قاعة الأديان في "اللوفر أبوظبي".. منصة للتسامح

  • 4/27/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

التأكيد على المشترك الإنساني حضارياً ودينياً وتراثياً رسالة واضحة تنطق بها كل زوايا متحف «اللوفر أبوظبي»، فطريقة عرض المقتنيات الأثرية، والبيانات المرافقة لكل قطعة، تتحدث بموضوعية وحيادية ونزاهة علمية، عن قواسم مشتركة تظهر حسب التسلسل الزمني للحضارات الإنسانية. التنوع في المقتنيات التي ترصد حقباً تاريخية معينة، وتكتنز بمحتوى معرفي رصين، وبتراث إنساني مشترك، يجعل من المكان ساحة لتفاعلات حية بين الحضارات والثقافات والأديان، تضع زائريها ومن يتجولون بين أقسامها، أمام قصة الحضارة البشرية بتعددها الجغرافي وتنوعها في طرق التعبير رسماً ونحتاً وزخرفة. المتحف الذي يمكن وصفه بسفير «المشترك الإنساني» هدفه الأول والأكبر التقارب والتعارف بين البشر، وإشاعة أجواء التسامح من أبوظبي إلى العالم كله. اللوفر أبوظبي يُعرّف نفسه لزائريه بأنه متحف منفتح على العالم يجمع أعمالاً فنية تنتمي للعديد من العصور والحضارات، وفق مسار زمني يمتد من عصور ما قبل التاريخ إلى الحقبة المعاصرة، مسلطاً الضوء على السمات المشتركة لهذه الأعمال من خلال 12 قسماً بالمتحف، ليلفت الانتباه إلى أوجه التشابه بين أشكال التعبير الفني التي ابتكرها البشر، متجاوزين كل القيود الجغرافية. مقتيات المتحف سواء المعارة بصفة استثنائية من المتاحف الفرنسية أو الإماراتية أو الإقليمية، أو الخاصة بمجموعة «اللوفر أبوظبي» تكشف عن تاريخ عالمي وثيق الصلة بالتبادل الفكري والتقني بين البشر، وتعكس عمق الترابط بين المجتمعات الإنسانية. قاعة الأديان تجسد قاعة الأديان رؤية إنسانية راقية، فمن يدخلها يجد تنوعاً لافتاً من مقتنيات تنتمي لديانات مختلفة، وتتضمن نصوصاً دينية ومخطوطات للتوراة ونسخاً من الإنجيل وكتابات متنوعة للقرآن، ونصوصاً للبوذية. وفي القاعة لافتة توضح معلومات أساسية عن الأديان ونصوصها المقدسة، وفق التسلسل التاريخي، كما تستضيف مخطوطات نادرة من بينها لفافة من التوراة كنص مقدس عند اليهود، وتعرف أيضاً بـ «أسفار موسى»، ونسخاً من الكتاب المقدس في المسيحية، وتتضمن القاعة نسخاً من المصحف الشريف بكتابات وتصاميم متنوعة. شواهد القبور رصد المشترك بين الأديان، مقاربة واضحة لـ «اللوفر أبوظبي» في طريقة عرضه للقطع الأثرية التي تحمل مدلولات دينية، فقيم مثل الرحمة والنور الإلهي، تجدها واضحة في القطع الأثرية داخل القاعة. وطقوس مثل الدفن وفنون تصميم توابيت الموتى والكتابة على شواهد القبور، التي تعكس تعابير مشتركة لأديان متنوعة، ففي قاعد الأديان العالمية يوجد شاهد قبر من حجر البازلت من مكة المكرمة يعود تاريخه إلى الفترة من 700 إلى 900 ميلادية، من مقتنيات الهيئة العامة للسياحة والتراث- المملكة العربية السعودية، ويوجد بالقاعة شاهدُ قبر من الحجر الكلسي لابنة حاخام يهودي يدعى بنجامين من مقتنيات متحف الفن والتاريخ اليهودي في باريس، وشاهدُ قبر مسيحي مزين بصليب نسطوري من قرغيزستان يعود للفترة ما بين 1300 إلى 1350 ميلادية. وبالقاعة أيضاً صفيحة حجرية من ضريح بوذي، يعود إلى مملكة ساتافاهانا بالهند من منطقة أمارافانيو، خلال الفترة من 100 إلى 300 ميلادية. «النور الإلهي» ضمن هذا الإطار، تأتي فكرة «النور الإلهي»، فمنذ العصور القديمة، ارتبط النور رمزياً بالروحية، حيث توجد هذه الصورة المجازية عند كل الأديان والفلسفات الكبرى التي تربط بين النور والوحي. ففي الدين الإسلامي، يتضمن القرآن الكريم سورة باسم «سورة النور»، ويعتبر الضوء المتلألئ من مصابيح المساجد، أو المشكاة، تعبيراً مباشراً وغير محسوس للوجود الإلهي. وفي الكاتدرائيات المسيحية، يتدفق النور عبر نوافذ الزجاج الملون ليضيء للمؤمنين. وفي آسيا، يحمل مؤسس البوذية لقب «بوذا» الذي يعني «المستنير» حيث تتجسد قدسيته في الذهب الذي يطلي تماثيله أحياناً، عاكساً الضوء. وقاعة الأديان في «اللوفر أبوظبي» تضم في أحد أركانها مشكاة إسلامية، وليس بعيداً عنها تجد رسوماً على الزجاج الملون تستخدم عادة في أسقف الكنائس، وإلى جوارهما تمثال بوذي مطلي باللون الذهبي الذي يعكس الضوء. قيمة «الرحمة» وقيمة «الرحمة» إحدى القيم الأساسية لدى مختلف الأديان العالمية، ففي البوذية تتجسد الرحمة في الدور الموكل إلى ما يسمى (البوذاسف)، الذي يلعب دور الوسيط بين بوذا وأتباعه، ويعد مثالاً للرأفة. وفي الإسلام، فإن عبارة «الرحيم» تكررت كثيراً في القرآن الكريم، حيث إنها اسم من أسماء الله الحسنى، كما أنه دعوة للناس لإظهار الرحمة تجاه بعضهم بعضاً. وفي الكنيسة الكاثوليكية يعتبر حنان الأم الذي تبديه مريم لطفلها المسيح تجسيداً ملموساً لرحمة الله بعباده، وتعرض قاعة الأديان تمثال (العذراء والطفل) لتجسيد قيمة الرحمة. وفي القاعة أيضاً تمثال غوانيين (بوذاسف الرحمة) في هيئة أمير يرتدي ثياباً فاخرة. معتقدات آسيوية وتتضمن قاعة الأديان مقتنيات تنتمي لأديان ظهرت في القارة الآسيوية، حيث ساهمت الديانتان الهندوسية والبوذية في نشر عدد كبير من الكتب المقدسة. واختلفت الوسائط المستعملة للكتابة من منطقة لأخرى ولم تقتصر على الكتب فقط. ففي الهند، كُتبت النصوص وجُمعت على سعف النخيل. وفي الصين، استعملت لفائق الحرير نظراً لقيمتها النفيسة، رغم استبدالها تدريجياً بالورق بعد اختراعه في القرن الثاني الميلادي. وتعرض القاعة قائمة بأسماء رهبان بوذيين متوفين من المدرسة البوذية المسماة بـ «الأرض النقية»- من اليابان خلال الفترة من 1650 إلى 1750 ميلادية. مشترك إنساني المنحوتات الحجرية تعكس تقارباً أو تشي بمشتركات إنسانية في طقوس دفن الموتى، يلحظ من خلالها زائر»اللوفر أبوظبي» بسهولة حجم التقارب الشديد بين أغطية التوابيت الحجرية في الحضارتين الفينيقية والفرعونية. كما يعبر الإنسان عن علاقته بالمقدس من خلال مجموعة من الطقوس الدينية العالمية المشتركة، من بينها حج الأماكن المقدسة، كما انتشرت الأضرحة التي أصبحت مقصداً للحجاج. رسالة إنسانية راقية تبثها قاعة الأديان، عبر طريقة عرضها المقتنيات وآليات سردها التاريخي لمشتركات في قيم كبرى تجمع البشرية وتتضمنها الأديان، أجواء القاعة تحتفي بالتعددية والتنوع وتشيع حالة من الاختلاف الذي يُثري الزوار، ويضيف إلى مخيلتهم ووجدانهم ومضات التسامح التي استطاعت قاعة الأديان في لوفر أبوظبي اختصارها بعناية، عبر دور تثقيفي توعوي وتربوي أيضاً يترك بلا شك بصمة إيجابية لدى كل من زار المتحف.. إنها طاقة إيجابية من التسامح عبر وجبة معرفية بمفردات فنية وتراثية وتاريخية يتزود بها الزائر في كل خطوة يخطوها تحت سقف هذا الصرح الثقافي الحضاري الإنساني الذي يحكي قصة الحضارة منذ نشأة القرى الأولى إلى عصر الحداثة وما بعدها. الديانات وتغيير المجتمعات وبسهولة يستطيع الزائر ملاحظة لافتة تعريفية بمحتويات القاعة، تقول إنه منذ ألفي عام، نجحت الديانات التوحيدية العالمية في الوصول إلى معظم المناطق المتحضرة في أوروبا وآسيا وإفريقيا في غضون بضعة قرون. ومن خلال نقل رسالتها للبشرية دون تمييز، استطاعت الديانات تجاوز الخصوصيات الثقافية المحلية وإحداث تحول جذري في مجتمعات العصور القديمة. وأتاح انتشار الأديان في بعض الأحيان فرصة التواصل مع معتقدات أخرى مثل الهندوسية في آسيا والكونفوشيوسية والطاوية في الصين، والشنتو في اليابان والروحانية في إفريقيا. وأصبحت الأديان عاملاً وحّد المجتمعات وأثر على الأنشطة الفكرية والفنية في جميع القارات. الفن مشترك إنساني الفنون أيضاً تعكس مشتركات إنسانية، فطريقة التعبير، وفنون الزخرفة والنحت تتقارب وتتشابه بين هذه الحضارة وتلك، بين مكان وآخر، فمُبدعها في نهاية المطاف إنسان يشترك مع أخيه الإنسان في طريقة التفكير وأدوات التصميم، وأحياناً في الرؤية الإبداعية. شهادات الزوار أول شيء لاحظته الروسية «كريستينا لوسكوتوفا»، عند زيارتها للمتحف طرازه المعماري، ففكرة تدشينه على الماء، تحفّز الطاقة الإيجابية، وتولد شعوراً إيجابياً لدى الزوار، وبساطة المكان لا تجعل من يجول داخله يشعر بالتعب، ويتيح الانتقال من قاعة إلى أخرى داخل «لوفر أبوظبي» مساحة للتفكير، وعند السير من غرفة إلى أخرى، تقول «كريستينا»: يبدو أنك تسافر عبر الزمن وتمر بكامل تاريخ البشرية. وتشير إلى أن مجموعة متنوعة من الشاشات التفاعلية داخل المتحف توفر للزائرين فرصة أكبر للتفاعل مع أجواء المكان. وأخيراً، يستمتع الزائر بالساحة الخارجية، التي تعد مكاناً جميلاً للغاية للاستمتاع بالمياه. وتؤكد «كريستينا» التي تعمل مدرسة للتنمية المبكرة، بأن «لوفر أبوظبي» هذا واحد من المتاحف القليلة التي لم أرغب في الخروج منها. وبعد الجولة التي قمت بها وطالعت خلالها مقتنيات المتحف من القطع الأثرية النادرة، خرجت برؤى وأفكار عامة تشترك فيها الثقافات العالمية، وهذا انطباع نادر لدى من يزور المتاحف الحديثة. وتضيف أن قاعة الأديان العالمية تتضمن مقتنيات مسيحية وإسلامية وأخرى للديانة الهندوسية وغيرها من المعتقدات. تعددية واضحة وريتشارد واين من إنجلترا أتى للمتحف مع زوجته اليابانية وابنه القادم من تركيا، عاش في بريطانيا، واستقر في اليابان، فهو يجمع بين الثقافتين الغربية والشرقية، وهو يرى «لوفر أبوظبي» الذي زاره للمرة الأولى، يتميز عن غيره من المتاحف، كونه يعرض آثاراً وقطعاً فنية من كل العصور ومن كل المناطق، وهذا شيء نادر، المتحف يقدم رؤى مختلفة في الحياة لحضارات متنوعة. «واين» أتى لأبوظبي لزيارة أصحابه، وبعضهم لديه عضوية تمكنه من زيارة المتحف. جون فرانسوا جيلشير من باريس، الانطباع الأول الذي ترسخ لديه لحظة دخول المتحف، هو التعددية الواضحة في الثقافات والحضارات من عصور متنوعة، والمناطق التي تحكي القطع المعروضة داخل المتحف قصتها. مكمن الإبداع في هذا المتحف هو توضيح التقارب بين الثقافات والحضارات والأديان بين الإسلام والمسيحية وغيرهما من الديانات، من خلال عرض مزيج من القطع الفنية والأثرية من شتى بقاع الأرض، ما يعزز التسامح بين الشعوب، من خلال رسالة واضحة يبثها المتحف، الذي يتيح فرصة للتعرف على الآخر الديني والثقافي واللغوي والحضاري. قرية ثقافية عالمية «كوسمو كاري» وأخوه «زين كاري» شابان من بريطانيا مقيمان في أبوظبي، جدهما عراقي وجدتهما من إيرلندا، والدهما إيطالي، ولديهما قناعة بعد زيارتهما الأولى لـ «اللوفر أبوظبي»، بأن من يجول داخله يشعر بأنه أمام «قرية ثقافية عالمية» تجمع كل الثقافات والديانات والحضارات، وزواره من جميع الجنسيات، عرب باكستانيون هنود أوروبيون، ما يعزز التسامح، ويركز على أوجه التشابه والتقارب بين الشعوب والثقافات على مر العصور. ويقول «زين كاري» عن انطباعات الزيارة الأولى لـ«لوفر أبوظبي»: شعور جميل وتجربة رائعة لمن يزور المكان كونه يلحظ كيف تطورت الحضارات من الإنسان البدائي وحياة الكهوف إلى العصور الحديثة، وكيف أدى التعاون والتقارب بين الشعوب إلى تطور الفنون وازدهار الحضارات، المتحف يبث رسالة من الإمارات العربية المتحدة إلى العالم، تتضمن التسامح وقبول الآخر واحترام التعددية الدينية. أجواء الانفتاح كارل براون، من ألمانيا، يقول: «أتيت في زيارة عمل إلى أبوظبي، وهذه هي المرة الأولى لي في العاصمة الإماراتية، أعمل محاسباً، واللوفر أبوظبي لفت انتباهي بتصميمه المعماري الرائع من خلال سقفه الذي يشبه مظلة ضخمة تغطي كامل المبنى». براون يرى أن المعروضات التي يحتفي بها المتحف تشيع أجواء من الانفتاح والتمازج بين ثقافات وحضارات انتشرت وتطورت لتستفيد منها البشرية التي تتعلم شعوبها من بعضهم بعضاً. ويؤكد «براون» أن زيارته رسخت لديه انطباعاً إيجابياً عن المنطقة، وأنه وجد في أبوظبي مكاناً يشجع على التسامح والانفتاح ويجعلهما واقعاً مرئياً وليس مجرد فكرة أو كلام..أما نيفا جاليجو من الفلبين، فتقول إن المتحف الذي تزوره للمرة الأولى يطرح ثقافات متنوعة وحضارات كثيرة وأنماطاً عديدة من الفنون من مناطق شتى، وهذا يعزز قيمة التعايش بين الشعوب. تعزيز التسامح بأدوات متعددة أكد مانويل راباتيه، مدير متحف اللوفر أبوظبي، أن المتحف يسعى باستمرار إلى تعزيز مبدأ التسامح والحوار ما بين الحضارات عبر سبُل متعددة. فهو أول متحف عالمي في العالم العربي، ومجموعته الفنية تشمل أعمالاً فنية وقطعاً أثرية من مختلف الحضارات والعصور. ونحن نفخر بأن جميع زوارنا، من أي دولة أتوا، يجدون في المتحف ما يعكس حضارتهم وتوجهاتهم ورؤيتهم للعالم. كما أننا نحرص على أن تكون مجموعتنا ومعارضنا شاملة ومتاحة للزوار كافة من جميع الأعمار والخلفيات. ولا بد من الإشارة إلى أن متحف الأطفال يقدّم لزواره مجموعة متنوّعة من النشاطات المخصصة للأطفال والعائلات، وذلك ليتمكن جميع أفراد الأسرة من فهم الأعمال الفنية المعروضة. إلى جانب ذلك، أشار «راباتيه» إلى أن اللوفر أبوظبي يبذل جهوداً حثيثة ليكون متاحاً للزوار من أصحاب الهمم وذلك عبر تسهيلات عدّة، منها المحطات الحسيّة الموجودة في قاعات العرض والتي تمكّن الزوار من التفاعل مع القطع المعروضة. ويقول راباتيه: استقبلنا في العام الأول على افتتاح المتحف مليون زائر من مختلف أنحاء العالم، ونحن ندعوهم باستمرار لزيارة هذا المتحف العالمي للتمتع بمجموعته الفريدة ومعارضه المتميّزة وهندسته المعمارية الرائعة.

مشاركة :