تحدثت في مقال امس عن رهان إيران بألا يفوز الرئيس الأمريكي ترامب في الانتخابات القادمة وأن يأتي رئيس ديمقراطي يغير السياسة الأمريكية الحالية جذريا، وأن على الدول العربية ان تبني حساباتها على هذا الاحتمال. والأمر لا يقف عند هذا الحد. حتى لو فاز ترامب في الانتخابات القادمة، وهو امر غير مستبعد، فإن فترة رئاسته الثانية يمكن ان تشهد احتمالا سيئا آخر فيما يتعلق بالموقف من النظام الإيراني والوضع في المنطقة عموما. وكي نفهم ما هو هذا الاحتمال وفي أي إطار بالضبط يمكن ان يطرأ، علينا ان نتأمل الجوانب التالية: 1- انه على الرغم من الموقف المتشدد للإدارة الأمريكية الحالية تجاه إيران والعقوبات القاسية التي فرضتها عليها، فقد أعلن ترامب مرارا انه مستعد لإجراء مفاوضات مع إيران في أي وقت. 2- ان ترامب كما يتضح من مواقفه وسياسته لديه ميل عام للظهور بمظهر القائد القادر على إحداث تحولات كبرى واختراقات غير متوقعة، على نحو ما فعل مثلا مع كوريا الشمالية. وفي لحظة معينة في فترة رئاسته الثانية، يمكن ان يفكر في اختراق كهذا مع إيران عبر المفاوضات. 3- انه رغم كل المواقف الإيرانية المتشددة حاليا، والرفض المتكرر لأي تفاوض مع أمريكا، الا ان مسؤولين إيرانيين لديهم تصريحات يتركون فيها المجال مفتوحا بشكل عام امام مثل هذه المفاوضات. ولو فاز ترامب بفترة رئاسة ثانية، من الممكن ان تفكر إيران جديا في قبول هذه المفاوضات، إما مختارة أو مجبرة. ستكون إيران قد فقدت الأمل حينئذ في ان يأتي رئيس ديمقراطي يتراجع عن سياسات ترامب، وبالتالي لا تجد امامها خيارا سوى التفاوض. أيضا، فإن وطأة العقوبات ونتائجها وتبعاتها على الاقتصاد الإيراني، من الممكن ان تدفع إيران إلى قبول التفاوض. 4- علينا ان نفهم انه على الرغم من الموقف المتشدد الحازم للإدارة الأمريكية الحالية تجاه إيران وما تتخذه من إجراءات، فإن هذا لا يعني ان أمريكا تريد اخضاع إيران نهائيا أو اخراجها من معادلة التوازنات في المنطقة. الاستراتيجية الأمريكية تقوم دوما على عدم السماح بقوة واحدة، سواء كانت إيران أو دولا عربية، بأن تكون لها السيطرة في المنطقة. ما الذي يمكن ان نصل اليه من تأمل هذه الجوانب مجتمعة؟.. ما الذي نريد ان نقوله؟ نريد ان نقول انه من الوارد ان تشهد الفترة الثانية من حكم ترامب حال فوزه مفاوضات أمريكية إيرانية تفضي بالضرورة إلى اتفاق حول صفقة ما. ومن الوارد جدا ان يكون اي اتفاق أمريكي إيراني تنتهي اليه المفاوضات في غير صالح العرب، وفي غير صالح ما تسعى اليه الدول العربية من وضع حد نهائي لخطر إيران ومشروعها الطائفي التوسعي في المنطقة العربية. نريد ان نقول بعبارة أخرى، ان على الدول العربية ان تستعد لمثل هذا الاحتمال، وأن تفكر من الآن كيف ستتصرف وكيف ستتعامل مع هذا التطور، وما الذي عليها ان تفعله بالضبط حينئذ؟ قد يرى البعض فيما نقول احتمالا مستبعدا آخذا في الاعتبار المواقف والسياسات المتشددة جدا التي تتخذها الإدارة الأمريكية حاليا تجاه إيران. لكن في عالم السياسة ليس هناك أي تطور أو احتمال مستبعد على الاطلاق. وأسوأ ما يمكن ان يحدث في عالم السياسة هو ان تستبعد أي احتمال حتى لو كانت نسبة حدوثه ضئيلة جدا.
مشاركة :