الدور السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي

  • 5/1/2019
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

بات من المؤكد خلال الفترة القليلة الماضية أن سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد فاق كل التوقعات حتى تحول في بعض الأحيان إلى أداة للتخريب وللتأثير سلبا على السلم الأهلي في المجتمع رأينا ذلك في العديد من المناسبات التي استخدمت فيها هذه الوسائل بطريقة سلبية إلى درجة أثارت البلبلة في المجتمع وذلك لانعدام السيطرة بأي شكل من الأشكال على استخدام هذه الوسائل العشوائي وغير المنضبط. فمنذ أحداث عام 2011 وحتى اليوم ازداد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع حتى أصبحت بين أيدي من هب ودب من الأطفال والمراهقين وحتى أصحاب الأجندات الحزبية والطائفية والأيديولوجية الذين لا يهمهم ما ينتج عن هذا الاستخدام السيئ من تأثير سلبي على المجتمع والأفراد والجماعات والأسر والمؤسسات بقدر ما يهمهم تشويه الدولة والمجتمع معا. وجب هنا أن نبدأ بتوضيح أراه مهما وهو أن العيب ليس في هذه الوسائل في حد ذاتها لأنها وسائل محايدة يمكن استخدامها في الخير كما يمكن استخدامها في الشر، وللأسف الشديد فإن الاستخدام كما أراه شخصيا وكما يتابعه أفراد المجتمع البحريني هو فقط في الاتجاه السلبي ولا يستخدم لما فيه خير المجتمع وتقدمه وتواصله الإيجابي من أجل مصلحة أو معلومة مفيدة أو قيمة طيبة أو فكرة مبدعة أو قيمة أخلاقية أو علمية وغيرها إلا نادرا فكل ما ينشر ويبث عبر هذه الوسائل أصبح مضرا إلى أبعد الحدود. ومن المؤسف أن هذه العملية لم تقتصر فقط على عدد من المراهقين أو أفراد المجتمع الذين افتقدوا إلى الضوابط والروادع بل امتد إلى بعض الوسائل التي يفترض أن تكون جدية ولديها إدراك وحس وطني ومسؤولية مهنية مثل بعض المواقع الإعلامية التي أصبحت تسابق وسائل التواصل الاجتماعي من أجل بث أي معلومات وأحداث وفيديوهات مباشرة في بعض الأحيان من دون احتساب نتائجها الوخيمة على المجتمع مثل ما رأينا مؤخرا في حادثة اجتماع الجمعية العمومية لغرفة تجارة وصناعة البحرين حيث تم بث شجار بدأ لفظا وانتهى إلى عراك بالأيدي بين أفراد داخل هذا الاجتماع وتم بث ونقل هذا الشجار بدلا من بث وقائع الاجتماع ونتائجه ومحاوره وما يمكن أن يفيد الناس ويزودهم بالمعلومات لدرجة أنه لا أحد علم بما في داخل الاجتماع خلال انعقاد الجمعية العمومية للغرفة وبدلا من أن يكون التواصل الإعلامي دليل خير ودليل معرفة يخدم القطاع ويفيد الرأي العام أصبح يتصيد الصورة الشاذة والنادرة والغريبة التي لا قيمة لها ولا محتوى ذا أهمية لا للغرفة ولا للمجتمع ولا للأفراد: - ما أهمية هذا الشجار اللفظي والجانبي بالنسبة إلى أعضاء الجمعية العمومية لغرفة تجارة وصناعة البحرين أو بالنسبة إلى جدول الأعمال المطروح في هذا الاجتماع؟ - ما أهمية بث هذا الشجار مباشرة وإظهاره كأنه سبق تميز بالنسبة إلى المجتمع؟ - هل يدرك من نقل ذلك الشجار والذي لا يمثل الغرفة في شيء ولا يعبر عن الأعضاء المشاركين في اجتماع الجمعية العمومية أو رئيس الغرفة أو أي من قياداتها بأي شكل من الأشكال ماذا فعل؟! - ما الذي جناه المجتمع من بث هذه الواقعة على نطاق واسع وتحويلها خلال دقائق إلى قضية رأي عام تستدعي التنديد وصدور البيانات والاحتجاجات في حين أن الأمر لا يزيد على خطأ ارتكبه شخص واحد كان بالإمكان أن ينتهي بهدوء بالاعتذار أو بأي وسيلة أخرى مثل المحاسبة القانونية عن الخطأ واتخاذ الإجراءات ضده وليس بتحويل الموضوع إلى فرصة ومناسبة لإثارة النعرات والإساءة إلى رئيس الغرفة المستهدف من قبل بعض الأطراف التي لم تستوعب أو تقبل منذ البداية أن يكون في هذا الموقع. لقد تابعت هذه الواقعة وغيرها من وقائع مماثلة ووجدت أن كرة الثلج تتحول بشكل متدرج إلى كرة ضخمة بسبب الاستخدام الفاسد وغير العقلاني لوسائل التواصل الاجتماعي وللمواقع الإلكترونية التي تبحث بأي شكل من الأشكال عن الإثارة والشهرة وجمع علامات الاستحسان الوهمية من المتابعين والتفاخر بكثرة أعداد هؤلاء المتابعين. والأخطر من هذا كله أن تصبح مثل هذه الأحداث الفردية في أصلها والتي لا تعبر عن فكر ولا اتجاه ولا ثقافة المجتمعين أو الموجودين في الاجتماع إلى قضية رأي عام. وفي هذا الإطار ونتيجة للكوارث التي يتسبب فيها الاستخدام الفاسد لوسائل التواصل الاجتماعي وفي أكثر من مناسبة وبتصاعد لافت فإنني استذكر الكلام الحكيم الصادر من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر حفظه الله ورعاه في أكثر من مناسبة وتوجيهات وتحذيرات سموه المتكررة من خطورة هذا الانفلات في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للإساءة للمجتمع أو الإضرار بالأسرة أو الطوائف فقد كان سموه مدركا تمام الإدراك لهذا الخطر الداهم وتأثيراته الكبيرة على سلامة المجتمع وعلى وحدته الاجتماعية ونسيجه المتداخل الذي يعيش في أمن وسلام منذ القدم. وبالفعل فإن تحذيرات سمو رئيس الوزراء في هذا الخصوص كانت تنم عن إدراك حقيقي وحكيم لتأثير هذا النوع من الإعلام الجديد على مجتمعنا الآمن المتآلف فيأتي بعض المشوهين أو المستهترين أو غير المدركين للمخاطر فيتلاعبون بالمجتمع عن طريق بث ونشر ما يثير البلبلة والنعرات أو ما يمس سمعة الأفراد وخصوصياتهم أو ما يمس مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص بالكذب والتهجم ونشر الأكاذيب بجميع أشكالها وأنواعها لمجرد الإثارة أو لمجرد إشاعة الاضطرابات بين الناس لتحقيق مآرب خاصة أو مآرب حزبية أو طائفية. إن هذا الموضوع يستدعي في رأيي المتواضع أن نسارع إلى إصدار قانون أو تشريع ينظم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ويضع ضوابط قانونية وأخلاقية لهذا الاستخدام لمنع أي شكل من أشكال الكذب والتشهير والإساءة إلى الأفراد والمجتمع والمؤسسات، كما أرى أن مثل هذا التشريع في حال إصداره يجب أن يتضمن أقصى العقوبات ضد من يتسبب في البلبلة والإساءة والتشهير. كما أعتقد أننا في حاجة ماسة إلى حلول تقنية فنية تجعل استخدام مثل هذه الوسائل تحت قدرة الرقابة التي تمنع الانفلات وتحمل المسؤولية للمستخدمين لكيلا يرتكبوا جرائمهم ثم يختبئوا وكأنهم لم يفعلوا شيئا.

مشاركة :