معركة طرابلس تشعل حرب البنوك في ليبيا

  • 4/26/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

دفع قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر بالكثير من قواته العسكرية في حملة لإنهاء الانقسام في البلاد، حيث تتنافس حكومتان، واحدة في الشرق وأخرى في الغرب. تشي التطورات بتحقيق الجيش الليبي تقدما، لكن المعركة لم تحسم بعد. ولا يمكن قراءة تطورات الأحداث في ليبيا في سياقها العسكري فقط، بل أيضا في سياق معركة منفصلة تتمثل في استمرار عمل نظام مالي مواز يمول جنود الجيش الليبي، هذا بالإضافة إلى السياقات الإقليمية والدولية التي تدور المعركة في فلكها. حشد حفتر أكبر حملة عسكرية في ليبيا منذ الإطاحة بمعمر القذافي في 2011 ليتقدّم نحو طرابلس، مقر حكومة الوفاق التي تساندها الأمم المتحدة في ليبيا، من معقله في الشرق، حيث لديه حكومة، مدعومة من البرلمان وفرع للمصرف المركزي. ويستقي القائد العسكري التمويل لشرق ليبيا من مزيج من سندات غير رسمية وأموال نقدية مطبوعة في روسيا وودائع من بنوك في الشرق، مراكما بذلك ديونا قاربت 35 مليار دينار ليبي (25.18 مليار دولار) خارج النظام المصرفي الرسمي. لكن دبلوماسيين ومصادر مصرفية يقولون إن مصادر الدعم تلك ربما تكون في طريقها إلى الانتهاء مع اتخاذ المصرف المركزي في طرابلس، الذي يسيطر على إيرادات البلاد من الطاقة، خطوات للحد من عمليات البنوك في الشرق. وأضافوا أن تلك البنوك وجدت صعوبة في الشهور القليلة الماضية للوفاء بالحد الأدنى من متطلبات الإيداع، وهو ما قد يعطي مصرف طرابلس المركزي المتحالف مع رئيس وزراء حكومة طرابلس فايز السراج ذريعة لمنع حصولها على العملة الصعبة. وقالت كلوديا جاتسيني، كبيرة محللي شؤون ليبيا في مجموعة الأزمات الدولية، “ثمة أزمة مصرفية تلوح في الأفق قد تقوض قدرات سلطات شرق ليبيا على تمويل نفسها في المستقبل القريب”، مضيفة أن “الأزمة كانت تتشكل بالفعل قبل اندلاع الحرب”. دولة الرفاهتحدثت تقارير عن دعم خارجي لحفتر بمساعدة الإمارات ومصر اللتين زودتاه بالعتاد الثقيل مثل الطائرات الهليكوبتر. لكن عدة مصادر دبلوماسية أبلغت وكالة رويترز بأن هذه الدول تفضل عدم تقديم أموال نقدية مباشرة إلى حفتر خشية أن ينتهي الأمر باستخدامها في أغراض خاطئة، وأن مساعدتها تأتي في إطار دعم مساعي إرساء الاستقرار في ليبيا. وأفادت مصادر عسكرية بأن ذلك أجبر حفتر على اللجوء إلى تجار لاستيراد مركبات وغيرها من العتاد مستخدما العملة الصعبة التي حصلت عليها بنوك الشرق التجارية من مصرف طرابلس المركزي في إصدار خطابات ائتمان. والوقود ليس مشكلة في ظل عدم تجاوز كلفة اللتر 0.15 دينار وتقديم المؤسسة الوطنية للنفط خدماتها للبلاد بأكملها. لكن الجيش الوطني الليبي في إطار محاولته السيطرة على طرابلس يستخدم مئات المركبات التي تذهب دون توقف في قوافل من بنغازي حاملة أي شيء من الجنود إلى الذخائر والطعام.وعلاوة على ذلك تقلع طائرات روسية الصنع في رحلتين يوميا من بنغازي إلى الجفرة في وسط ليبيا، قاعدة الدعم الرئيسية للجيش الوطني الليبي. ويجري نقل الجنود المصابين بجروح خطيرة جوا إلى تونس. ويدفع تعقد المعركة، نظرا لأهميتها، الجيش الوطني الليبي إلى إرسال المزيد من القوات. أقر مجلس النواب (البرلمان)، الذي يدعم حكومة الشرق، في نوفمبر الماضي قانونا لتأسيس سلطة استثمار عسكرية تمنح الجيش الليبي السيطرة على قطاعات من الاقتصاد منها الأنشطة المدنية مثل المعادن الخردة مستلهما في ذلك ما يحدث في مصر من مشاركة الجيش في النشاط الاقتصادي. وشركات سلطة الاستثمار معفاة من الضرائب ورسوم الواردات في إطار دولة الرفاه التي أعلن عنها حفتر، لكن محللين يقولون إنها تحتاج إلى البنوك للتعامل مع الشركاء في الخارج وتوسيع نطاق أعمالها. وقال دبلوماسي غربي “إذا انهارت البنوك فستواجه دولة الرفاه التي أعلنها حفتر ضغوطا”. ويقول محللون إن البنوك العاملة تحتاج أيضا إلى حكومة حفتر الموازية من أجل دفع الرواتب وخدمة شبكة دعم الجيش الوطني الليبي. ويغطي المصرف المركزي في طرابلس بعض الرواتب الحكومية في شرق ليبيا لكن ليس رواتب الجنود الذين استعان بهم الجيش الوطني الليبي بعد 2014 عندما انقسمت البلاد إلى إدارتين إحداهما في الشرق والأخرى في الغرب. واستبعد مصرف طرابلس المركزي بالفعل ثلاثة بنوك من الشرق من النظام المصرفي الإلكتروني في ليبيا بهدف الحد من عملياتها. وقال دبلوماسيون ومصادر في مجال الأعمال إن البنوك لا تزال قادرة على الحصول على العملة الصعبة عبر بنوك أخرى لكن في خطوة جديدة قد يمنع مصرف طرابلس المركزي إمكانية الحصول عليها تماما. وتعهد المصرف المركزي في طرابلس بالبقاء على الحياد في الأزمة التي تعصف بليبيا، لكن دبلوماسيين يقولون إنه يساعد أيضا السراج بالموافقة على خططه لتخصيص نحو ملياري دينار ليبي لمجهوده الحربي والذي يعني دعم الميليشيات المسلحة التي يتفق المجتمع الدولي مع حفتر بخصوص ضرورة مواجهتها ونوع سلاحها لأنها رأس عدم الاستقرار في ليبيا وستستمر الأزمة طالما بقيت الأموال تتدفق على قادة الميليشيات والكتائب المسلحة. وثمة أزمة مصرفية تتشكل معالمها في شتى أنحاء ليبيا وخاصة في الشرق، حيث تجد ثلاثة بنوك هناك صعوبة في مواصلة إيداع نسبة العشرين بالمئة اللازمة من أموال الزبائن في مصرف طرابلس المركزي. ودفعت تلك البنوك المزيد من العملة الصعبة في الشهور القليلة الماضية لكن عليها موازنة حساباتها. وقال حسني بي، أحد القادة البارزين في عالم الأعمال ومالك مجموعة اتش.بي، “ودائعها لدى مصرف طرابلس المركزي تقل عن الحد الأدنى الذي يشترطه القانون”. خيارات قليلة لا يتوقع الدبلوماسيون أن يغلق محافظ مصرف طرابلس المركزي صادق الكبير بنوك شرق ليبيا كلية لما قد يمثله ذلك من خطورة على بنوك الغرب. فالبنوك نفسها تعمل في الغرب والشرق بتدفقات مالية يصعب التمييز بينها. لكنهم يخشون أنه كلما طال أمد الصراع زادت صعوبة توحيد المصرفين المركزيين وسداد الديون. وقال بي إن ديون الغرب تبلغ 68 مليار دينار، مما يصل بإجمالي العجز والدين العام في ليبيا إلى 130 مليار دينار، منها التزامات حكومية غير مسددة مثل التأمينات الاجتماعية. وأكثر ما يبعث على قلق الدبلوماسيين هو أن حكومة الشرق ربما تحاول بيع الخام من الحقول النفطية والمرافئ بعيدا عن المؤسسة الوطنية للنفط. وقال دبلوماسي غربي “إذا فشل الهجوم فربما يفعل حفتر ذلك في ظل شعوره بتشجيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب”. وكان البيت الأبيض قال يوم الجمعة الماضي إن ترامب أبلغ حفتر هاتفيا بأنه يعترف “بدوره الكبير في مكافحة الإرهاب وتأمين موارد ليبيا النفطية”، وهو تعليق أغضب خصومه لكنه ألهب حماس أنصار الجيش الوطني الليبي، الذي يسيطر على أهم الحقول النفطية في ليبيا ومنها حقل الشرارة، جنوب البلاد. وكان الجيش الليبي أوقف في يوليو الماضي ضخ النفط واشترط إقالة محافظ مصرف ليبيا الصديق الكبير، وتشكيل لجنة تقصّي حقائق دولية للتحقيق في دعم المصرف للجماعات الإرهابية، مقابل استئناف الإنتاج من جديد، ويبدو أنه لن يتردد في تكرار الأمر إذا استوجبت المعركة ذلك من أجل افتكاك البلاد من أيدي الميليشيات المسلحة والمستفيدين منها.

مشاركة :