مستشار تربوي يلخص لـسبق أبعاد ظاهرة التعصب الرياضي وأسبابها والحلول المقترحة

  • 4/30/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

اللحظات الرياضية تتصارع فيها الانفعالات والمشاعر، وقد تصل إلى أن يفقد شخص حياته بسببها. هذه اللحظات وإن كانت تدخل في حيز الترفيه والترويح عن النفس إلا أنها قد تكون قاتلة في بعض الأحيان؛ ولذلك يجب على القائمين على الرياضة في السعودية أن يرفعوا معدل التوعية، وتحجيم التصعيد الرياضي. وتفصيلاً، شهدت مباراة النصر والاتحاد الأخيرة، التي جمعتهما على نصف النهائي بكأس خادم الحرمين الشريفين، وفاة مشجع نصراوي بعدما شعر بتعب وإرهاق؛ وغادر المباراة في الدقيقة الـ90، وتم إيصاله إلى إخوته، وإسعافه، وقبيل وصول المشجع لفظ أنفاسه الأخيرة متأثرًا بجلطة قلبية أصابته، ويُعتقد أنها كانت بسبب نتيجة المباراة. وأعادت هذه الحادثة للأذهان وفاة مشجع أهلاوي قبل أربعة أشهر للسبب ذاته بعد أن تعرض للإغماء أثناء مواجهة فريقَي الأهلي والشباب ضمن مواجهات دوري كأس الأمير محمد بن سلمان؛ ما اضطر الجهات المعنية إلى نقله لأحد مستشفيات مدينة جدة، لكنه لفظ أنفاسه داخل المستشفى. وفي هذا الصدد، قال الدكتور محمد العامري، مدرب ومستشار تعليمي وتربوي، لـ"سبق": مَن يتأمل واقع التعصب الرياضي الذي أخذ منحى خطيرًا لدى البعض، وخشية من تنامي هذه الظاهرة السلبية وانعكاساتها على الأفراد والمجتمع، يدرك أنه لا بد من وقفة تأمل، نحدد فيها مفهوم التعصب بشكل عام، ومفهوم التعصب الرياضي بشكل خاص، وأسبابها المحتملة، والحلول المقترحة لمجابهة هذه المشكلة المحتملة. ويمكننا أن نعرِّف التعصب بأنه (حالة مبالغ فيها من الحكم على شيء)؛ لذا فإنه يمكننا القول إن التعصب هو: اتجاه نفسي لدى الفرد، يجعله يدرك فردًا معينًا، أو جماعة معينة، أو موضوعًا معينًا، إدراكًا إيجابيًّا محبًّا، أو سلبيًّا كارهًا من دون أن يكون لذلك ما يبرره من المنطق أو المشاهدة التجريبية؛ لذا فإن الحجج المنطقية والخبرات الواقعية لا تنجحان عادة في إزالة التعصب أو الشفاء منه. وأضاف: التعصب نستطيع أن نصفه بأنه مرض الكراهية العمياء للمنافس، وفي الوقت نفسه هو مرض الحب الأعمى لفريق المتعصب، وهو حالة يتغلب فيها الانفعال على العقل؛ فتعمى البصيرة حتى أن الحقائق الدامغة لتعجز عن زلزلة ما يتمسك به المتعصب فردًا أو جماعة. ويمكننا أن نعدد عددًا من المؤشرات، قد تدل على التعصب الرياضي، من أبرزها: التوتر والقلق النفسي، وعدم قبول الرأي الآخر، والتحيز للرأي، وسرعة الغضب، وعدم التمتع بالروح الرياضية، والعيش في أوهام والإيمان بصحتها، وقلة الأصدقاء، ولون فريقه المفضل يتحكم في حياته، ولديه ثقافة هشة. ولهذا فقد تتنوع مظاهر التعصب الرياضي من حولنا، ويمكن أن تتمثل فيما يأتي: ما يتعلق بالجماهير: ومنها ما قد نراه في الشوارع والميادين قبل وأثناء وبعد بعض المباريات من تصرفات وسلوكيات خاطئة، تصدر عن فئات متعصبة، سواء كان ذلك ابتهاجًا بالفوز أو احتجاجًا على الهزيمة؛ فتُعطِّل حركة السير، وقد تخرب الممتلكات الخاصة والعامة. وترتفع الصيحات الصاخبة، ويكثر الاعتداء على الآخرين، وانتشار الشتائم، ومهاجمة وتخريب شعار الفريق المنافس، والتهكم عليه بسخرية لاذعة، وتنمر سلوكي مبالغ فيه. ما يتعلق بوسائل الإعلام ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي: إذ تبرز وسائل الإعلام وبعض مشاركات مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي بعناوين ومقالات ومقاطع مصورة، تقدح في النادي الخاسر، وتذمه، وتعيبه، وتقلل من مكانته؛ وهو ما يُشعر أنصار ذلك الفريق بالغضب والظلم؛ ويزيد من الاحتقان لديهم؛ وينبري الإعلاميون المنتمون إلى ذلك النادي الخاسر للدفاع عن ناديهم، وقد يستخدمون أساليب غير منضبطة، وخارجة عن العرف والتقاليد الإعلامية في المجتمع. وبلا شك إن مثل هذه الممارسات الإعلامية قد تؤثر تأثيرًا سلبيًّا في الناشئة، وترسخ في قلوبهم وأذهانهم التعصب الأعمى لأنديتهم التي ينتمون إليها، بل البغض الشديد للأندية المنافسة. ما يتعلق بالإداريين والرياضيين: من مظاهر التعصب الرياضي لدى بعض الإداريين والرياضيين في الأندية أن بعضهم يتبنى مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة)؛ ويسعى لجلب المصالح لناديه بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة؛ فتراه تارة يستخدم وسائل الإعلام لنشر بعض الشائعات والأكاذيب لإحداث خلل في الأندية المنافسة، أو يلجأ إلى تقديم الشكاوى الكيدية لانتزاع نصر غير مستحق لناديه، أو يرفض التعاون مع الأندية الأخرى لتحقيق مصالح مشتركة، وقد تكون مصالح وطنية، أو يثير جماهير النادي المنافس من خلال توجيهه بعض العبارات التي تقلل من شأنهم، أو من شأن لاعبيهم أو رموزهم الرياضية التي يعتزون بها. ولا شك أن اللاعبين في الرياضات المختلفة، ولاسيما كرة القدم بوصفها اللعبة الشعبية الأولى في السعودية، لهم تأثير في الناشئة؛ فهم يقلدونهم في لباسهم وسلوكهم؛ ومن ثم فإن بعض الممارسات غير المسؤولة من بعض اللاعبين، سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، أو غير ذلك، تُزيد من نار التعصب لدى الجماهير. ومن ذلك ما يصرح به اللاعبون وبعض الإداريين في الأندية من تصريحات، بعضها غير مسؤولة، لا تحترم المنافسين، بل تقلل من شأنهم. ما يتعلق بالمهتمين بالمجال الرياضي: وتبرز أهم مظاهر التعصب الرياضي لدى بعض المسؤولين عن النشاط الرياضي والمهتمين به والحكام في تحيزهم لنادٍ معين دون الآخرين؛ ومن ثم تكون الأحكام والقرارات متحيزة لذلك النادي؛ ومن ثم تشعر الجماهير بأن هناك أندية معينة مميزة عن غيرها؛ وهو ما يُشعرهم بالغبن والحقد على تلك الأندية. ولا شك أن ذلك يساعد مساعدة كبيرة في نشر ظاهرة التعصب الرياضي، ويسهم في التشكيك في النتائج، ويعطي صورة للجماهير أن تحيز الحكام والمسؤولين عن الرياضة لصالح المنافس قد أسهم إسهامًا واضحًا وصريحًا في خسارة ناديهم. ونستطيع أن نُجمل أهم الأسباب التي قد تؤدي إلى ظهور وانتشار ظاهر التعصب الرياضي فيما يأتي: أولاً: أسباب تتعلق بالجمهور الرياضي، منها: 1- تنشئة الصغار على التعلق بنادٍ معين. 2- نقص الثقافة الرياضية لدى المشجع الرياضي. 3- قلة وجود القدوة من الرياضيين والإداريين في الأندية. 4- التصرفات المسيئة لرابطة الجماهير في الأندية. 5- حب إيذاء الآخرين واستغلال اللقاءات الرياضية لهذا الغرض. 6- حب الذات (الأنانية) التي تسهم في عدم قبول الرأي الآخر وتقبُّل النقد الإيجابي. ثانيًا: أسباب نفسية وصحية.. فحينما يتعرض الفرد إلى ضغوط من قِبل الأسرة والأصدقاء والمجتمع فإن ذلك يسهم في اللجوء إلى القيام بمظاهر شد الانتباه، والتصرف ببعض الأعمال التي يشعر بأنها قد تكون نوعًا من التنفيس عما يشعر به من قلق. ثالثًا: أسباب تتعلق بوسائل الإعلام، منها: 1- تأثير الإعلام المقروء أو المسموع أو المشاهَد على انتشار ظاهرة التعصب. 2- قلة الوعي بأهمية الرياضة، ودورها في حياة الفرد والمجتمع. 3- التأثير بما يُكتب في عناوين الصحف أو أعمدة الكتّاب الرياضيين أو البرامج الرياضية، خاصة التي تثير جانب التعصب بين جماهير الأندية. 4- تقصير الإعلام في القيام بواجبه في غرس مبادئ الأخلاق الرياضية بين الجماهير. رابعًا: أسباب تتعلق بالكيانات الرياضية، ومنها: 1- عدم القيام بواجب التوعية. 2- عدم تحقيق بعض الأندية الانتصارات والبطولات. 3- التصريحات الاستفزازية غير المدروسة من قِبل المسؤولين في الأندية واتحادات الكرة ولجان التحكيم. 4 -تقديم المصلحة الخاصة (مصلحة النادي) على المصلحة العامة (مصلحة الوطن). 5- الصراع التنظيمي داخل الأندية والاتحادات الرياضية. 6- عدم الإلمام الكافي بالمعاني الحقيقة للتنافس الرياضي الشريف، وعدم التمتع بالروح الرياضية التي تتقبل الخسارة. 7- عدم كفاءة جهاز التحكيم الرياضي. وحول الحلول لظاهرة التعصب الرياضي أوضح "العامري" أنها تتمثل في أمور، يمكن إجمالها في هذه النقاط: 1- تفعيل الدور الإيجابي في الإعلام بجميع وسائله بالتركيز على جانب التثقيف بدلاً من الإثارة غير المحمودة. 2 -زيادة الوعي التثقيفي لدى النشء الصغير المحب للرياضة بأن التنافس في الملعب فقط عبر مادة التربية البدنية في المدرسة والإعلام، وإظهار الأضرار الناتجة من التعصب، سواء على الفرد أو المجتمع جسديًّا وذهنيًّا ونفسيًّا وماديًّا. 3- تحديد آليات وضوابط وغرامات حينما تصدر بعض التصريحات غير المنضبطة عن أعضاء الشرف، أو رؤساء الأندية، أو اللاعبين التي يكون فيها إساءة إلى الآخرين، وإعلان هذه الضوابط والعقوبات الصادرة. 4- أهمية تحكيم العقل عند الإقدام على أي تصرف. 5- العمل على التعريف بالمعاني الحقيقة للتنافس الرياضي الشريف، وأن الرياضة فوز وخسارة؛ ولا بد من التعايش معها في جميع الأحوال. 6- غرس مفهوم أن الرياضة وسيلة لإسعاد الناس، وليس لزرع الحقد. 7- إنشاء طرائق مدروسة للتشجيع من قِبل روابط المشجعين، تسهم في ترابط الجماهير في المناسبات الوطنية. 8- تخصيص جوائز للجمهور وروابط الأندية المثالية، وفقًا لمعايير مبنية على احترام الآخرين. 9- تخصيص حصة من ميزانية الأندية لروابط الجماهير لطباعة عبارات، تسهم في التخفيف من التعصب الرياضي. 10- العمل على توضيح الآثار المترتبة على التمسك بالأخلاق الرياضية على النادي والمشجع والرياضة عامة. 11- العمل على إعداد الإداريين والإعلاميين والحكام واللاعبين عبر دورات تدريبية في تطوير الذات، والتعامل مع المواقف، وإتقان نظم وتعليمات المهمات الموكلة إليهم. 12- نشر المفاهيم التي تسهم في غرس مفهوم الرياضة من أجل الصحة عبر وسائل الإعلام. 13- الإشارة إلى الدروس المستفادة من الأحداث التي تسبب نشر التعصب. 14- العمل على إيجاد صياغة جديدة للإعلام الرياضي. واختتم بالقول: نؤكد أننا كلنا شركاء ومسؤولون عن المساهمة بفاعلية وكفاءة في التنمية والتوعية بأضرار ظاهر التعصب الرياضي، وكلنا مستفيدون من تحجيم هذه الظاهرة. إن من علامات صحة مجتمعنا وقوفنا جميعًا سدًّا واحدًا في وجه السلوكيات غير المنضبطة؛ فتعالوا بنا جميعًا ننشر ثقافة الرياضة حق للجميع، وثقافة الروح الرياضية السليمة التي تجمعنا جميعًا.

مشاركة :