يعكس الخنجر الإماراتي المزخرف بنقوش مستوحاة من الثقافة العربية، جماليات الموروث الإماراتي الأصيل، إذ يعتبر رمزا للعزة والرجولة والشهامة والقوة، وأصبح جزءا من اللباس التقليدي إذ يوضع فوق الرداء بعد تثبيته بحزام من الجلد. ويعد الخنجر من أقدم الأسلحة التي اشتهرت بها شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام، وقد تنافس صُناعه في إظهار مهاراتهم الفنية من خلال نقشه وزخرفته حتى يحمل مميزات وخصوصيات المنطقة التي صنع فيها. وتختلف مسميات الخناجر وفقا لكل دولة إذ يسمى في الإمارات “الخنير” وبلاد الشام “الشبرية” واليمن “الجنبية” وعمان “الخنجر”. والخنجر الإماراتي شبيه، إلى حد ما، بنظيره العماني، وتتكون أجزاؤه من المقبض وهو ما يسمى بالرأس (ويصنع في العادة من قرن الزرافة أو العاج الأصلي أو الخشب)، والصدر (وهو من الفضة أو الذهب المزخرف)، والقطّاعة وتمثل الجسد أو غمد النصل وتصنع من الجلد الطبيعي المطرز يدويا بخيوط الذهب والفضة. وجاءت بدايات ظهور الخنجر بهدف الدفاع عن النفس حتى أصبح جزءا من زي الرجل الإماراتي ويختلف في تصميمه عن باقي الخناجر المستخدمة في شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام من حيث التصميم والمقاسات والأشكال والمواد المستخدمة. يروي عبدالله ثاني المطروشي صاحب متحف “بيت الخناير” لوكالة أنباء الإمارات (وام) أسرار صنع الخنجر الإماراتي والمواد المستخدمة في إعداده والزخارف والنقوش التي تزينه. وقال، “المواطنون الإماراتيون يفخرون بخناجرهم الموروثة لما تعكسه من قيمة تاريخية تتجلى في نقوشها وزخارفها التي تزهو بعبق الماضي الأصيل”. وأضاف، “الخنجر الإماراتي يتميز عن غيره من الخناجر من حيث المقاسات والنقوش المستخدمة لتزيينه، وتتكون أجزاء منه من عاج الحيوانات كقرن وحيد القرن الذي يعد من أثمن القرون”. وقال موضحا “بعد صدور المنع الدولي لحماية هذا الحيوان المهدد بالانقراض تم استبداله بقرن الجاموس الهندي المسموح به دوليا والذي لا يؤثر استخدامه على جماليات الخنجر الإماراتي ويزخرف بالفضة أو بالذهب”.وأوضح المطروشي، أن النصل يصنع عادة من الحديد فيما يصنع غمد النصل من قطعة خشبية مغطاة بالجلد الطبيعي، تزين بخيوط فضية أو ذهبية تطرز بأشكال هندسية جميلة بينما تتم صناعة “الحزام” من الجلد أو القطن ويزين بالتطريز ويربط به “الغمد” من خلال حلقات مثبتة به. وأكد أن صناعة الخنجر حرفة تراثية عريقة تحظى باهتمام رسمي، وقال، “نهدف من خلال المشاركات في المعارض التراثية إلى إعادة إحياء موروث صناعة الخناجر في الإمارات واستدامتها”. وما زال العديد من الحرفيين يحافظون على هذه الحرفة التي أصبحت عنوانا للأصالة، مثل أحمد الجنيبي في الشارقة والذي يقوم بصناعة الخناجر الساحلية من الذهب والفضة الخالصة، وتتميز بأشكال جذابة، ولها طابعها الخاص والمتفرد الذي يميزها عن الخناجر العربية الأخرى. وقال الجنيبي، ”ورثت هذه المهنة عن آبائي وأجدادي الحرفيين الذين اشتهروا بصناعة الخناجر من قديم الزمان، وصنعت أول خنجر منذ تسع سنوات”، مضيفا، “بالنسبة لي أحب استعمال خشب الصندل المعطر لصناعة رأس الخنجر، وأطعمه بالفضة أو أصنعه من مادة خاصة من البلاستيك الأميركي الشبيه بالعاج”. ويؤكد الجنيبي على الحفاظ على هذه الحرفة من الزوال قائلا، “يجب على الشباب التواصل مع ماضيهم والتمسك بهويتهم والالتفات إلى حرف الآباء والأجداد المتميزة التي كانت هي الأساس في ما نشهده اليوم من تطور وحضارة، كما أن العمل الحرفي يتطلب ممارسة جادة وعملا دؤوبا وحبا وتفانيا للحفاظ عليه وتطويره وإيصاله إلى الأجيال القادمة”. صناعة الخنجر وزخرفته لم تبتعد عن الأيادي الناعمة، فقد اختارت الإماراتية حليمة الصايغ الأسلحة التقليدية لتضع عليها بصماتها وتصميماتها، لتصبح بذلك أول مصممة تتخصص في تزيين السيوف والخناجر في الخليج. ملهمة حليمة في هذه الحرفة هي عائلتها التي مارست حرفة الصياغة التقليدية اليدوية وتوارث أفرادها صياغة الذهب والفضة منذ ما يقارب 150 عاما بحسب البحوث التي أجرتها الصايغ.ومنذ صغرها اختزنت ذاكرة حليمة مراحل ومنتجات وأدوات الصياغة التقليدية، وكان والدها يعمل في ورشته المنزلية من أجل إنتاج القطع الفنية الثمينة من السيوف والخناجر الذهبية ما فتح للفتاة الصغيرة مواكبة مراحل العمل. تقول حليمة، “أذكر أنني كنت أشاهد بعض النساء في بيتنا يمارسن تطعيم المجوهرات أو يعملن على قطعة ذهبية، مما عزز لدي فكرة إمكانية عمل المرأة في مجال صياغة السيوف والخناجر، وقد اكتشفت أسرتي تعلقي بحرفة الأجداد، لذلك سمحت لي بالاطلاع على أسرار الصنعة الذهبية، لتفتح لي بذلك طريق إتقانها وتوثيقها، وأقدمها كحرفة إماراتية جديرة بأن تتواصل عبر الأجيال”. وترصع حليمة السيوف والخناجر بالفضة، وماء الذهب، والأحجار الكريمة مثل الفيروز والزاركون وغيرهما، دون المساس بالسمات. ولا يقتصر مشروع حليمة الصايغ التي تخرجت من كلية التربية، على إنتاج الخناجر والسيوف المطعمة من خلال المؤسسة الخاصة بها “شموخ”، إذ تعمل على جمع وتوثيق المعلومات حول صناعة السيوف والخناجر، وصياغة الحلي الإماراتية القديمة، فهناك الكثير من الأمور بدأت تتراجع وتختفي في هذه الحرفة التي توارثتها عائلتها منذ ما يقرب من 150 عاما، لذلك عملت على توثيقها في كتاب صدر بدعم من هيئة ابوظبي للثقافة والتراث. وقالت حليمة، “أعتبر الحفاظ على تراث الآباء والأجداد، وتوثيق مهنة صياغة الحلي وتسليط الضوء على أبرز من عملوا بها، رسالة أحملها على عاتقي وأعمل على تحقيقها”. وأشارت، إلى أنها واجهت بعض الصعوبة في بدايتها، نظرا لأنها فتاة، ولم يكن هناك وجود واسع للمرأة في مجال صناعة الحلي التقليدية، ولكن مع الوقت، وبعد أن اطلعت عائلتها على ما تقدمه من تصميمات متميزة ترتبط بالتراث وتقديمه في صورة رصينة وأنيقة لم تبتعد كثيرا عن الخط الذي اشتهرت به العائلة، فتحولت المعارضة إلى تأييد وتشجيع لها ولعملها. ويعرض “قصر المويجعي” في مدينة العين أفضل الخناجر الموجودة في الدولة من حيث التصميم والمصنوعة من الذهب، وأجود أنواع الأحزمة المهيّأة بالقطن والتطريزات والتي تعود إلى منتصف ستينات القرن الماضي.
مشاركة :