أثارت المعلومات التي نشرتها السفارة الأمريكية في بغداد، حول جني المرشد الإيراني علي خامنئي، ثروة تقدر ب200 مليار دولار، التساؤلات حول كيفية جمع هذا المبلغ الهائل من قبل رجل كان يعيش في أسرة فقيرة قبل أن يصبح أحد قادة النظام الإيراني، ثم مرشده.وورد في السيرة الذاتية للمرشد الإيراني في موقعه الرسمي، أن خامنئي المولود عام 1939، من عائلة رجال دين في مدينة مشهد، مركز محافظة خراسان شمال شرق إيران، عاش فترة طفولته «في عسرة وضيق شديدين».ونقل الموقع عن خامنئي: «لقد قضيت طفولتي في عسرة شديدة، خصوصاً أنها كانت مقارنة لأيَّام الحرب. وعلى الرغم من أن مشهد كانت خارجة عن حدود الحرب، وكان كلُّ شيء فيها أكثر وفوراً، وأقل سعراً نسبة إلى سائر مدن البلاد، إلا أنَّ وضعنا المادي كان بحيث لم نكن نتمكّن من أكل خبز الحنطة، وكنّا عادة نأكل خبز الشعير، وأحياناً خبز الشعير والحنطة معاً، ونادراً ما كنّا نأكل خبز الحنطة. إنني أتذكّر بعض ليالي طفولتي، حيث لم يكن في البيت شيء نأكله للعشاء، فكانت والدتي تأخذ النقود - التي كانت جدتي تعطيها لي أو لأحد إخواني أو أخواتي أحياناً - وتشتري بها الحليب أو الزبيب لنأكله مع الخبز. لقد كانت مساحة بيتنا الذي ولدت وقضيت نحو خمس سنوات من عمري فيه بين (60 - 70 متراً) في حي فقير بمشهد، وفيه غرفة واحدة، وسرداب مُظلم وضيّق».وخلال حقبة الستينات والسبعينات، اعتقل خامنئي وسجن عدة مرات من قبل جهاز مخابرات الشاه «السافاك»، وقضى العامين الأخيرين قبل الثورة، أي من 1977 حتى 1979، مبعداً إلى مدينة إيرانشهر بمحافظة بلوشستان، قبل أن يتم إطلاق سراحه قبيل الثورة بأشهر.وحتى بعد أعوام من الثورة وعضويته في مجلس قيادة الثورة، ثم رئاسة الجمهورية، لم يُعرف عن خامنئي أنه يقوم بجمع الأموال، ويبدو أنه قام بذلك منذ تسلمه منصب المرشد عقب وفاة الخميني عام 1989.يحصل المرشد الإيراني وفق الدستور على تخصيصات هائلة من الموازنة السنوية تذهب ل«بيت المرشد»، ومكتبه الخاص، والمؤسسات التابعة له، التي لها ميزانية بالمليارات من موازنة الدولة العامة. كما يهيمن المرشد الإيراني على مؤسسة عملاقة تعرف باسم «هيئة تنفيذ أوامر الإمام الخميني»، أو ما تعرف اختصارا ب«ستاد».في البداية، كانت «ستاد» عبارة عن هيئة مصادرة العقارات والأراضي التي تعود ل«مناهضي الثورة والنظام»، سواء من المعارضين لنظام ولاية الفقيه، أو بقايا حكم الشاه.كما صادرت الهيئة أراضي وعقارات عامة لا مالك لها، وقامت بمصادرتها لمصلحة بيت المرشد ومؤسساته المتشعبة، وتجني له نحو 100 مليار دولار بين ثروة في حسابات سرية، وأصول، غير خاضعة للرقابة ولا تدفع أية ضرائب.وتم تصنيف «ستاد» من قبل وزارة الخزانة الأمريكية على قائمة العقوبات منذ عام 2013.وتقوم «ستاد» بالاستثمارات في مجالات المال والنفط والاتصالات، وبدعم رئيس السلطة القضائية السابق في إيران، صادق لاريجاني، الذي يرأس حالياً مجلس تشخيص مصلحة النظام، والمتهم بفتح 63 حساباً سرياً لجمع الكفالات المالية للمتهمين قضائياً، وهي ملفات 40 مليون مواطن، وتدر له أرباحاً، بينما تتم مصادرة أغلبها لمصلحة شخص لاريجاني.أما المؤسسة العملاقة الأخرى التي يهيمن عليها خامنئي، فهي مؤسسة «آستان قدس رضوي» التي تشرف على إدارة ضريح الإمام الرضا الشهير في مدينة مشهد، وتعتبر إحدى المؤسسات الكبرى التابعة للصناديق الخيرية الضخمة التابعة بدورها لمؤسسة «بنياد»، وهي من المؤسسات الاقتصادية الضخمة التابعة لبيت المرشد، والمعفاة من الضرائب، وتشكل نسبة كبيرة من الاقتصاد غير النفطي الإيراني تصل أموالها إلى 20% من إجمالي الدخل الوطني.وتبلغ قيمة عقارات «بنياد» اليوم نحو 20 مليار دولار شاملة نحو نصف الأراضي في مدينة مشهد، كما أن الشركات التي تمتلكها تشمل شركات كبيرة مثل رضوي للنفط والغاز، شركة رضوي للتعدين، ماهاب قدس، ومجموعة مابنا وشهاب خودرو.وتتميز «آستان قدس رضوي» بامتلاكها عدداً من المؤسسات والشركات التابعة وحيازات الأراضي في جميع أنحاء البلاد.وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، صنف تقرير منظمة «الشفافية الدولية»، إيران في المركز 138 من بين 180 دولة بمدى تفشي الفساد المالي، حيث يعد هذا أسوأ تصنيف لها على مدى السنوات القليلة الماضية. وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، وصف قادة النظام الإيراني ب«عصابة المافيا»، خلال خطاب له أمام الجالية الإيرانية في كاليفورنيا في يوليو/ تموز الماضي، حيث تطرق إلى قائمة من السرقات وعمليات الاختلاس ونهب الثروات التي قام بها المرشد الأعلى للنظام خامنئي، ورجال دين آخرون، ومسؤولون كبار في النظام. وسلط بومبيو الضوء على الفساد المستشري على أعلى المستويات في الحكومة الإيرانية، ووصف «آيات الله» الحاكمين بأنهم «مهتمون بجني الثروات أكثر من الدين». كما قال إن «ثراء زعماء إيران وفسادهم يظهران أن إيران تدار من شيء يشبه المافيا، وليس من حكومة». وشدد على أن «هؤلاء الرجال الأشرار المنافقين ابتدعوا جميع أنواع الطرق الملتوية ليصبحوا أغنى الرجال على وجه الأرض، بينما يعاني شعبهم».وكان المخرج الإيراني الشهير محسن مخملباف، كتب تقريراً مطولاً تحت عنوان «أسرار حياة خامنئي»، تحول إلى فيلم فيما بعد، عقب اندلاع الانتفاضة الخضراء عام 2009، كشف خلاله عن الكثير من أسرار حياة المرشد الإيراني، وصف خلاله كيف تحولت حياة المرشد من شظف العيش إلى البذخ. وكتب مخملباف أنه استقى معلوماته من موظفين سابقين في بيت المرشد، وعملاء سابقين لوزارة الاستخبارات الإيرانية، فروا إلى خارج البلاد في فترات مختلفة، وذكر أن خامنئي تغير حتى في سلوكيته، حيث استبدل تدخين السجائر العادية بالغليون.ويقول مخملباف «إن خامنئي يملك الآن مجموعة كبيرة من الغلايين، يصل عددها إلى 200 غليون، وتبلغ قيمتها مليوني دولار، وثمن أحدها يصل إلى 250 ألف دولار، ويعود تاريخ صنعه إلى ما قبل 300 سنة، وهو مغطى بالذهب ومرصع بالحجارة الكريمة».
مشاركة :