العائدون الدواعش معضلة كبرى تؤرق الحكومات

  • 4/28/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا يزال المجتمع الدولي عاجزاً عن حل أزمة العائدين من مقاتلي «داعش» في سوريا والعراق، والذي يعد معضلة كبرى وصداعاً في رأس الحكومات العربية والأجنبية، حيث يخيم الغموض على مصير عناصر التنظيم الإرهابي الذي رغم الإعلان عن سقوطه نهائياً مارس الماضي، مازال يمثل تهديداً كبيراً. ويقدر عدد مقاتلي «داعش» بأكثر من 40 ألفاً، بينهم حوالي 5000 من أوروبا. وما زاد المسألة تعقيداً هو اختلاف المواقف الدولية في التعامل مع العائدين مع هؤلاء المقاتلين سواء كانوا عرباً أو أجانب. ففي الوقت الذي رفضت فيه الحكومة البريطانية عودة شميمة بيجون المقاتلة الداعشية إلى بريطانيا، وسحبت الجنسية منها، دار جدال محتدم داخل المجتمع البريطاني إن كان يجب قبول عودتها ومحاكمتها أم لا ، ويشمل جميع الإشكالات القانونية المرتبطة بالحالتين، وهل سيوافق المجتمع البريطاني بعد قضاء مدة عقوبتها على تقبلها مرة أخرى؟. بينما أعلنت الحكومة الألمانية أن الانتساب إلى داعش ليس بتهمة يحاسب عليها القانون إلا إذا ثبت تورط هؤلاء المقاتلين في جرائم إرهابية، وهكذا الحال في أغلب دول أوروبا التي لا تستطيع محاكمة مقاتلي «داعش» العائدين لانعدام الأدلة الجنائية حول ارتكابهم أية جرائم. وتتعقد المسألة وتتشابك بقدر تشابك وتباين ردود الفعل الدولية المختلفة على كيفية التعامل مع العائدين من هذا التنظيم وكيفية التعامل مع عائلاتهم، وسط مخاوف من إعادة تنظيم صفوفهم تحت مسمى تنظيم إرهابي جديد، واعتبار أسرهم تهديداً لأي مجتمع يعيشون فيه. بينما في المقابل، أعلنت الحكومة العراقية اعتزامها إعدام جميع مقاتلي «داعش» الذين يحاكمون على أرضها. والسؤال المطروح في ملف «الاتحاد»، ما هو مصير هؤلاء المقاتلين، وكيف سيتعامل المجتمع الدولي معهم، وما هي المعايير التي يجب الالتزام بها لحماية المجتمعات من انتشار تأثير هؤلاء «العائدين»؟. إحصائيات حتى وقت قريب، كانت عودة عناصر «داعش» إلى بلدانهم الأصلية مشكلة تؤرق دول شمال أفريقيا التي تقول الإحصائيات إن مواطنيها يشكلون نسبة هامة من التنظيم الإرهابي، إلى جانب وجود مقاتلين أجانب ضمن التنظيم ومجموعات متطرفة أخرى تنشط في هذه المناطق وهي عبارة عن تفرعات للتنظيم أو موالين له، ما يجعل إمكانية الالتحاق بهذه المجموعات حلا بالنسبة لعناصر «داعش» في ظل خسارة التنظيم لمناطق سيطرته في سوريا والعراق. لكن في الأشهر الأخيرة، وبعد طلب الولايات المتحدة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وحلفاء أوروبيين آخرين استعادة ومحاكمة أكثر من 800 من مقاتلي «داعش» الذين تم أسرهم في سوريا، أصبحت عودة مقاتلي التنظيم مسألة ذات أولوية على طاولة الحكومات الغربية خاصة الأوروبية التي تتحدث التقارير الإعلامية الأخيرة عن أن الكثير من الأجانب الذين انضموا في السابق إلى تنظيم «داعش» والذين تعتقلهم قوات سوريا الديمقراطية، التي تدعمها واشنطن، هم أساسا من الفرنسيين والألمان والبريطانيين. وتقول قوات سوريا الديمقراطية، التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية وتدعمها الولايات المتحدة، إنها تحتجز 800 مقاتل أجنبي بالإضافة إلى 700 من زوجاتهم و1500 من أطفالهم الذين يعيشون بمعزل عنهم في مخيمات شمال شرق سوريا. ويصل العشرات من المقاتلين وعائلاتهم إلى هذه المنطقة كل يوم. ووفق بيانات وكالة الشرطة التابعة للاتحاد الأوروبي (يوروبول) فإن نحو 5 آلاف أوروبي، أغلبهم من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا، غادروا بلدانهم للقتال في سوريا والعراق، وإن حوالي 1500 منهم عادوا إلى أوطانهم. وفي حال القبول بعودة الأوروبيين الذين قاتلوا مع التنظيم، ستكون هناك فرضيات كثيرة تطرح عندما تناقش كيفية التعامل مع عودة المقاتلين إلى بلدانهم، من بينها المحاكمات ووضع برامج خاصة لإعادة تأهيلهم. التنصل من المسؤولية انضم أكثر من 42 ألف مقاتل أجنبي لصفوف «داعش» بين عامي 2011 و2016 من بينهم 5000 يعتقد بأنهم من أوروبا طبقاً لإحصاءات المفوضية الأوروبية، فيما أعلنت قوات سوريا الديمقراطية احتجازها أكثر من 1300 أجنبي من المنضمين للتنظيم في الوقت الذي أعرب عدد منهم عن رغبته في العودة إلى أوروبا ما يخلق معضلة لدول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا لا تعلم حتى الآن كيف يمكنها استعادة هؤلاء المواطنين في ظل صعوبة محاكماتهم على ما ارتكبوه بصفوف «داعش». وتسعى بعض الحكومات إلى تجنب تحميلها مسؤولية مواطنيها وقتالهم مع «داعش»، من خلال إخراج ورقة سحب الجنسية أو المطالبة بمحاكمة المقاتلين داخل البلدان التي ارتكبوا فيها جرائمهم، على غرار قرار إلغاء جنسية الفتاة البريطانية شميمة بيجوم التي تبلغ من العمر 19 سنة والتحقت بتنظيم داعش في سوريا عندما كان عمرها 15 سنة، الذي رأت فيه الحكومة البريطانية حالة تحصنها ضد المخاطر المستقبلية التي يمثلها المقاتلون العائدون من مناطق الصراعات والتوتر. واتخذت وزارة الداخلية البريطانية قرارها بتجريد بيجوم «عروس داعش» التي غادرت المملكة المتحدة عام 2015 الموجودة حالياً في مخيم للنازحين شمال سوريا من جنسيتها على اعتبار أنها تحمل الجنسيتين البريطانية والبنغالية. كما جردت أكثر من 100 من مقاتلي «داعش»، ممن يحملون جنسيات مزدوجة، ما خلق سابقة لإنجلترا في رفض عائدين آخرين من «داعش». وهذه الخطوات، وغيرها، تهدد بتحول ملف المقاتلين الأجانب، إلى عامل توتر إضافي في العلاقة المتوترة أصلا بين الولايات المتحدة وأوروبا. فيما رأى خبراء أن سحب الجنسية من الإرهابي ليس عقاباً له، بل وسيلة لتصدير أزمة من قبل «الإرهابيين» لدول أخرى، ما يحولهم فيما بعد إلى «ذئاب منفردة». الأدلة.. والجيل الجديد ويفضل مقاتلو «داعش» العائدون أن يتم ترحيلهم إلى الدول الأوروبية وعدم بقائهم في قبضة «قوات سوريا الديمقراطية» أو نقلهم إلى العراق حيث صدرت أحكام بالإعدام أو بالسجن المؤبد على عدد منهم، لأنه بفضل الفجوات التي تتخلل الأنظمة القضائية الغربية، قد تصدر بحق المقاتلين الأجانب عقوبات مخففة في بلدانهم الأصلية ويتم إطلاق سراحهم بعد فترة قصيرة من عودتهم إلى بلدانهم بالنظر إلى أن الجرائم التي ارتكبوها إلى جانب التنظيم ارتكبت خارج حدود بلدانهم الأصلية. وتضاف إلى ذلك صعوبة التأكد من مدى تورط هؤلاء في أعمال «داعش». لكل هذه الأسباب ولأن القوانين الأوروبية لم تعالج بشكل دقيق وواضح مسألة عودة العناصر الإرهابية، تتبنى دول الاتحاد الأوروبي نهج التريث وانتظار تحييد أولئك العناصر في الأماكن التي يتواجدون فيها حالياً. إلى جانب ذلك، عدم رغبة الدول الغربية في القبول بعودة مقاتلي داعش تجد مبرراتها في الخشية من قيام هؤلاء بنقل التطرف وخبراتهم في الإرهاب، إلى السجناء الآخرين، ثم إلى المجتمع الأوروبي بعد إطلاق سراحهم. كما تخشى الدول الأوروبية من احتمال قيام المتطرفين بتشكيل خلايا جديدة في بلدانهم، والتخطيط لعمليات داخل المدن الأوروبية. وبحسب مراقبين فإن عدم السيطرة الصحيحة على مقاتلي داعش السابقين قد تؤدي إلى هجرة جماعية لهؤلاء المقاتلين إلى أوروبا، ما ينتج عنه تصاعد الإرهاب هناك. لكن طلب واشنطن أدى إلى إعادة إشعال الجدل حول الطريقة المثلى التي يمكن بها للدول الأجنبية مواجهة التحدي الذي يمثله عودة المقاتلين الأجانب. بالإضافة إلى أن هناك مخاوف من أطفال عائلات «داعش» العائدين الذين أقاموا مع أسرهم في مناطق التنظيم السابقة في سوريا أو العراق، ما يثير تساؤلا، هل سينشأ هنا الجيل الجديد من الإرهابيين؟». وبحسب مراقبين فإن أطفال الإرهابيين عايشوا العنف لدى «داعش» ويبجلون آباءهم الذين قتلوا، لافتا إلى أن محاولات شن هجمات في الأعوام الماضية أظهرت أنه يمكن للنشأ التحول مبكرا إلى معتدين، ودعا إلى تغييرات قانونية كي يتسنى مراقبة أطفال في حالات فردية. اختلاف ردود الفعل واختلفت ردود فعل الدول الأوروبية. فأعلنت جمهورية شمال مقدونيا استعادة ومحاكمة 7 من مواطنيها العائدين من سوريا. واستعادت كوسوفو 110 من رعاياها معظمهم نساء وأطفال باستثناء 4 مقاتلين. وقالت فرنسا إنها بصدد إعادة ومحاكمة 130 من النساء اللاتي انضممن لـ«داعش» ولكن تلك الخطة لم تدخل حيز التنفيذ، بينما تراقب ألمانيا وبريطانيا ما ستُقدم عليه جيرانها في غرب أوروبا. وتكمن المعضلة الأكبر في انعدام الأدلة الجنائية التي يمكن من خلالها محاكمة هؤلاء العائدين من سوريا، فطبقاً للمركز الدولي لدراسة التطرف، لن يكون بالإمكان استخدام ما يسمى بـ«أدلة ساحة المعركة» لأسباب قانونية عديدة أولها الطريقة التي يتم بها الحصول على تلك الأدلة، ما يعني أن العديد من هؤلاء المقاتلين العائدين سيعيشون بحرية تامة «وهو الأمر الذي لا يريده أحد». كما أكدت شبكة المفوضية الأوروبية للتطرف أنه من الصعب جدا إثبات أن أيا من العائدين ارتكب جرائم خلال تواجدهم بصفوف التنظيم في سوريا والعراق. مقاتلون وأبرياء ومع ظهور حوار صحفي لعائلة البريطانية شميمة بيجوم تطلب السماح بعودتها للبلاد وسط ادعاءات بأنها لم تحارب بصفوف التنظيم، ظهرت دعاوى أخرى مفادها أن ليس كل من انضموا لداعش حاربوا بصفوفه وخاصة النساء. وفند خبراء تلك المزاعم على اعتبار أن بعض الجرائم ارتكبت دون قتال مباشر. فليست كل النساء ممن انضممن لداعش بريئات، فالبعض منهن عمل مع شرطة الشريعة وساعدن في تجنيد عناصر جديدة للتنظيم». كذلك فإن العديد ساعدوا التنظيم والترويج له بمجرد انضمامهم له حتى لو لم يقاتلوا ضمن صفوفه. وشددت دول مثل بلجيكا على أحقية عودة الأطفال الذين ولدوا لأمهات أوروبيات أثناء وجودهن بصفوف التنظيم. وبدأت روسيا بالفعل في استعادة عدد منهم إلا أن عودة الأطفال ستفتح بالتأكيد المجال لعودة ذويهم كما قدمت المفوضية الأوروبية للدول المعنية برنامج للمساعدة على إعادة إدماج العائدين وأبنائهم وهو ما يجب أن تصب حكومات أوروبا الغربية همها في تنفيذه خلال الفترة المقبلة أكثر من الانشغال بكيفية محاكمة العائدين. تجريم القتال كانت الولايات المتحدة أول دولة في العالم تجرم القتال لأجل مصالح خارجية حين أقر الكونجرس المسودة الأولية لهذا التشريع بينما كان جورج واشنطن لا يزال رئيساً، وذلك على الرغم من دور المتطوعين الأجانب في الثورة الأميركية. وبموجب القانون الأميركي، يمكن سحب الجنسيات من الأفراد بسبب انضمامهم إلى جيش أجنبي أو جماعة مسلحة كمقاتلين، أو الانضمام لقوات ميليشيات معادية للولايات المتحدة. ومع ذلك نجد المحاكمات نادرة في هذا الصدد حيث تم توجيه الاتهام إلى المقاتلين الأميركيين في الخارج عبر التاريخ بخصوص الانتهاكات التي يسهل إثباتها في المحكمة أكثر من القتال لأجل مصالح كيانات خارجية (اتهامات تتطلب شهادة وشهود من الخارج) مثل التعامل مع أسلحة الدمار الشامل أو تقديم الدعم المادي للمنظمات الإرهابية. وعلى عكس بعض حلفائها، لم تحاول الولايات المتحدة منع المقاتلين الأجانب من العودة إلى الديار عن طريق سحب جنسيتهم. وينبع جزء من الخلاف بين الولايات المتحدة وحلفائها على المقاتلين في الخارج من حقيقة أن كل بلد لديه سياسات مختلفة بشأن هؤلاء العائدين. ويشمل هذا الخلاف كلاً من فرنسا وروسيا وهما من بين البلدان التي سمحت لبعض أو كل مواطنيها بالعودة مرة أخرى لمواجهة محاكمات في الداخل. أما كندا، التي قسمتها مناقشات حزبية داخلية، فقد غيرت موقفها من سحب الجنسية إلى السماح للمقاتلين الأجانب بالعودة وإمكانية مواجهة اتهامات جنائية، غير أن وزير السلم العام الكندي قد رفض الدعوة الأميركية لاستعادة مواطنيها باعتبارها مجرد اقتراح. دول أكثر تشدداً في غضون ذلك، تبنت دول عربية نهجا متشددا مثل العراق الذي أعلن اعتزامه تنفيذ أحكام المؤبد والإعدام لمقاتلي داعش. واتخذ المغرب نهجاً متشدداً أيضاً. ففي عام 2015، وبناء على توجيهات من الأمم المتحدة، قامت المملكة بتعديل القانون بحيث باتت التعبئة للانضمام لتنظيم داعش جريمة بموجب القانون الوطني. ومنذ ذلك الحين، أقامت البلاد شبكة موازية من السجون المصممة خصيصا لإيواء العائدين من داعش ومتطرفين آخرين، ويصل عدد النزلاء في هذه السجون حاليا نحو 800 شخص. كما ذهبت دول مثل كازاخستان وأستراليا أبعد من ذلك. ففي عام 2017، وقعت حكومة كازاخستان على قانون جديد لتدابير تشريعية تسمح للسلطات بسحب الجنسية من المواطنين الذين أدينوا بجرائم معينة لا سيما تلك المتعلقة بالإرهاب أو التهديدات لأمن الدولة. كما أصدرت الحكومة الأسترالية نفس نوع العقوبات على المواطنين الذين يحملون جنسية أخرى أو أكثر من جنسية. وفي ديسمبر 2018، أصبح نيل براكاش، المشتبه به كأحد أهم مُجَنِدي داعش في الشرق الأوسط، الشخص الثاني عشر الذي فقد جنسيته الأسترالية بهذه الطريقة. الاختلاف ينذر بـ«دواعش جدد» قالت المستشارة الدولية في شؤون الإرهاب آن جيدوتشيللي لـ«الاتحاد» إن الأمر بات معقداً جداً، وأصبح يتوقف على جنسية كل مقاتل لأن كل بلد لديها منهجها وقوانينها في التعامل مع هؤلاء العائدين من داعش. وأكدت أن هناك من سيتم محاكمتهم في العراق على يد السلطات، وهم لديهم العديد من المقاتلين من مختلف الجنسيات ولا يستطيعون التحقق منهم جميعا، وهناك من سيتم إعادته إلى بلده الأصلي. وتساءلت: «هل يجب إعادتهم إلى دولهم أم أنه يجب محاكمتهم في أماكنهم؟. فمثلا في بلجيكا وجنسيات أخرى ليس هناك تصور فيما يجب فعله مع هؤلاء، ولأنه ليس هناك نموذج سابق تم عمله مع تنظيمات منحلة، يصعب التعامل مع هذا التنظيم من هذا المنطلق». ورجحت جيدوتشيللي أن هؤلاء المقاتلين ليس مرحبا بهم في دولهم ما يزيد الأمر تعقيداً مؤكدةً أن هناك مخاوف من عودة هؤلاء المقاتلين في صفوف التنظيم نفسه تحت اسم آخر. وقالت: «إننا في حاجة إلى تصور عالمي وخلفية موحدة للتعامل مع جميع العناصر الإرهابية». وأضافت «إن هذا موقف غير مسبوق فلا يمكن سجن إرهابي مدى الحياة، وقضاء آخر تسعة أو عشرة أعوام فقط، وآخرون يرفضون عودتهم. وبالتالي في كل الحالات يجب على المجتمع الدولي الاتفاق على صيغة وأسلوب واحد للتعامل مع جميع العائدين من العراق وسوريا في فرنسا وبريطانيا وبلجيكا. وكانت هناك حالات ترحيل لعدد من المقاتلين إلى المغرب وتونس وغيرهما من الدول لإعادة دمجهم ولكن في هذه الحالة وهذا العدد الكبير يصعب التحكم فيه. وسلمت أن الجميع في أوروبا منشغل قبل انعقاد انتخابات الاتحاد الأوروبي بهذا الملف الهام لأن نسبة المخاطرة كبيرة جداً فيه ولا يريد أحد إعادة جديدة لمقاتلي داعش. الحكم للقضاء لا للحكومات وقال خبير شؤون الجماعات المسلحة كميل الطويل لـ«الاتحاد»:إن التنظيم عسكريا انتهى مكانياً فقط لأنه ليس هناك أرض يحكمها كما كان يفعل في السابق. لكن ماذا سيحل الآن في العناصر العائدة من هذا التنظيم من دول العالم في طريقة التعامل في هذا الملف. وأشار إلى أن بعض الدول أعلنت أنها ستقبل استعادة زوجات أو أطفال المقاتلين العائدين من سوريا والعراق، لافتاً أنه ليس هناك موقف عربي أو غربي موحد تحديدا في هذا الشأن. وقال إن بعض الدول وافقت على استقبال الدواعش واستقبالهم ومحاكمتهم ولكن يتوقف هذا على الإجراءات المتبعة طبقاً لكل دولة وبحسب قوانينها. فالمغرب استعادت بعض الدواعش، وتونس استعادت بعض الدواعش وبالتالي ليس هناك اعتماد لموقف موحد من الدول العربية والأجنبية للأمور التي تحصل مثل التنسيق الذي يقوم به الأميركيون مع الدول المختلفة من أجل استعادة ما يمكن استعادته من المعتقلين من سوريا والعراق وتخفيف العبء الذي تواجهه هذه الدول في تحمل مسؤولية هؤلاء المعتقلين وأسرهم. وأكد الطويل أن الدول الغربية بشكل عام تفضل بقاء معتقلي داعش بين يدي «قوات سوريا الديمقراطية» لفترة طويلة حتى لو لم تتم إجراءات محاكمتهم لأن عودتهم بحسب رؤية هذه الدول ستسبب بعض المشاكل الأمنية الداخلية لهم في حال استعادة هؤلاء حتى في توفير أماكن لسجنهم وتحضير محاكمتهم وحتى كيفية التعامل مع أسرهم من أبناء الدواعش، وهل عزلهم عن أسرهم وإعطاءهم لأسر أخرى لتعتني بهم هو الحل الأمثل أو كيفية التعامل مع هؤلاء الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا تأثروا بفكر هذا التنظيم. والخيار الأمثل بحسب الطويل هو الذي قدمته «قوات سوريا الديمقراطية» وهو إجراء محاكمات لهؤلاء الداعشيين بإشراف الأمم المتحدة. لكن المشكلة الأساسية في هذا الاقتراح هو أنه فصيل مسلح يحكم جزءا من سوريا، وليس هناك اعتراف دولي بوجوده ولا يمثل الدولة في نهاية المطاف والمخرج من هذا المأزق هو إنشاء محكمة تحت إشراف الأمم المتحدة تحكم على هؤلاء الدواعش. لكن أيضا ماذا سيحدث لهؤلاء الدواعش على المدى الطويل؟. والمخرج حتى الآن لكثير من الدول هو محاكمة هؤلاء الدواعش في أماكن اعتقالهم وليس في إعادتهم لبلادهم. وأكد الطويل أنه ينبغي النظر في كل قضية على حدة في مراكز اعتقال «الدواعش». وأضاف أن التنظيمات المتطرفة لن تنتهي من العالم فهؤلاء الذين تم اعتقالهم في جوانتانامو يمكن أن يتأثروا بأفكار آخرين أكثر تشدداً وتطرفاً، وبالتالي عند خروجهم من جوانتانامو يكونوا أشد خطورة وينتج عنهم تنظيم أكثر خطورة من تنظيم القاعدة. والأمر نفسه الآن في مراكز الاعتقال والمعتقلين في معتقلات قوات سوريا الديمقراطية، ولكن عندما تضع مجموعة كبيرة من المجرمين فيمكن أن يتأثروا ببعضهم بأفكار أكثر تشدداً وعندما يخرجون من السجن يصبحون مقاتلين جددا في التنظيم، ولذا فقد تنتج هذه المعسكرات تنظيمات أكثر عنفاً أو ينتج عنها أفراد ينبذون العنف. وعن الحالات التي رفضت بعض الدول تسلمها أو عودتها وتم سحب الجنسية منهم. رأى الطويل أن الحكم في نهاية المطاف في الدول الغربية للقضاء وليس للحكومات، فالأمن القومي البريطاني يطلب سحب الجنسية من شميمة وغيرها من المتطرفين الذين التحقوا بساحات القتال وأن عودة هؤلاء إلى بريطانيا يمكن أن يسبب هاجساً أمنياً وإزعاجاً كبيراً فليس من مصلحة الأمن القومي أن تتم استعادة هؤلاء، ولكن في النهاية القضاء هو الذي يحكم في هذه الأمر وليس الحكومات. فالحكومة أصدرت القرار ولكن إذا ما قدمت تظلماً إلى القضاء فإن الكلمة النهائية في هذا الأمر سيكون للقضاء. وكما نعرف في الأيام الماضية هناك بداية إجراءات في الطعن المقدم من شميمة ضد قرار سحب جنسيتها، فكيف سيحكم القضاء البريطاني في نهاية المطاف، الأمر ليس واضحاً فقد تستغرق هذه الإجراءات شهورا للحكم فيها. ورجح أنه لا يمكن الجزم إذا ما كان يمكن لجميع الإرهابيين المعتقلين التوبة ونشر أفكار ضد الأفكار التي كانوا يعتنقونها في السابق. فالأشخاص يمكن أن يغيروا أفكارهم في مسار عمر مختلف، وقد ينتهجوا فكرة تظل راسخة ولا تتغير ويحاولوا التأثير في من حولهم ويغسلوا عقولهم، وبالتالي يجب الحذر الشديد من هؤلاء. رؤى متضاربة واعتبر رئيس مركز مكافحة الإرهاب جاسم محمد في تصريحات لـ«الاتحاد» من ألمانيا أن اختلاف الجهود الدولية لاستعادة المقاتلين الأجانب يعقد من القضية، مشيراً إلى عدم وجود معيار ثابت. فعلى سبيل المثال، هناك تقارب في الرؤى البريطانية والفرنسية والبلجيكية في هذا الملف في استعادة المقاتلين الأجانب وهو موقف الرفض. وفيما طالبت ألمانيا مناقشة كل ملف على حدة، هناك إجماع أوروبي حول موضوع الأطفال القاصرين تحت العشر سنوات بضرورة إعادتهم لكن هناك اشتراطات من الدول الأوروبية أن يكون هناك لقاء وخدمات قنصلية لمناقشة كل ملف على حدة بسبب زيجات تنظيم داعش المتعددة، حيث تزوجت النساء هناك أكثر من مرة وبالتالي الموقف العام في دول أوروبا هو الرفض العام لاستقبال أي مقاتلين أجانب. ورأى محمد أن دول أوروبا تحاول إلقاء عبء المقاتلين على دول عربية مثل العراق على أن تتحمل حكومتها محاكمتهم. فيما اشترطت بغداد الحصول على 4 مليارات دولار في سبيل استقبال هؤلاء المقاتلين الأجانب والعرب ومحاكمتهم وبالتالي فهناك تهرب أوروبي واضح من استعادة هؤلاء المقاتلين في قضايا الإرهاب والاستقطاب. وشدد على أهمية استعادة أوروبا لمقاتليها وإخضاعهم لمحاكمات عادلة وتنفيذهم لهذه الأحكام التي يجب أن تكون مشددة للغاية. وأضاف «على سبيل المثال تحاكم بريطانيا الأشخاص على انتمائهم لداعش لتصل الأحكام لأكثر من 15 عاماً بمجرد التحاقهم بالتنظيم في سوريا. وفي المقابل لا تعتبر ألمانيا التحاق أحد مواطنيها بداعش أو سفرهم لسوريا جريمة إلا إذا حصل المدعي العام على شواهد وأدلة تثبت أن هؤلاء الأشخاص تورطوا في جرائم وعمليات قتل. ويجب على الحكومات إخضاع العائدين للمراقبة المشددة باعتبار أن فترة الأحكام القضائية ليست كافية وبعد خروجهم يجب إعادة تأهيلهم من قبل المجتمع من ناحية العمل والدراسة. وبالتالي هذه هي الإجراءات المطلوبة. ورأى محمد أن برامج الوقاية في أوروبا لم تجد نفعاً فقد اعترفت بعض الحكومات وأبرزها فرنسا أن أغلب الذين تم إخضاعهم إلى برامج الوقاية في فرنسا من التطرف كان موقفهم تكتيكيا وهذا يعني أن النتائج كانت غير إيجابية. حتى في ألمانيا كانت هناك برامج وقائية وأبرزها برنامج الحياة والحوار مع المتطرفين. وكذلك كانت في بريطانيا برامج للوقاية من التطرف ولكن طبقا لدراسات المركز الأوروبي لمحاربة التطرف والإرهاب لم نجد نتائج إيجابية حتى الحكومات والمنظمات التي طبقت برامج التطرف لم تظهر أي نتائج إيجابية مؤخرا. ففي الحوار مع النساء زوجات عناصر التنظيم، كانوا يمجدن زعيم داعش ويعترفن أنهن ربما قتلن أشخاصا أجانب. إذاً موضوع نزع الأيديولوجيا هو موضوع صعب فالأسرة وخاصة الأم لها دور في نشر التطرف فعائلات تنظيم داعش تنشر التطرف، وحتى الأطفال من وجهة نظر استخباراتية، يمثلون خطرا، فالطفل يكتشف انه من أب لتنظيم وبرامج الوقاية والتطرف متواضعة في أوروبا ولم تأت بنتائج واستبعد أن يكون هناك نجاح في تطبيق هذه النتائج وهذا يعني أن دول أوروبا سوف تعاني من التطرف لأكثر من جيل. وأكد محمد أن استقبال نساء وأطفال داعش أكثر تعقيداً من استقبال الذكور. فأوروبا يجب أن تستلم المقاتلين الأجانب وتخضعهم للأحكام القضائية، وإبقاء هؤلاء العناصر دون أحكام معناه تربية جيل جديد أكثر تطرفا أو أكثر خطرا على المجتمع وموضوع نزع الجنسية بالنسبة لمزدوجي الجنسية وأضاف أنه كل من حصل على الجنسية من خلال الإقامة والعمل ويحافظ على الدستور سيحاسب إذا ما التحق بجماعات متطرفة لأنه يخالف الدساتير لهذه الدول. وأكد أن هناك مراجعة بأن هناك سجونا قامت بتفريخ الإرهابيين فهناك من اختلطوا بجماعات متطرفة في السجون وهناك من اقترحوا أن يكون هناك عزل لهؤلاء داخل السجون، حتى لا يتم نشر التطرف فمثلاً تنظيم «فرسان العزة» انتشر في فرنسا، وحول الجناة المتهمون بجرائم عادية بالعمل الجنائي واللوجستي لتنظيم داعش. ورأى محمد أن دول أوروبا لديها مشاكل في هذا الموضوع فهناك مشاكل في التعامل مع الدساتير والبيروقراطية وهناك مشاكل في التعامل مع هذه الجماعات، وموضوعات التطرف وعزل هؤلاء يحتاج إمكانيات كبيرة لرصد ومتابعة هؤلاء، ففي ألمانيا هناك مثلا 60 حالة يتم وضعهم تحت الرصد ولا يتم هذا بشكل منظم. الوضع خطير وصف مراقبون الوضع بأنه خطير خاصةً أن هؤلاء الإرهابيين باتوا خبراءً في ميدان الحرب والقتال والتخفي. فوجود هؤلاء أحراراً، له تأثير سلبي في المجتمع بجعلهم رموزاً قيادية يتأثر بها الشباب، خصوصاً أنهم لم يحاسبوا على الجرائم التي اقترفوها. وحتى في السجون هناك تخوف من نشر الفكر الإرهابي، وسط مخاوف من أن تكون الوجهة المقبلة للإرهاب بعد الشرق الأوسط هي شمال أفريقيا وآسيا. العملية الواحدة اعتبر خبراء أن سحب الجنسية من الإرهابي ليس عقاباً له، بل وسيلة لتصدير أزمة من قبل «الإرهابيين» لدول أخرى. النرويج مثلاً سلمها العراق 12 «إرهابياً» وتدرس إسقاط الجنسية عنهم، ما سيحولهم إلى ذئاب منفردة ويفكرون بالقيام بعملية إرهابية قد تحدث فوضى، لذلك فـ«التطرف الفردي» أخطر من المواجهات الجماعية، وتنظيم «داعش» وصل الآن إلى مرحلة قتال «العملية الواحدة» عن طريق «ذئب منفرد»، وقتال «العملية الواحدة» إما أن يكون عبر تعليمات مباشرة لعناصر التنظيم بالتنفيذ، أو عبر تعليمات غير مباشرة بأن يقوم بها «الانفرادي» عندما تكون الظروف متاحة له في الدولة التي يقيم بها، أو من خلال التجنيد اللحظي، عبر ترصد شخص معين وإقناعه بأفكار التنظيم ليقوم بتنفيذ عملية إرهابية.

مشاركة :