قال الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية، إن المتابع لـ صفحات السوشيال ميديا يلاحظ وبكل وضوح انتشار ظاهرة التشنج والتعصب الديني الذي يبدو جليا في مشاركات وتعليقات رواد هذه المواقع، وكل متابع عاقل منصف وبخاصة لو كان من أهل التدين يصاب بحالة من الذهول والاستياء من مستوى الانحطاط والتسفل والبذاءة التي أصبحت سمة عامة من سمات الحوار أو الاعتراض بين رواد هذه الصفحات، فأصبح من المعتاد أن تجد في التعليق على قضية دينية خلافية بسيطة اعتراضا على هذا الرأي ليس في صورة رفضه أو عرض رأي آخر مقابل بالعقل والحجة والدليل، وإنما في صورة سب لصاحب الرأي المخالف بأقذع الألفاظ وأقبح الأساليب. وأوضح مستشار المفتي في مقال له اليوم الجمعة: أنه إذا دعاك الفضول لتتبع صفحة صاحب التعليق البذيء فلا تصطدم إذا وجدته شابا أو فتاة أو أيا ما يكون تعج صفحاتهم بالمشاركات الدينية والأدعية والكلام عن الزهد والتقوى ومسؤولية الكلمة وعفة اللسان، وهم لا يجدون في ممارساتهم المتذبذبة بين دعوى التدين وبين ممارسة التشنج وإطلاق السباب تجاه كل ما هو مخالف له في الرأي أي تناقض أو أية غضاضة لأن أغلب هؤلاء متأثرون بشكل أو بآخر بشيوخ متشددين أو بقادة جماعات تنظيمية متطرفة أو بدعاة إثارة واستقطاب كلهم يعتبرون أنفسهم ومنذ زمن طويل في حالة صراع وصدام وتحد مع المجتمع ومع الشعب ويعتبرون رفضه لأفكار الجماعات المتطرفة رفضا للإسلام ذاته. وأضاف أن الشعوب التي رفضت المشاريع المتأسلمة من وجهة نظرهم غارقة في الجاهلية والعلمانية والإلحاد وقل ما شئت ومن ثم فالسب والقذف والشتم واللعن واستعمال الإيحاءات الجنسية حتى من الفتيات أمر من ضرورات وأدوات المواجهة والانتصار للدين، وهذه الجماعات تربي وتوجه أتباعها على مبدأ وقاعدة الغاية تبرر الوسيلة وهم يعتبرون أنفسهم في حالة حرب وجهاد مع كل مخالف لهم في الرأي. وقال مستشار المفتي إن ظاهرة التشنج والتعصب التي تولد حالة من العداء تجاه كل رأي مخالف حتى في أبسط الأمور الخلافية، وتستعمل سلاح السب والسخرية والتشهير كأداة الكترونية لمواجهة هذا الرأي، هي ظاهرة سلبية طفت على السطح بعد ثورة يناير وأصبحت أداة سيئة للتعبير عن الرفض دون دخول في نقاش جاد عميق أو بحث جاد في أدلة أو براهين لأن هؤلاء لم يتربوا إلا على الرفض لأجل الرفض والعناد لأجل العناد، وسرعان ما يتحول بعضهم إلى العنف والإرهاب لأن حقيقة الإرهاب الفكري هي نفسها حقيقة الإرهاب المسلح. وزاد من تنامي هذا التوجه اللا أخلاقي بين فئات الشباب ظاهرة الاستقطاب اللامسؤول من بعض المدعين والمتطفلين على الدعوة الإسلامية الذي اتخذوا من الدعوة أداة لكسب المال والشهرة ولو على سبيل الدين نفسه والأخلاق ذاتها، فأصبح مقبولا جدا بل شائعا ومعروفا بلا خجل ولا مواربة من بعض هؤلاء أن يتبادل على صفحات السوشيال ميديا بعض الألفاظ السيئة والإيحاءات القذرة التي تدل على قدر كبير من الانحطاط الأخلاقي ، وفي سياق آخر نجد الكلام على الدين والعفة والحشمة والأخلاق من نفس هذا الإنسان. ونوه بأن هذه الحالة من التناقض الصارخ تحدث مزيدا من الصدمة والاندهاش والمتابعة من الموافق ومن المخالف وهذا ما يريده مدعي الدعوة إلى الله الذي يعتبر المكسب الحقيقي ليس ما يجنيه من أجر وثواب من الله تعالى أو حتى من هداية بعض الناس للحق والخير، ولكن مكسبه الحقيقي ما يجنيه من اللايك والشير والمشاهدة والمتابعة على صفحات السوشيال ميديا وكل موافق أو مخالف يمثل مكسبا ماديا لهؤلاء دون النظر إلى قضية التربية السلوكية وإلى قضية الأخلاق أو حتى إلى قضية الفكر والرأي. وأكد مستشار المفتي أن مفهوم الداعية المعاصر (الكيوت) تطور من الداعية الذي لا يلتزم بزي ومظهر وأسلوب الشيخ الأزهري التقليدي إلى الداعية الذي يشارك في الانحطاط والتسفل ولا يعمل على الارتقاء بالذوق وبالأخلاق التي هي حقيقة الدين ولحمته وسداه، ولا يؤثر في حياة الشباب وتوجهاتهم إلا تأثيرا شكليا سلبيا في معظم الأحوال ، وإذا أراد الشباب إثارة فلنقدم لهم ما يثير وما يغضب، وإذا أرادوا معارك تستنفد طاقاتهم فلنفتعل لهم المعارك الوهمية التي يخرجون فيها غضبهم وتشتعل فيها جذوة حماسهم ويصبح ذلك الداعية رمزا أو قدوة يمنع المساس به أو نقده بل وتبرر كل أفعاله وتصرفاته مهما كانت نافرة شاذة عن سياق الدين والأخلاق . وبين أن الخلاف معه يعتبر خلافا مع الدين والإسلام وانتصارا للعلمانية والكفر والالحاد، وهي لعبة قديمة معروفة مكشوفة من ابتكرها حسن البنا مؤسس الإرهابية الذي مارس الإجرام والإرهاب وغش الناس في دينهم وظهر بمظهر الداعية المتسامح وهو يطلق تنظيمه السري للقتل والتخريب والاستحلال في كل مكان بل وتستر وبرر لأحد رجاله وهو عبد الحكيم عابدين جرائمه الجنسية الثابتة التي تمثلت في الاعتداء الجنسي على نساء الأسر الإخوانية التي كان يتواصل معهن بحكم نشاطه وعمله في الجماعة، وعزز من دوره في الجماعة بترقيته في منصب أعلى مكافأة له على هذا الإجرام، فأصول اللعبة قديمة وإن كانت قد تزايدت وتنامت بعد أحداث يناير وإلى الآن ولابد من مواجهتها والتصدي لها بربط الدين ربطا كاملا بالأخلاق وبالممارسة القولية والفعلية وإشاعة ثقافة الاختلاف في الرأي والالتفات لضرورة التصدي لظاهرة الاستقطاب والاستقطاب المضاد والتصدي لجشع هؤلاء المستغلين المستقطبين الذين ينحرفون بالشباب مستغلين بحكم السن عواطفهم واندفاعهم تجاه دوامة التشنج والرفض والصخاب وتجعل من الشاب مشروعا إرهابيا بالقول أو بالفعل بعيدا عن التعقل والتأمل والبحث الذي يثري العقول ويهذب النفوس ويرتقي بالأذواق ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختصر رسالته الشريفة كلها في قضية الأخلاق وحدها، فقال صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
مشاركة :