لم يعد ممكناً اليوم اعتماد الوسائل التقليدية في عالم الأعمال خاصة وأن 60 بالمئة من المسلمين هم دون سن الخامسة والعشرين. تلك الوسائل لا تجذب الجيل الجديد من المستهلكين الذين يتطلعون إلى منتجات وخدمات عصرية تحاكي أحلامهم وتلبي متطلباتهم المتنوعة. عالمنا المعاصر يشهد تغييرات سريعة بفعل التطور التكنولوجي الهائل الذي يعيد صياغة القطاعات الاقتصادية على تنوعها، وبات على المعنيين والمهتمين بتطوير منظومة الاقتصاد الإسلامي التكيف مع هذه التغييرات ومواكبة الابتكارات الجديدة من أجل مواجهة التحديات المقبلة. في الماضي، كان من السهل بيع منتجات وخدمات حلال مستوحاة من منتجات تقليدية للمستهلكين المسلمين. اليوم، يتوقع المسلمون حول العالم أن ترقى منتجات الحلال إلى مستوى الجودة والابتكار الذي تمتاز به جميع المنتجات والخدمات والأخرى. إذا أردنا للاقتصاد الإسلامي أن يصبح قوة دفع أساسية لنمو الاقتصاد العالمي، وجب علينا السعي إلى الاستجابة لمتطلبات العملاء بشكل مماثل إذا لم يكن أفضل من الاقتصاد التقليدي. إنَ تقرير واقع الاقتصاد الإسلامي العالمي لعام 2014/2015 الذي صدر بدعم من مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي كشف عن خطط عديدة للابتكار باتت تعتمدها قطاعات مختلفة ناشطة في الاقتصاد الإسلامي. من الإمارات وإندونيسيا وماليزيا إلى الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا يسعى رواد الأعمال إلى ملاءمة منتجاتهم مع متطلبات العملاء بأسلوب مبتكر. بدأنا نرى مبادرات مختلفة تعتمد على التكنولوجيا المبتكرة وذلك في قطاعات مثل المصرفية الإلكترونية والتجارة الإلكترونية وصناعة الأغذية الحلال الجاهزة وثمة العديد من المشاريع الصغيرة والكبرى تحرص على تلبية الطلب المتنامي للمستهلكين المسلمين وغير المسلمين على منتجات وخدمات الحلال ذات المستوى العالمي. على الرغم من أن الابتكار في القطاع الإسلامي يعتمد على السوق العالمي والتطور التكنولوجي إلا أن بعض النقاد يعزون النقص في المبادرات المبتكرة في القطاع إلى ضعف في القطاع نفسه وفي مؤسساته وشروطه القانونية التي تعيق الاستثمار ونمو الرساميل. أنا أختلف في رأيي. فتقديم منتجات وخدمات بديلة (ولكن تؤدي الغرض المطلوب) لما هو متوفر في الاقتصاد التقليدي ليس بالأمر السيء بالمطلق. لنأخذ مثلاً القطاع المصرفي حيث يتوقع العملاء من البنك سواء كان متوافقاً مع الشريعة الإسلامية أم لا أن يقدم لهم خدمات التمويل الشخصي والتجاري والعقاري وتمويل السيارة إضافة إلى القروض وبطاقات الائتمان. إذاً لا بد وأن تكون خدمات المصرف الإسلامي مشابهة لخدمات أي بنك تقليدي. لكن الفرق يكمن في كيفية هيكلة هذه الخدمات وتضمينها المبادىء والقيم المناسبة. لا شيء يمنع المصارف الإسلامية من استخدام قنوات عصرية ومبتكرة لترويج خدماتها ومنتجاتها وتعزيز الوعي بمزايا المصرفية الإسلامية وأخلاقياتها وقيمها بين عملائها من المسلمين وغير المسلمين. الابتكار المطلوب في الاقتصاد الإسلامي لا يقتصر على طرح منتجات وخدمات جديدة فقط بل يتعداه إلى بلورة بنية تحتية مؤسسية للابتكار واختيار الكفاءات المبدعة القادرة على طرح أفكار جديدة واستكشاف الفرص لتطويرها وتطبيقها. بمعنى آخر، الابتكار الحقيقي هو في الإمكانات والأدوات، فالطموح إلى الابتكار في الاقتصاد الإسلامي يتطلب تطوير الشروط القانونية والاجتماعية والاقتصادية ليس فقط للترويج لمفهوم الاقتصاد الإسلامي بل لتكون هذه الشروط والقوانين نفسها أداة تشجع على الاستثمار في قطاعات الاقتصاد الإسلامية كافة الغنية بالفرص المجزية. الابتكار- وأنا لا أتحدث هنا عن الإبداع بل عن إمكانية تطوير ما هو موجود إلى الأفضل- هو صمام أمان النمو الاقتصادي. إنه جوهر الازدهار والأمان والاستقرار المهني. سواء أردنا صناعة لحوم من دون مكونات حيوانية أو بناء مزارع ذكية أو تصميم تطبيقات النانوتكنولوجيا، لا شك في أن الابتكار يفتح آفاقاً أوسع لنمو الاقتصاد الإسلامي. لكن من دون التوافق على ما هو مسموح وممنوع، سيبقى الابتكار في الاقتصاد الإسلامي غير قابل للحياة. لا بد من التوافق على معايير وأحكام الحلال إذا أردنا أن نتيح المجال لفرص جديدة تثري منظومة الاقتصاد الإسلامي. من هنا يحرص مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي على تكريس كل الجهود لإيجاد أرضية مشتركة لمختلف القوانين والتشريعات التي تحكم القطاع. نحن في سباق مع الوقت وأمامنا فرصة مثالية اليوم لنستفيد من احتياجات العملاء المسلمين وغير المسلمين الذين لا يجدون ما يتطلعون إليه من منتجات في قطاعات الاقتصاد التقليدي. وإذا لم نحسن الاستفادة من هذه الفرصة سيبقى نشاطنا مقتصراً على الدائرة المحلية والإقليمية. الابتكار مطلوب اليوم من علماء الدين ورجال القانون والمحكّمين وكل المعنيين والناشطين في الاقتصاد الإسلامي من أجل تحقيق التناغم والانسجام بين المعايير الإسلامية لمواكبة المتطلبات المتنامية بسرعة قياسية للعملاء وللأجيال الجديدة التي تختلف تطلعاتها بشكل جذري عن تطلعات أسلافها. مقال لعبدالله محمد العور، الرئيس التنفيذي لمركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي. المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN
مشاركة :