قال نائب الرئيس التنفيذي لبنك الكويت الوطني في الكويت، سليمان المرزوق، إن البنوك الكويتية تتمتع بوضع مالي قوي قائم على أسس صلبة، يعكسها نمو الربحية والمؤشرات المالية الإيجابية، ومعدلات جودة الأصول المرتفعة، بدعم من الأوضاع المالية المتميزة للاقتصاد الكويتي، والمصدّات القوية التي يتمتع بها والمتمثلة في ثروته السيادية. ولفت المرزوق في مقابلة مع مجلة «ميد» إلى أن ذلك يأتي إضافة إلى السياسات النقدية الحصيفة لبنك الكويت المركزي، والتي أسهمت في رسم مسار مرن يسمح بنمو ربحية البنوك مع الحفاظ على جودة أصولها، وانخفاض مستوى المخاطر، ما ميزها عن بقية بنوك المنطقة. وأشار إلى أن مستويات السيولة بالدينار في القطاع المصرفي، شهدت ارتفاعاً ملحوظاً على مدار العامين الماضيين على خلفية 3 عوامل، وهي انتهاء العمل بقانون الدين العام في أكتوبر من العام 2017، ما أدى إلى زيادة تدريجية وإن كانت حيوية في مستويات السيولة الفائضة في النظام المصرفي. وبيّن أن ذلك حصل بالتزامن مع استحقاق أجل السندات الحكومية لدى البنوك المحلية، ما أضاف لسيولة البنوك المحلية نحو 1.8 مليار دينار هي قيمة تلك السندات خلال تلك الفترة. وذكر أنه في المقابل قام «المركزي» بجهود كبيرة من أجل امتصاص تلك السيولة، مستخدماً أدواته باحترافية، من خلال إصدار سندات وتورق قصيرة الأجل بقيمة تصل إلى 500 مليون دينار تقريباً. وشدّد المرزوق على أن تلك العوامل، تأتي مع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وزيادة تدفقات رأس المال الموجهة إلى الاستثمار في الأسهم الكويتية بالبورصة، بالتزامن مع ترقيتها للانضمام لمؤشر «فوتسي» للأسواق الناشئة، واحتمالية انضمامها إلى مؤشر «ستاندرد آند بورز» للأسواق الناشئة في المراجعة المقبلة نهاية مايو، ما أدى إلى تزايد عمليات شراء الدينار، وزيادة السيولة بالعملة المحلية. وأفاد أن ثالث العوامل التي أدت إلى زيادة السيولة، يتمثل في عدم توافر فرص لنمو الائتمان في السوق المحلية، لا سيما من جهة الشركات، إذ يأتي ذلك على خلفية تباطؤ الإنفاق الحكومي، ما يساهم في زيادة السيولة غير المستغلة لدى البنوك. وكشف المرزوق عن قيام البنوك الكويتية بتوزيع فائض السيولة الزائدة لديها، على الإيداعات قصيرة الأجل ذات العائد المنخفض لدى «المركزي»، أو تركها دون استخدام في حسابات من دون فائدة، مقابل خسارة الفرصة البديلة، مقارنة بإمكانية الاستفادة من فائض السيولة، باستخدامها في سندات الخزينة طويلة الأجل ذات العوائد المرتفعة. أسعار الودائع وأفاد أنه على الصعيد الإيجابي، ساهمت السيولة الفائضة في منع حدوث زيادة كبيرة في أسعار الودائع بالدينار، على الرغم من الزيادة في سعر اتفاقيات إعادة الشراء (الريبو) 9 مرات منذ ديسمبر 2015. ورأى أنه على سبيل المثال، تقلص فرق السعر المدفوع فوق أسعار الصرف القياسية على الودائع، من الأفراد ذوي الملاءة المالية العالية على خلفية تزايد معدلات السيولة، في حين أصبحت البنوك جاهزة لتمويل أي نمو قد تشهده الأصول على خلفية تنفيذ المشاريع الحكومية الجديدة. وأكد المرزوق أن زيادة السيولة الفائضة، أدت إلى انخفاض شهية البنوك للمنافسة على الودائع في السوق المحلية، ما أدى إلى خفض أسعار السوق ومن ثم اتجاه البنوك إلى خفض احتفاظها بالودائع عالية التكلفة، بما يتماشى مع ديناميكية العرض والطلب. وتابع أنه على الرغم من ذلك، تسعى البنوك باستمرار للحصول على ودائع مستقرة وطويلة الأجل، من مصادر غير مالية بهدف زيادة قدرتها على تحقيق النسب التي تتفق والقواعد التنظيمية، مع الحفاظ على بناء قاعدة تمويل قوية تدعم أصولها الحالية طويلة الأجل، وتمويل النمو المحتمل في المستقبل. تمويل المشاريع لفت المرزوق إلى تميز «الوطني» بمكانة رائدة في السوق المحلي، إذ يحتفظ بحصة مهيمنة في تمويل المشاريع الحكومية الكبرى. وتوقّع أن تتيح مشاركة البنك في دعم المشاريع الحكومية، في الوصول إلى الأعمال المساندة لتلك المشاريع، والاستحواذ على حسابات الموظفين والتعامل في العملات الأجنبية، ما يؤدي إلى زيادة حصته في سوق التمويل الشخصي. وذكر أنه يتم تمويل الشركات التي لديها أصول محدودة، أو الشركات التي لا يتوافر لديها القدرة على توفير أصول، يمكن أن تمثل ضمانات للبنك لإقراضها، في إطار القواعد التنظيمية لذلك، وبناءً على تقييم دقيق للتدفقات النقدية المستقبلية لتلك الشركات والعقود الموكلة إليها وتحوط عائدات تلك المشاريع والاتفاقيات المباشرة وحقوق التدخل وفقاً لما يقتضيه الأمر. النفط وبيّن المرزوق أن أسعار النفط تشهد تقلبات مستمرة، نظراً لعدم تأثرها فقط بعوامل العرض والطلب، بل أيضاً بالعوامل الجيوسياسية التي يصعب التنبؤ بها، في وقت تعتمد الميزانيات الحكومية على أسعار نفط افتراضية، والتي يتضح اختلافها الشديد عن الأسعار الفعلية في أغلب الأوقات. وأشار إلى اعتماد النفقات العامة المدرجة في الميزانية إلى حد ما على توقعات أسعار النفط، إذ لا يرتبط الإنفاق مباشرة بالأسعارالفعلية للنفط، مبيّناً أنه لمواجهة تلك التقلبات الشديدة في الأسعار وضمان سلاسة الإنفاق واستقرار الميزانية، تبني العديد من الدول المنتجة للنفط مصدات مالية كبرى يمكن اللجوء إليها في حالة تراجع أسعار النفط. وأفاد أنه في الكويت، تمكنت الحكومة من جمع موارد هائلة في صناديق الثروة السيادية، الناتجة عن تسجيل فائض في الميزانيات السابقة، وتجنيب المدخرات في صندوق الأجيال القادمة، والتي يمكن توظيفها للحفاظ على النفقات العامة، خصوصاً النفقات الرأسمالية لمواجهة تراجع أسعار النفط. وأوضح المرزوق أن فئات الإنفاق الأخرى، وخصوصاً الأجور والمرتبات، متكررة ولا تتأثر عادة بتقلبات أسعار النفط. وذكر أنه لذلك لا توجد روابط قوية بين الإنفاق الاستثماري المستمر وتقلبات أسعار النفط، إذ إنه في واقع الأمر قد ينخفض الإنفاق الفعلي عن المبلغ المدرج في الميزانية، حتى عندما يتجاوز سعر النفط الرقم الافتراضي في الميزانية، والعكس صحيح. وأشار إلى اعتماد الإنفاق الاستثماري الفعلي على العديد من العوامل الأخرى، مثل القواعد والإجراءات التي تحكم ترسية المشاريع والتوريدات، والاعتبارات الفنية وسرعة وتيرة تنفيذ تلك المشروعات. وبيّن أنه من جهة أخرى، قد يعتقد أن أسعار النفط لها تأثير أكبر على ثقة المستهلك والإنفاق، والذي يميل للارتباط بأسعار النفط. ولفت المرزوق إلى أنه في حين تعد أسعار النفط إحدى العوامل، هناك أسباب أخرى تؤثر على نمو الائتمان والاقتراض، وتحديداً الأجور والتضخم واللوائح المتعلقة بالقروض الاستهلاكية. وذكر أنه على سبيل المثال، ربما ساهمت الخطوة الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي، للحد من القيود المفروضة على القروض الاستهلاكية، في زيادة نمو الائتمان الذي سجل نمواً بنسبة 5.3 في المئة على أساس سنوي في فبراير. تداعيات تأجيل قانون الدين العام اعتبر المرزوق أن التداعيات الرئيسية لتأجيل إقرار مجلس الأمة قانون الدين العام الجديد، تتمثل في عجز الحكومة عن الاقتراض لتمويل مشاريع جديدة، بما يؤدي إلى انخفاض الإنفاق العام، والذي يؤثر بدوره على تراجع النمو الاقتصادي، وتباطؤ نمو ميزانيات البنوك. وأضاف أن إصدارات الديون الحكومية طويلة الأجل، مطلوبة لخلق منحنى عائد قياسي يساعد في تطوير سوق رأس المال، إلى جانب أهميته للقطاع المالي لتسعير المنتجات طويلة الأجل. وأفاد أن ذلك يأتي في وقت تفقد البنوك فرصة استثمار السيولة الزائدة لديها، في أدوات الدين الحكومية مرتفعة العائد، مقارنة باستثمارها في أدوات البنك المركزي قصيرة الأجل ذات العائد الأقل.
مشاركة :