنا. أما الروائية العراقية إنعام كجه جي صاحبة رواية “النبيذة” فقد أكدت أن “الموقف في الرواية ليس موقفا سياسيا محضا من عهدين وزمنين”، وقالت “لا ينكر أي عراقي أن العراق لدى تأسيس الدولة العراقية سنة 1921 بدأ على أسس إلى حد ما صحيحة، كانت هناك حياة سياسية سليمة إلى حدٍّ ما، واستمر العراق في الأربعينات وصولا إلى السبعينات، بلدا حضاريا مثقفا مدنيا تتعايش فيه الأعراق والأديان والمذاهب، وتعرفون إلى أي درك انتهينا. كان يحدونا الأمل ببلد سيكون غنيا صالحا وسعيدا، بلد طبيعي دون حروب ونزاعات ومشاكل، ولكن جاءت الحروب والسياسات الخاطئة وقصمت ذلك الأمل، هل هو موقفي في الرواية؟ نعم، فأنا منحازة لقيم الحق والحرية والجمال”. ورأت كجه جي أن بطلة القصة تاج الدين أو تاج الملوك، كانت امرأة حرة، في زمن كان من الصعب فيه على المرأة العربية أن تعيش حريتها. وقالت “أنا بدأت كتابة الرواية في وقت جد متأخر، لأنني أؤمن بأن لا كتابة روائية دون حرية، فحين أكون خائفة لن أستطيع أن أعبر بشكل صحيح، شعرتُ في مرحلة عمرية معينة بأن خوفي انتهى أو خفّ، حدثت تغييرات سياسية كثيرة، كنتُ أخاف أن أكتب ما أكتبه الآن، وهناك سبب آخر هو والدي الذي كان على قيد الحياة، خجلي من أن يقرأ والدي بعض ما أعيشه مع نفسي، وأعبر فيه عن العلاقة بين الرجل والمرأة رغم أنني لم أكتب إلا ما هو مسموح ويقع في إطار الحياء”. وقال الروائي المصري عادل عصمت صاحب رواية “الوصايا”، “الوصايا تنفعنا في الحياة، فهي تجارب أشخاص وناس، أصلحت لهم حياتهم وإن كانت غير صالحة لأجيال جديدة أخرى، لأن هذه الأجيال ستنتج هي الأخرى وصاياها، وهي مرتبطة ببوصلة يسير بها الإنسان نحو حياة طيّبة حتى لو لم يصل إليها. الوصية التي في الرواية بعنوان التخلي تخص الشيخ عبدالرحمن، وبالفعل هذا الأمر كان مذهلا لي في الحياة، شهدته بأم عيني، رأيت بعينيّ جدي في أواخر حياته لما رأى الدنيا غير مسيرة والحياة تتفكك إلى أسر صغيرة، في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، الحياة العائلية التي يحكمها كبير العائلة بدأ زمانها ينتهي، هذا النظام القديم لن يحصل، الأمر الذي أدى بهذا الشخص البطل إلى أن يتنازل لصديقه مقابل لقمة عيش ولبن يحضره له هذا الصديق، فالتخلي قدرة لا يمتلكها إلا الشيخ كبير العائلة”.وأوضحت الروائية الأردنية شهلا العجيلي صاحبة رواية “صيف مع العدو”، أن “الأعداء يتناسلون في روايتي، فيها مجموعة من الأعداء حيث يبدأ الإنسان ليُخلق معه العدو، الطفلة لميس تجعل ممن يسطو على مشاعر والدتها عدوا، الذين يسرقون منا آباءنا هم أعداؤنا، وجودنا مقترن بالأعداء، والسؤال هل هناك وعي بوجود هذا العدو، أعداء للحي، للمدينة، للوطن، للجمال، ومدينة الرقة حاضرة في الرواية بصورتها من بدايات القرن العشرين حتى العشرية الأولى من الألفية”. وأضافت قصدت في روايتي أن أصوّر جمال المدينة وإنسانها الحامل للجينات الثقافية منذ أكثر من عشرة آلاف سنة، قصدت في الرواية أن أجسّد التحول الدرامي لما حدث، وما عانته هذه المناطق من تهميش وجهل مقابل تنمية المراكز، وحين وقعت الحرب في 2011 تحول هذا المكان المنفتح المتدين على الفطرة، بعدما كان مساحة للاستشراق والأفكار التنويرية والانفتاح في السبعينات والثمانينات التي جذبت الأستاذ الجامعي الألماني نيكولاس لدراسة تاريخ الفلكي العربي البتّاني في الرقة. وتحدثت الروائية السورية كفى الزعبي عن روايتها “شمس بيضاء باردة”، وقالت “البطل راع يجن وصديقه ينتحر، في روايتي التي تعكس مهمة الأدب في تقديم رؤية نقدية للواقع وتعريته وتكثيفه ليكون صالحا للظهور بحالته الأدبية بكل سوداويتها وبؤسها، في روايتي ينتقد البطل ذاته، يعترف بسلبيته وهذا يعكس الأمل في اعتراف المثقف وطرحه للأسئلة على مستويين يوميين سياسي معرفي ووجودي فلسفي، تناولت هذا المثقف لأعبّر عن اغترابه وتأزمه في واقع عربي مأزوم، فعندما يمتلك المثقف القدرة على نقد ذاته ينبثق الأمل”. وأضافت “البطل في الرواية أحمّله كشخصية رئيسية مقولتي والمقولات العليا للعمل الروائي من أفكار ورموز، الشخصيات الأخرى أعتبر أن الفعل الإنساني وليس الكلام هو مفتاحها، فعندما أقدّم الشخصية يجب أن تكون صادقة فنيا وفي السياق الأدبي الصحيح، وضمن وعيها الرمزي في سياق الرواية فلا يأتي فعلها مقحما وغير مبرر فنيا ويفتقر إلى الصدق”.
مشاركة :