“للرجل السليم آلاف الأمنيات وللمريض أمنية واحدة”. على حسب هذا المثل القديم، يكون المريض مستعدا لإنفاق مبالغ مالية طائلة لإنهاء معاناته مع المرض واسترجاع عافيته. وبالتزامن مع ذلك، يتّجه العديد من الدجّالين للالتفاف حول المريض ليحدّثوه عن ممارسات غريبة وأدوية عجيبة قادرة على علاجه بغية سلبه أمواله. وانطلاقا من ذلك، شهد العالم خلال القرن 19 ظهور مصطلح “زيت الأفعى” والذي يشير لمادة بدون أية قيمة طبية تذكر تباع في الأسواق مقابل أسعار باهظة كعلاج لجميع أنواع الأمراض. وعلى مر التاريخ، سجلت مثل هذه الأدوية الغريبة والتي يدعي أصحابها أنها صنعت من مواد طبيعية ذات قدرة شفائية عجيبة انتشارها بكثافة في مختلف أرجاء العالم حيث درّت مثل هذه التجارة أرباحا خيالية على مروجيها. فضلا عن ذلك، ظلت القوانين التي منعت مثل هذه الممارسات غائبة في أغلب البلدان إلى حدود القرن العشرين وهو ما سمح لهؤلاء الدجّالين بإقامة عروض مفبركة في الشوارع لإثبات نجاعة أدويتهم. في الأثناء، سجّل ما يعرف بزيت الأفعى ظهوره بالولايات المتحدة الأميركية أواخر القرن التاسع عشر. فما بين عامي 1849 و1882 حلّ ما يزيد عن 180000 صيني بالأراضي الأميركية بحثا عن العمل وعن فرصة حياة أفضل. وعلى حسب أغلب المصادر، جاء أغلبية هؤلاء المهاجرين من مناطق فلاحية بجنوب شرق الصين ليعملوا في مجال بناء خطوط السكك الحديدية. وعند قدومهم للولايات المتحدة الأميركية، حدّث الصينيون عن دواء منتشر بالصين يستخرج من الأفاعي ويسمى بزيت الأفعى يستخدم كمضاد للآلام. وانطلاقا من قصص الصينيين حول زيت الأفعى، اتجه المواطن الأميركي كلارك ستانلي (Clark Stanley) الملقب بالملك الأفعى المجلجلة (the Rattlesnake King) والمنحدر من مدينة أبيلين بولاية تكساس لاستخدام الحيلة لتحقيق الثروة بطريقة سهلة، فعمد لنشر إشاعات حول قدرة زيت الأفعى على علاج العديد من الأمراض كالروماتيزم وألم الجهاز العصبي والصداع وألم الأسنان، فضلا عن ذلك حدّث الأخير عن تعلمه لكيفية صناعة هذا الدواء العجيب ذي القدرات السحرية بعد قضائه لتربص لمدة سنيتن لدى طبيب من قبيلة هوبي بولاية أريزونا. أنشأ كلارك ستانلي مخابر عديدة لإنتاج زيت الأفعى بكل من ولايتي رود آيلند وماساتشوستس وتحول تدريجيا لرجل أعمال ناجح بفضل الدعاية والعروض المفبركة التي حدّث من خلالها عن فوائد هذا الدواء الغريب، وقدرته على إنهاء معاناة الإنسان مع المرض خلال فترة وجيزة، كما تكلّم أيضا عن قيام العاملين بمخابره على طحن أعداد كبيرة من الأفاعي الميتة للحصول على الزيت المسمى بزيت الأفعى. وفي سنة 1906 مرر الكونغرس الأميركي قانون الأغذية والأدوية النقية والذي كان أول القوانين التي سنتها الولايات المتحدة الأميركية لحماية المستهلك، وبموجب ذلك خضعت العديد من المنتوجات وخاصة الطبية منها لجملة من التجارب والاختبارات للتأكد من مدى فاعليتها. وسنة 1916، عرفت أسطورة زيت الأفعى نهايتها. فخلال ذلك العام، أجرت الإدارة الأميركية جملة من الاختبارات على هذا الدواء الذي صنّعه كلارك ستانلي قبل أن تكشف للأميركيين أن ما حصلوا عليه طيلة السنوات الماضية لم يكن سوى خليط من زيت طبيعي وشحوم الأبقار والفلفل الأحمر وزيت التربنتين والكافور. وبفضل هذا الدواء العجيب حقق كلارك ستانلي ثروة وساهم في ظهور مصطلح جديد باللغة. وفي الأثناء، اتجهت السلطات الأميركية لمعاقبته على ترويج زيت الأفعى فأجبرته على دفع غرامة مالية بلغت قيمتها 20 دولارا فقط.
مشاركة :