الذهاب إلى حافة الهاوية

  • 4/28/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

سليمان جودة كلما بادرت الولايات المتحدة الأمريكية باتخاذ خطوة جديدة إزاء ايران، ردت الأخيرة باتخاذ خطوة تصعيدية في المقابل، وهكذا، فاللغة بينهما منذ أن جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى البيت الأبيض، أقرب الى لغة التصعيد المتواصل المتبادل، منها الى أي شيء آخر، من دون أمل في أن يصلا معاً الى نقطة تلتقط معها المنطقة أنفاسها من توترات هذا المشهد الممتد وعواقبه. وقد كان التزامن واضحاً لكل ذي عينين، بين خطوة أمريكية، وأخرى إيرانية، جرى اتخاذهما على الجانبين في أسبوع مضى. ففي يوم واحد تقريباً، ذهب الطرفان الى تصعيد غير متوقع، وربما كان الطرف الإيراني هو الأسبق بالمبادرة هذه المرة، عندما قرر علي خامئني، مرشد الثورة الإيرانية، تعيين اللواء حسين سلامي، قائداً للحرس الثوري في إيران، خلفاً للواء محمد علي جعفري.. وقد كان القرار قراراً نصف متوقع، لأن تغيير قائد الحرس كان وارداً، ولكن غير الوارد فيه أن يكون سلامي على وجه التحديد هو القائد الجديد. والمعنى أن اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري، كان هو الأقرب الى الموقع، إذا ما طرأ على شاغل الموقع تغيير، ولذلك، يبدو قرار سلامي نصف قرار، من حيث حجم عنصر المفاجأة فيه.. إذ المفاجئ في الأمر هو القائد الجديد، لا التغيير في حد ذاته. وعلى وجه آخر. جاء قرار ترامب بتصفير صادرات البترول الإيراني، بدءاً من الثاني من مايو/‏ أيار المقبل، وهو قرار يتوجه بالأساس الى ثماني دول، كانت الولايات المتحدة استثنتها من قرار فرض عقوبات على صادرات نفط ايران، وقت صدوره في نوفمبر/‏ تشرين الثاني من العام المنقضي، هذه الدول ومنها الصين، والهند، واليابان، وتركيا، أصبح عليها أن تتوقف تماماً عن استيراد ولو برميل بترول إيراني واحد، وإلا خضعت هي نفسها لإجراءات، راح مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، يُلوّح بها يوم اتخاذ القرار، ويقول ما معناه أن الأمر بالنسبة إليها لا يستحق المخاطرة وتعريض نفسها للعقوبات. والغريب حقاً أن كل طرف من الطرفين اللذين يتبادلان التصعيد على مرأى من العالم، كان حريصاً على ترك باب موارب، وهو يمارس تصعيده مع الآخر، لعل ذلك يغري صاحبه على الجبهة الأخرى، فيدخل من هذا الباب متنازلاً خطوة. فواشنطن ما كادت تعلن عن قرار التصفير، وعن موعده، حتى أعلنت أنها مستعدة لفتح باب يعيد التفاوض مع إيران حول مشروعها النووي، إذا ما رغبت في ذلك حكومة الملالي في طهران، وأرادت.. وكان هذا في حد ذاته باباً موارباً.. فلا هو باب مغلق، ولا هو باب مفتوح. وما كادت إيران تأتي بسلامي على رأس الحرس الثوري، حتى قال ما يعني أن على بلاده أن تتوسع في نطاق نفوذها، انطلاقاً من المنطقة الى بقية العالم، فلا تبقى نقطة آمنة للعدو، وحتى راح يمتدح سليماني ويصفه بأنه باسل وشجاع، وحتى راح أيضاً يصف فيلق القدس بأنه قد عبر فوق الكثير من الجبال والسهول، باعتباره المسؤول عن العمليات الخارجية للحرس الإيراني. ولكن الرئيس الإيراني حسن روحاني خرج ليقول إنهم مستعدون للتفاوض مع واشنطن، إذا ما اعتذرت عما ارتكبته بحق الإيرانيين، وخرج أيضاً وزير الخارجية محمد جواد ظريف، ليعلن أن بلده لا يريد الحرب مع الولايات المتحدة ولا يسعى إليها. وكان هذا بدوره باباً إيرانياً موارباً، بعد أن كان القائد الجديد للحرس ألمح من بعيد الى إمكانية إقدام قواته على إغلاق مضيق هرمز، وهو تهديد يتسق نوعاً ما، مع ما نعرفه عن الرجل، وكيف أنه من أنصار الذهاب الى فتح جبهة من جبهات المواجهة مع «اسرائيل»، في سوريا، وفي لبنان. أما ورقة مضيق هرمز فليست جديدة، فقد لوحت بها إيران طويلاً، وكثيراً من قبل، من دون أن تفكر ولو مرة واحدة في استخدامها فعلاً، ربما لأنها تفهم جيداً أنها ورقة للتلويح فقط، وأن استخدامها يرتب تداعيات لا تستطيع هي مواجهتها، ولا التواؤم معها. أما حكاية المواجهة مع «تل أبيب» على الأراضي اللبنانية، أو السورية، فهذه لعبة أخرى لها حساباتها الدقيقة للغاية. وهكذا.. يتعامل كلا الطرفين مع بعضهما، على طريقة الذهاب طول الوقت الى حافة الهاوية، من دون الوقوع فيها. soliman.gouda@gmail.com

مشاركة :