أين «داعش» من النجف وكربلاء؟

  • 3/17/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

في العاشر من يونيو (حزيران) 2014 سقطت الموصل بيد تنظيم داعش، ثم زحف إلى تكريت وحتى أطراف سامراء التي لا تبعد سوى مائة كيلومتر عن العاصمة بغداد. بعد أن غرم التنظيم هذه المفازات بأربعة أيام خرج المتحدث باسمه أبو محمد العدناني يدعو المقاتلين إلى التوجه جنوبا نحو بغداد، وإلى النجف وكربلاء اللتين وصفهما بصفات بذيئة، بهدف طمس معالم الشرك بمساواة الأضرحة والقبور بالأرض، وفق ما توجبه العقيدة السلفية التي يدّعون تبنيها. ما حصل بعد أيام أن جحافل التنظيم وصلت إلى أطراف بغداد، لكنها ومن دون أسباب واضحة انسحبت شمالا، وتراجعت عن خططها المرسومة، مما أتاح للميليشيات الشيعية وضع سياج من القوات العسكرية يحيط بالعاصمة والمدن المقدسة لدى الشيعة. لماذا تراجع التنظيم في ذلك التوقيت الحاسم حيث كان متفردا بالقوة على الأرض؟ حتى إن كان خشي من تدخل أميركي سريع لحماية العاصمة فالأكيد أن النجف وكربلاء كانتا متاحتين. الوضع العسكري في العراق كان مترديا خلال تلك الفترة، فالجيش العراقي مهترئ، ومنذ تقلص خطر تنظيم القاعدة قبل أكثر من 5 سنوات وخروج القوات الأميركية، لم يعد الجيش محط اهتمام القيادة السياسية التي انشغلت بتصفية حساباتها مع بعضها البعض. «داعش» عندما دخل الموصل وجد الجيش العراقي متأهبا للفرار أكثر من المواجهة، يفتقر للولاء والإرادة، تفشى في أفراده الكسل والسمنة، ونخر فيهم الفساد المالي والإداري. حتى الميليشيات الرئيسية في العراق إما قد تم حلها كجيش المهدي، أو أنها معارة إلى سوريا للقتال بجانب الأسد. كانت كل الظروف مواتية للزحف جنوب العراق، ولكن اختار التنظيم الانسحاب والتمركز في مناطق السنة والانتشار من خلالها بدلا من التوسع في مساحات شاسعة، رغم قدرتهم اللوجيستية على ذلك. ما حصل بعدها معروف؛ نكل الدواعش بأهل السنة لفرض هيمنتهم على مناطقهم، أغروهم بالمال وأجبروهم بالسلاح على رفع أعلام الدولة الإسلامية فوق مبانيهم في كل مدن المحافظات السنية. عانى سنة العراق من «داعش» أضعاف ما عانى الشيعة، أو «الروافض» عبدة البشر والحجر كما سماهم العدناني. حجر الزاوية في كل هذه الأحداث هو الحرس الثوري الإيراني، المشغول بحماية نظام الأسد، والذي لم يكن مهيأ ولا موجودا في العراق إبان انقضاض «داعش» على الموصل. العراق كان محطة عبور وتدريب لأفراد الميليشيات الإيرانية العابرة إلى الأراضي السورية واليمنية. «داعش» بقتاله أهل السنة منح الإيرانيين وقتا كافيا لتشكيل ميليشيا الحشد الشعبي، ودعم «عصائب أهل الحق» و«أبو الفضل العباس»، وتدفق المزيد من المقاتلين من إيران، وإعادة الشهية لمقتدى الصدر لتشكيل مجموعات مقاتلة جديدة إحداها أطلق عليه اسم «سرايا السلام»! طاف من عمر الزمن تسعة أشهر لم تطأ قدم داعشي واحد المراقد الشيعية، رغم أنهم وصلوا الحدود السعودية، لكنهم بدلا عن ذلك وطئوا أجساد نساء السنة بلا حق، وسرقوا نفط بيجي، وقتلوا شباب العشائر السنية. حطموا تماثيل تاريخية في الموصل بحجة أنها أصنام، رغم أنها لا تعبد ولا يقدسها أحد، ولا يزورها سوى السياح لالتقاط الصور، وتركوا الأضرحة التي تمارس حولها ومن أجلها طقوس مزعومة. ونحن حينما نتساءل عن سبب عدول «داعش» عن دخول المدن الشيعية ليس القصد الدعوة لذلك، ولا الحسرة على تفويت هدم المراقد، فلا مكان يستحق أن يدخله الدواعش سوى جهنم، إنما من السفاهة تجاهل مقاصد التنظيم الذي يظهر متطرفا إلى أبعد الحدود، يقطع يد السارق ويجلد المراهقين، تطبيقا للحدود، وهو في حقيقته جبن عن دخول كربلاء والنجف لتنفيذ تهديده، ولم يقاتل سوى بني جلدته، هذا يشير بالتأكيد إما إلى أن التنظيم قد تم التغرير به، أو أنه مخادع يقول ما لا يفعل. ما نراه اليوم في تكريت، والمناطق السنية في صلاح الدين، هو انكشاف للخطة الإيرانية - الأميركية على العراق. الميليشيات الشيعية تحتل المناطق السنية بذريعة قتال «داعش»، حتى إنها لم تصمد طويلا على مواصلة الادعاء بأهدافها الوطنية وبدأت بممارسة الأعمال القمعية العنصرية ضد السنة، أحرقوا بيوتهم وسياراتهم ونهبوهم، ثم بكل جرأة يخرج مسؤول أميركي ليبدي قلقه من الممارسات الطائفية للميليشيات الشيعية ضد أهالي تكريت! يا للمفاجأة! ما يدلل على أن إيران هي من تقاتل في تكريت وليس الجيش العراقي، أن المواجهة توقفت ثلاثة أيام حتى يصل الإمداد، من أين سيأتي الإمداد؟ بالتأكيد ليس من بغداد، فلا يوجد في بغداد جيوش ولا عتاد، الإمداد سيتعزز بدخول المزيد من الباسيج الإيراني، وقيادات عسكرية إيرانية تحسم طرد التنظيم ثم الهيمنة الكاملة على المناطق السنية إلى الأبد بحجة حمايتها. ما يحصل في تكريت أشد خطورة وأسوأ في تداعياته من الغزو الأميركي للعراق في 2003؛ لأن سقوط صدام مكّن لإيران في المناطق الشيعية، بينما ظلت المناطق السنية العربية والكردية لأهلها، أما معركة مدينة صدام، تكريت، فهي إيذان باحتلال كامل العراق. قلنا سابقا إن مفاوضات الملف النووي منحت إيران من الوقت والتنازلات والفرص ما يغنيها عن التسلح النووي، وما كفاها للهيمنة على العراق وسوريا واليمن ولبنان، وإن حصلت طهران على اتفاق مع واشنطن أو لم تحصل عليه فلن ينقصها شيء، وإدارة أوباما التي جاءت قبل ست سنوات بوعود اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ستنهي عملها باتفاقية مخزية مع من يعتبرها شيطانا. إن امتلكت إيران سلاحا نوويا فستلحق بها كل دول المنطقة بشكل أو بآخر، وعندها ستتكافأ القوى، إنما من يكافئها اليوم وهي التي بسطت يدها على أهم الدول العربية؟! ومن دون نووي، تهدد للتمدد إلى بقية الدول.

مشاركة :