لأكثر من ساعة دام الاجتماع الذي ضم في قصر الإليزيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة في إطار الزيارة الرسمية التي يقوم بها العاهل البحريني لباريس بدعوة من ماكرون. وأدت ثلة من الحرس الجمهوري التحية على أنغام الموسيقى العسكرية لدى وصول الملك ولدى مغادرته القصر الرئاسي. ورافق ملك البحرين الذي وصل أول من أمس إلى باريس وفد كبير، ضم مجموعة من الوزراء الذين كانت لهم لقاءات مع نظرائهم الفرنسيين.ووفر الاجتماع الفرصة لجولة أفق تناولت بالطبع العلاقات الثنائية والملفات الساخنة في المنطقة. واستبق القصر الرئاسي اللقاء بتأكيد أن المحادثات ستتناول بشكل رئيسي ملفي اليمن وسوريا من زاوية البحث عن حلول سياسية لإطفاء هذين النزاعين. كذلك أشارت مصادر الإليزيه إلى أن البحث سيتناول التعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية إضافة إلى التعليم والفرانكفونية. ووفق ما نقلته «وكالة أنباء البحرين»، فإن المباحثات «عكست اتفاقا واضحا على أن «استدامة الاستقرار في الخليج العربي هي غاية مهمة، تستوجب على جميع دولها وعلى كل حلفائنا حمايتها من شر الإرهاب بكل صوره وتنظيماته، ووقف كل أشكال التدخل السلبي والخطير في شؤونها، حفاظًا على استقلال الدول واحتراماً لسيادتها ووحدة أراضيها، وخدمة للسلام والأمن الدوليين». ويفهم من الحديث عن «التدخل السلبي...» أنه إشارة لتدخل إيران في شؤون المنطقة وهي النشاطات التي دأب المسؤولون الفرنسيون يصفونها بأنها «مزعزعة للاستقرار». كذلك يشكو الفرنسيون من برامج طهران الباليستية التي ذهب وزير الخارجية جان إيف لودريان إلى حد التهديد بفرض عقوبات على إيران بشأنها. وفي سياق شؤون وشجون المنطقة، تم تناول ملف السلام فيها وأفيد بـ«اتفاق الرؤى» بشأنها لجهة أن الوضع «أقرب إلى السلام منه إلى نقطة اللاعودة» شرط تنشيط «الجهد المشترك والعمل الجماعي الفاعل القادر على التصدي للتحديات والمخاطر الراهنة».وعلى صعيد العلاقات الثنائية، نقل عن الملك حمد والرئيس ماكرون «اعتزازهما بعمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والتي تشهد تطوراً يزداد عاما بعد عام، والحرص المشترك على جعل هذه العلاقات أكثر قوة، لكونها تقوم على أسس الاحترام المتبادل والثقة والتعاون والمصالح المشتركة، وتستند لتاريخ مشترك سياسيا واقتصاديا وتجاريا وثقافيا». وخلال اللقاء، نوه الطرفان بما شهده «مسار العمل الثنائي من تقدم كبير يؤكد حرصا مشتركا وسعيا دؤوبا للمضي بالعلاقات بين البلدين والشعبين الصديقين لآفاق أكثر رحابة». ونوه المسؤولان باللقاءات التي جمعت رجال الأعمال الفرنسيين والبحرينيين، وبما تم التوصل إليه من اتفاقيات وعقود تجارية تصل قيمتها الإجمالية إلى أكثر من ملياري دولار، ليصبح مجموع قيمة التعاقدات الحالية والتعاقدات السابقة التي ما زالت سارية نحو 4.6 مليار دولار، بما يفتح مجالات جديدة للتعاون والارتقاء بالتجارة البينية البحرينية الفرنسية المشتركة.وفي لفتة تضامن، عبر الملك حمد عن «أسف البحرين» على فقدان الرمز الديني والأثر التاريخي العالمي والإنساني العظيم، في إشارة إلى الحريق الذي ضرب مؤخرا كاتدرائية نوتردام الباريسية. وبالمقابل، ذكّر الملك حمد بأن البحرين ما تزال منارة للتقدم والإصلاح والانفتاح، ونموذجا في التسامح والتعايش والتعددية، وستظل ملتزمة بالعمل مع شركائها ومن بينها الجمهورية الفرنسية لتعزيز روح التسامح والتقارب الثقافي والإنساني بين مختلف الشعوب.وكان الملك حمد قد أدلى بتصريح لدى وصوله إلى باريس نقلته «وكالة الأنباء البحرينية» وصف فيه فرنسا بـ«البلد الصديق صاحب التاريخ العريق والتراث الإنساني والحضاري المميز والثقافة الغنية والتنوع»، مثمنا «العلاقات القوية» التي تجمع البلدين. وعبر ملك البحرين عن «اعتزازه» بـ«العلاقات الاستراتيجية» القائمة بين الطرفين، وعن رغبته بجعلها «أكثر قوة» حتى تكون «نموذجا متميزا للعلاقات الثنائية بين الدول، يحتذى به في المجالات كافة». واعتبر الملك حمد أن الزيارة واللقاء مع الرئيس ماكرون سيوفران الفرصة لـ«تبادل الرؤى حول كل ما يهمنا ويشغلنا من أمور تتعلق بمستقبل المنطقة، وأفضل سبل التصدي للتحديات والمخاطر الراهنة، وخاصة أنها تتعدى بتداعياتها الخطيرة دول المنطقة إلى العالم بأسره».وخلال إقامته في باريس، التقى الملك حمد وزير الاقتصاد والمال برونو لو مير ووفدا مهما من رجال الأعمال المهتمين بالسوق البحرينية. ومن جانبه، التقى وزير الخارجية الشيخ خالد آل خليفة نظيره الفرنسي جان إيف لودريان واستعرض معه العلاقات الثنائية، كما تناولا الملفات «الساخنة» في الشرق الأوسط. واستعرض الملك ووزير الاقتصاد الفرنسي علاقات التعاون بين البلدين والإمكانيات والفرص المتاحة اقتصاديا واستثماريا وتجاريا وماليا ومصرفيا لغرض دعم القطاعات الحيوية. وفي الإطار نفسه، استقبل العاهل البحريني في مقر إقامته بباريس وفدا من رجال الأعمال الفرنسيين وألقى كلمة شرح فيها رغبة البحرين في «تنويع وتنشيط آفاق التعاون بين بلدينا، وخصوصاً في مجال الطاقة والنقل والاستثمار الثقافي والتعليمي والسياحي».ولم تقتصر الزيارة على المشاورات عالية المستوى، بل تخطت ذلك إلى التوقيع على تفاهمات واتفاقيات في كثير من المجالات؛ منها التعليم بمختلف مستوياته، والطب والغاز والنفط والدفاع والمال. وتجدر الإشارة إلى أن قيمة الاتفاقات التجارية المتراكمة بين باريس والمنامة وصلت إلى 4.15 مليار يورو أهمها مع شركة «إيرباص» لصناعة الطائرات ومع شركة «إنجي» المتخصصة بإنتاج الكهرباء.
مشاركة :