التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي الواتس آب فرضت التقنية الحديثة سيطرتها على حياة الناس و غيرت الكثير من مجرياتها ، فباتت بأجهزتها خفيفة المحمل ، باهضة الثمن مكان تنافس و تفاخر كما أنها السبيل الأمثل في نظرهم لقضاء حاجاتهم فعن طريقها يتم التواصل الإجتماعي الذي لا يكلف حمل النفس على الزيارة و مقابلة الأشخاص ، و عن طريقها يتم التعقيب على المعاملات في مختلف المؤسسات الحكومية و الأهلية دون الاضطرار إلى مغادرة مكان العمل و الوقوف في صفوف المراجعين لتحصل على ما تريد ، كما أنها وسيلة للترفيه و التعليم و التدريب و التطوير ، فوائدها جمة و لا شك ، تعلق الناس بها تعلمها الصغير و بادر لاستخدامها الكبير و بات الكل يبحث عن الجديد فيها ، و الأحدث منها ، و أصبح التنافس في اقتنائها واضحا ظاهرا لكل صاحب لب ، قد تكون الصورة جميلة ممتعة حتى الآن لكن تعال معي لندخل إلى أماكن العمل ، ما الذي يحدث في الفصول ، و ما الذي يؤخر انجاز المعاملات في الدرائر الحكومية و لو لوقت قصير نسبيا ؟ إنها التقنية ذاتها التي سهلت على الناس الكثير ، هي ذاتها أعاقت الإنتاج الفعلي في أوقات الدوام ، قد تتساءل كيف ذلك ؟ و الجواب تحمله صورة موظف احتضن بين يديه هاتفه المحمول ليتبادل رسائلا متنوعة مع أصدقائه و أقاربه في وقت لا يملكه أبدا يراكم المعاملات و يضيع الحقوق و يؤجل العمل ليسلي نفسه بما لا ينفع ، و الأخطر منه ذاك المعلم الذي يسلب وقتا كان من المفترض أن يقضيه في تربية طلابه و تأديبهم و تعليمهم ليضيعه في لهو و مرح لا نصيب لهم فيه ، حصصه مقيدة بوقت لا يعوض كان من المفترض أن يجعله كله لتأسيس علم و بناء شخصية و تطوير فكر ، فالأمة قد ملكته أثمن ما لديها ، أبناءها و عدتها للمستقبل ليعدها لها كأقوى ما تكون العدة لا يفلها خطب و لا يهزمها عدو ، فالعلم أساس لا غنى عنه و التربية ركيزة السبق ، و لا يجوز له الانصراف عما أوكل إليه من أمر إلى غيره مهما عظم ، فكيف و قد انصرف عنه إلى ما دون ذلك ؟ و يعظم الأمر حين نرى الطبيب قد انشغل عن متابعة مرضاه بها ، تساهل في أرواح بشر قد وضعت بين يديه ليرعاها و يداوي جراحها و يخفف من آلامها فإذا به يزيد مرارة الألم و يتناسى أن بعضهم يحتاج منه رعاية فائقة لينقذ أرواحهم من براثن الموت المحقق بقليل من الجهد و كثير من التركيز و الإخلاص في العمل ، و ما أكثر حوادث الموت بالخطأ الطبي بعد قضاء الله و قدره ، فتقصير الطبيب ليس كتقصير غيره و انشغاله بسفاسف الأمور أثناء معالجته للمرضى لا يليق بآداء الأمانة الذي أقسم عليه ، ولو تأملنا لوجدنا صورا متنوعة لسوء استخدام التقنية و التساهل في وقت الغير و عدم احترام المواعيد ،و يتضح لكل صاحب بصيرة أن التقنية الحديثة و برامج التواصل الاجتماعي خاصة قد قضت على حقيقة التواصل من الالتقاء الجسدي و التفاعل الحسي و حصره في جهاز و مجموعة أحرف قد تصل جافة لا عاطفة فيها و لا احساس و بات التفاعل مع الجهاز و البرنامج أكثر من التفاعل مع العقول و القلوب ، ضاعت الحقوق بسبب التفريط في استخدامها ، و أصبحنا نخشى حقيقة التلاقي ، و إن حصل فلا تجد يدا خالية الوفاض من تلك الأجهزة ، وساد البرود في العلاقات العامة و الخاصة ، و أصبحت مناسباتنا و وجباتنا اليومية و خصوصياتنا مجالا للتصوير و الإرسال و العرض تباهيا و تفاخرا ، و ارتدت النفوس بسببها أقنعة الكذب و الزيف و التضليل ، شوهت شخصيات عامة ، و انتشرت اشاعات ، خُوِن فيها الأمين ، و نُزِه الخائن ، و امتلأت القلوب غلا و حسدا ،إن التقنية نعمة علينا أن نعرف قدرها و نستخدمها بتوازن في كل ما ينفع ، ولا شك أن التوعية اليوم بخطر الإفراط فيها أصبح واجبا ، فعلينا أن نتحمل مسؤولياتنا و أن نعرف للوقت قيمته ، و أن نعطي كل ذي حق حقه ، و أول من يتحمل مسؤولية التوعية الأسرة فهي نواة التربية و منها تخرج الفضائل و ينتشر الخير في المجتمع ، ثم المسجد و المدرسة ووسائل الإعلام المختلفة و المؤسسات المعنية ، أما في مجال العمل فإن كانت الرقابة الذاتية قد غابت عند البعض فيجب أن يتدخل الرقيب من صاحب السلطة ليعاقب المسيء و يثاب المحسن ، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن و خصوصا ممن مات ضميره و سيطرت الأنا و حب اللهو على حياته فزاد تفريطه و أصبح يرى أن حريته الشخصية لا حدود لها ، و ظن أن لا أحد يستطيع رده عن غيه و لم ينفع معه النصح ، فلا مفر من استخدام السلطة في تعديل مساره و إلزامه باحترام وقت العمل و أدائه على الوجه المطلوب ، ليعود الأمر إلى نصابه الطبيعي و يهنأ الفرد بحياته و يتسنى للمجتمع التقدم الحقيقي بالعمل الجاد و الأداء المتقن .
مشاركة :