قوة النهوض من الفشل .. محرك صناعة الطيران

  • 4/26/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في عام 1919، أسس ريموند أورتيج، صاحب فندق أمريكي ولد في فرنسا، جائزة بقيمة 25 ألف دولار لأول شخص يطير دون توقف من نيويورك إلى باريس. المحاولة الافتتاحية، في عام 1926، من قبل الطيار الفرنسي رينيه فونك، انتهت فجأة عندما تحطمت طائرته سيكورسكي في نهاية مدرجها في لونج آيلاند، ما أسفر عن مقتل اثنين من طاقمه المكون من ثلاثة أشخاص. عدد من الفائزين المحتملين بالجائزة تحطمت بهم الطائرات أيضا. على أنه في أيار (مايو) من عام 1927، نجح تشارلز ليندبرج في طائرته "روح سانت لويس" في اجتياز المحيط الأطلنطي، وهبط بعد 33 ساعة ونصف، في مطار لو بورجيه، حيث تجمهر حوله حشد مكون من 150 ألف شخص، قبل العودة وملاقاة ترحيب حار في الولايات المتحدة، أيضا. الطيران عبر المحيط هو أمر روتيني اليوم، وعلى الرغم من المآسي مثل حوادث تحطم طائرتي بوينج 737 ماكس في الآونة الأخيرة، إلا أنه آمن للغاية. العام الماضي، كان هناك 37.8 مليون رحلة جوية، وقع منها 15 حادثا مميتا فقط، وذلك وفقا لشبكة سلامة الطيران. كما هو الحال مع رحلة ليندبيرج، دائما ما يعتمد الطيارون على إخفاقات الآخرين ويتعلمون منها. هذه الكتب – عن الخطوط الجوية الأمريكية العالمية بان أمريكان وطائرة كونكورد وفريدي ليكر – هي عن ثلاثة من أكثر الإخفاقات روعة. لم يعد أي منها معنا الآن، لكنها جميعا، من خلال الطموح المتزايد، شكلت عالم الطيران لدينا، من خلال إلقاء الضوء على ما كان يمكن ولا يمكن تحقيقه. خوان تريبي القائد المؤسس للخطوط الجوية الأمريكية العالمية، كان حاضرا في ميدان روزفلت في لونج آيلاند، عندما بدأ ليندبيرج رحلته عبر المحيط. لطالما كان مفتونا بالطائرات. عندما كان صبيا، كان يشاهد والده من باتري بارك في نيويورك عندما أظهر ويلبر رايت، أحد الأخوين اللذين كانا أول من حلق بطائرة بمحرك في عام 1903، مهاراته من خلال الدوران حول تمثال الحرية. يبدأ كتاب مارك كوتا فاز وجون هيل بالعقود الأولى للخطوط الجوية الأمريكية العالمية، أول رحلة لها كانت في عام 1927، عندما كانت تحمل البريد من كي ويست إلى هافانا، وأول رحلة ركاب لها إلى أوروبا في عام 1939، عشية الحرب العالمية الثانية. ويذكر تفاصيل تقدم الخطوط الجوية في أمريكا اللاتينية وآسيا والحيل التي استخدمتها للطيران إلى أماكن لم يكن مرغوبا فيها. بعد منعها من دخول أستراليا، تفاوضت شركة بان أمريكان على حقوق الهبوط في كاليدونيا الجديدة، التي كانت تسيطر عليها فرنسا، واستخدمت يختا لنقل الركاب إلى أستراليا، حيث تراجعت السلطات عن قرارها في نهاية المطاف. محور كتاب "بان أمريكان في الحرب" هو الحرب العالمية الثانية، حيث ساعد تريبي، جهود الحلفاء الحربية، بتوطيد دعائم المنظمة التي أصبحت رمزا لتوسع الطيران التجاري بعد انتهاء الصراع. في لندن في عام 1941، ألقى محاضرة ويلبر رايت التذكارية الـ 29 أمام الجمعية الملكية للطيران أثناء الهجوم السريع، ودعي تريبي إلى مقر رئاسة الوزراء، حيث تحدث أثناء مأدبة عشاء منتصف الليل مع ونستون تشرشل، رئيس الوزراء، حول نقل الإمدادات العسكرية من الولايات المتحدة إلى القوات البريطانية في شمالي إفريقيا. مع دعم الرئيس فرانكلين روزفلت، نقلت شركة بان أمريكان، قبل وبعد دخول أمريكا إلى الحرب، الطائرات والمعدات إلى الحلفاء في إفريقيا وآسيا. عندما كانت القوات الألمانية في إفريقيا بقيادة رومل على أبواب القاهرة، أرسل الجيش البريطاني مكالمة عاجلة لقاعدة شركة بان أمريكان في آكرا: كان مونتجمري بحاجة إلى 15 طنا من مصاهر المدفعية المضادة للدبابات. لا يستمتع أي طيار بنقل مثل هذه المعدات الخطرة – حيث تنفجر المصاهر بسهولة – لكن طاقم الخطوط الجوية أخذها من لاجوس في نيجيريا وسلمها إلى مونتجمري. يستشهد كتاب "بان أمريكان في الحرب" من مراقب كتب في ذلك الوقت: "على الرغم من أن الحرب أوقفت كل التطورات التجارية الطبيعية، إلا أن ضرورة نقل العتاد العسكري والأفراد العسكريين إلى جميع أنحاء العالم، قدمت دافعا هائلا للخطط من أجل مسارات الطيران النهائية على نطاق عالمي". بعد الحرب، كانت شركة بان أمريكان، مع مقرها الرئيس الهائل فوق محطة جراند سنترال للسكك الحديدية في مدينة نيويورك، رمزا لكل من عصر الطائرات النفاثة وقوة أمريكا. نجم شركة بان أمريكان تلاشى في وقت لاحق. تفجير إحدى طائراتها فوق لوكربي في عام 1988 أضعف ثقة الركاب بها. كما كافحت مع ارتفاع أسعار النفط بعد الغزو العراقي للكويت في عام 1990 وانهارت في العام التالي. على أن اسمها ظل مكتوبا في تاريخ الطيران. كذلك هي الحال مع طائرة كونكورد. كانت هناك طائرات رائعة من طراز بوينج 747 المهيبة إلى طراز إيرباص ذات الطابقين، وطائرة A380 التي سيتم إيقافها قريبا. لم تكن هناك طائرة استثنائية بقدر "كونكورد". يكتب سام شيتوم في كتاب "الأيام الأخيرة لطائرة كونكورد" أنها "دائما ما كانت تبدو متقدمة خطوة عن الحاضر، آلة أحلام فائقة الحداثة بجناحها المثلث الأملس، وجسم طائرتها النحيف للغاية ومقدمتها المدققة المميزة، جعلها غريبة ولافتة للنظر على حد سواء". طائرة كونكورد، التي بدأت أولى رحلاتها للركاب في عام 1976، كانت تطير على نحو أسرع من أي طائرة تجارية قبل ومنذ ذلك الحين: بمعدل ضعف سرعة الصوت. من الناحية العملية، استطاعت طائرة كونكورد نقل ركابها إلى وجهاتهم قبل مغادرتهم. كانت كونكورد تقلع من باريس في الساعة 10:30 صباحا، وتهبط في نيويورك في الساعة 8:12 صباحا. كان تصميمها الداخلي فاخرا، وإن كان ضيقا، فقد كانت تحمل 100 راكب فقط. بالنسبة إلى أي شخص تمتع بامتياز الطيران فيها، كانت طائرة كونكورد تجربة لا تنسى. كانت هناك الإثارة عندما قامت الشاشة في المقدمة بتمييز تسارع الطائرة إلى سرعة الصوت ماك Mach 1، وهو الارتعاش الطفيف الناتج عن قيام أنظمة قوة الدفع في الطائرة بدفعها عبر حاجز الصوت، وكما يشير شيتوم، "البانوراما المذهلة التي تضمنت انحناء الأرض، وفي الأعلى، السواد النيلي للفضاء الخارجي". كانت طائرة كونكورد انتصارا للتعاون الإنجليزي الفرنسي، الذي بدأ في الستينيات عندما كانت الحكومتان البريطانية والفرنسية تبحثان عن مشروع مرموق يماثل إنجازات أمريكا في الفضاء. يقتبس الكتاب من طيار الاختبار بريان تروبشو قوله، "ليس من غير المعقول النظر إلى طائرة كونكورد كمعجزة. من كان يتوقع أن اقتران حكومتين وشركتين لهياكل الطائرات وشركتين للمحركات – لكل منها ثقافة ولغة ووحدة قياس مختلفة – يمكن أن يحقق إنجازا فنيا بحجم طائرة كونكورد؟". هي إنجاز فني، لكنها فشل تجاري. تم بناء 20 طائرة كونكورد فقط، 14 منها كانت في الخدمة بانتظام. كانت طائرة كونكورد تستهلك كثيرا من الوقود، ومع صدمة النفط في السبعينيات، أرادت شركات الطيران مزيدا من الطائرات الموفرة للطاقة. ضجيج طائرة كونكورد المدوي كان يعني أنه لم يسمح لها قط بالطيران خارج المدن الشرقية في أمريكا، على الرغم من أن أبطال الطائرة رأوا عنصرا من الاستياء الأمريكي لنجاح طائرة كونكورد أيضا. وبعد ذلك، في الـ 25 من تموز (يوليو) من عام 2000، أثناء توجيه طائرة كونكورد تابعة للخطوط الفرنسية خلال إقلاعها من مطار شارل ديجول في باريس، رأى أحد مراقبي الحركة الجوية نيرانا قوية تندفع تحت أحد الجناحين. حذر خدمة إطفاء الحريق في مطار شارل ديجول للاستعداد لعودة الطائرة وهبوطها. بدلا من ذلك، أعلن الضابط الأول في طائرة كونكورد أنهم يتجهون إلى مطار لو بورجيه القريب، إلا أنهم لم يصلوا قط. لقد تحطمت رحلة الخطوط الفرنسية 4590 واصطدمت بأحد الفنادق، ما أسفر عن مقتل جميع الركاب الـ 100، والطاقم المكون من تسعة أشخاص وأربعة من موظفي الفندق. يروي شيتوم التحقيق في حادثة التحطم، بقيادة مكتب التحقيقات والتحليلات في فرنسا، بحماس: اكتشف المحققون أن قطعة معدنية بطول 43 سنتمترا على المدرج كانت قد فجرت أحد الإطارات، ما أدى إلى تمزق خزان الوقود. دراسة عن الطائرات التي كانت قد أقلعت قبل طائرة كونكورد قادت المحققين إلى طائرة كونتيننتال إيرلاينز DC-10 التي كانت تفتقد قطعة معدنية من الغطاء الخلفي لأحد محركاتها، مع أثر لغراء أحمر يطابق ذلك الذي على الشريط المعدني. استأنفت طائرة كونكورد رحلاتها، لكن المجد كان قد اختفى. في عام 2003، قررت الخطوط الجوية البريطانية والخطوط الجوية الفرنسية إيقاف الطائرة عن العمل إلى الأبد. السفر الجوي الآن يتعلق بالكفاءة والتحكم بالتكلفة وليس السحر والسرعة. كان العالم يتجه نحو حقبة خالية من الميزات الإضافية – من شركات طيران ساوث وست، وإيزي جيت وريان إير. عندما كانت شركة ساوث وست تطير في تكساس فحسب، وحتى قبل التفكير في شركتي إيزي جيت وريان إير، كان هناك فريدي ليكر. ليكر الشاب، الذي ولد في كانتربري، كينت في عام 1922، وهجره والده الجندي في البحرية الملكية، وربته والدته، التي كانت تقطف الفواكه وتنظف المنازل وتتاجر بالخردة للإنفاق عليه، ترك المدرسة ليصبح متدربا في شورت براذرز، مصنع الطائرات الأول في العالم الذي كان يصنع الطائرات للأخوين رايت. أمضى أعواما في إدارة مخططات الطائرات بعد الحرب. وطار بطائرات سلاح الجو الملكي (التي تم تحويلها إلى طائرات مدنية) تسافر إلى برلين خلال الحصار الروسي للمدينة، فضلا عن توفير قطع الغيار لمشغلين آخرين يفعلون الشيء نفسه. بعد تكديس محركات مقاتلات موستانج من زمن الحرب التي تخلى عنها الجيش الأمريكي في المملكة المتحدة، أعاد بيعها إلى الولايات المتحدة لاستخدامها في الحرب الكورية. في عام 1966، أسس ليكر إيرويز كشركة مقاولات لصناعة الرحلات السياحية المزدهرة في ذلك الحين، لكنه حقق الشهرة في كل من وطنه الأم والولايات المتحدة بطائرة سكاي ترين، التي بدأت في عام 1977، بتقديم رحلات بأسعار منخفضة بين لندن ونيويورك للزبائن الذين كانوا يأتون بدون حجز في اليوم نفسه. خدمات ليكر، التي تضمنت لاحقا رحلات من مانشستر وبريستويك في اسكتلندا، وإلى ميامي وتامبا ولوس أنجلوس، جعلته بطلا شعبيا. كما قلبت أيضا رأسا على عقب الأعمال المنظمة للغاية للسفر عبر المحيط للشركات الثلاث الكبرى: الخطوط الجوية البريطانية وأمريكان إيرلاينز وترانس وورلد TWA، التي خفضت أسعارها في محاولة لدفع ليكر إلى الإفلاس، الأمر الذي حققته في عام 1982. كتاب "ليكر: أعوام المجد للسير فريدي ليكر" شارك في كتابته جريجوري ديكس، الذي أمضى 20 عاما في العمل لصالحه. واجبات ديكس كانت تشتمل على إدارة الأعمال في الولايات المتحدة، وإيصال ليكر إلى المنزل بأمان. في حين أنه من الواضح أن ديكس لا يزال يجد "تربيت ليكر المميز" في رحلاته أمرا مسليا للغاية، إلا أن هذه ليست سيرة قديس. في نحو 600 صفحة، يشكل الكتاب قراءة طويلة، وتشير علامات الترقيم إلى أن المحرر قد توقف عن العمل لأجزاء طويلة من الرحلة. على أن قيمته تكمن في تقييم ديكس للطريقة التي أسهم بها ليكر نفسه في سقوطه، في حين كانت هناك جهات قوية تعمل ضده. وقد طلب طائرات إيرباص طراز A-300 على أساس توقع غامض أنها ستكون قادرة على البدء برحلات طيران أوروبية، باستثناء خط واحد إلى زيوريخ، لم يسمح له قط بتسييره. وأطلق خدمة "فئة رجال الأعمال" ريجنسي على طائراته، التي عانى من أجل ملئها وكانت خروجا على أسلوبه في الطيران دون ميزات إضافية، الأمر الذي عمق من تصميم الشركات الناقلة الكبيرة على التخلص منه. وفي حين أن ديكس يوافق على أن الشركات الثلاث الكبيرة تآمرت بالتأكيد ضد شركة سكاي ترين، إلا أنه يقول إن ليكر انضم أحيانا إلى مباحثات تلك الشركات الخاصة بتحديد أسعار التذاكر، حيث خاطر بذلك في أن يكون عرضة للمساءلة القضائية في الولايات المتحدة، وقلص قدرته على التصرف فيما بعد. الذي حدث هو أن الشركات أتقنت نموذج الطيران ذي التكاليف الرخيصة بعد أن أفلس ليكر: أسطول يتألف من طائرة واحدة وتجنب ألعاب الأطفال في فئة رجال الأعمال. ليكر هو الذي أظهر أن هناك سوقا ضخمة غير مستغلة للرحلات الرخيصة. جميع الأبطال في الكتب الثلاثة لديهم من يقلدهم: شركة بوم أمريكية، تعتزم إنشاء طائرة ركاب نفاثة عابرة للصوت جديدة. عدد من خطوط الطيران ذات التكاليف الرخيصة حاولت تحقيق إنجازات ليكر عبر الأطلنطي. شركة نورويجيان إير تعاني متاعب مالية. وشركة جت بلو الأمريكية أعلنت أنها ستبدأ رحلات من نيويورك وبوسطن إلى لندن في عام 2012. الفشل أمر شائع في عالم الطيران. إذا كان أحد هذه المشاريع سيحقق النجاح، فإنما مرد ذلك إلى الدروس التي تعلمونها من الرواد الذي ركبوا من قبلهم.

مشاركة :