في يوم الثلاثاء وبآخر أيام المعرض الموافق 30 ابريل 2019، من منبر مؤسسة بحر الثقافة بمعرض أبوظبي للكتاب 2019، وبحضور سمو الشيخة روضة بنت محمد بن خالد آل نهيان مؤسس ورئيس مجلس إدارة ” بحر الثقافة ” بأبوظبي وبحضور كبار الشخصيات وسمو الشيخات الشيخة شيخة وحشد كبيرمن أصحاب المعالي والسعادة، والوجوه الثقافية والإعلامية والأدبية ومحبي الأدب والثقافة. ومن ضمن فعاليات المؤسسة في جناحها مناقشة رواية مدام بوفاريّ.، حيث ذكر المناقشون أنّ رواية (مدام بوفاري) لـ (غوستاف فلوبير) رواية واقعيّة حرص صاحبها على أن يوثِّق فيها الحياة الاجتماعيّة في القرن التّاسع عشر؛ فيقف عند العادات، والتّقاليد، وأنماط العيش، وأنواع الشّخصيّات، ويحاول أن يكون حياديّاً عند توثيقه للوقائع، وذهب بعضهم إلى أنّه أغرق في واقعيّته إلى درجة أنّ روايته حوكمت بسبب ذلك، وعُدَّت نصّاً يحرِّض على الفسق والمجون وتجاوز المنظومة الأخلاقية المهيمنة. وقد غاص فلوبير إلى أعماق شخصيّته الرّئيسة، فوصف ما يعتمل في داخلها من مشاعر رهيفة ورغبة عارمة في التّغيير، وذكر أنّها غير قانعة بحياتها، وتحلم بتجاوزها، وبيّن أن زوجها رجلٌ بليدُ الحسّ، ويفتقر إلى كلّ الصفات التي تحلم بها امرأة رومانسيّة طمُوحة، ممّا يجعل هناك مفارقة بين حياتها الرّتيبة التي تعيشها وما تحلم به من حياة مُرفَّهة باذخة، ولا تلبث أن تُقِيم علاقة غير شرعيّة مع رجل آخر، ثم تنتهي علاقتها به إلى الانتحار، ويكون انتحارها إدانة لها من قبل المنظومة الأخلاقيّة المهيمنة. وقد اتّفق النّقّاد على أنّ الرّواية نجحت في إثارة موضوع (حريّة المرأة ) في القرن التّاسع عشر، وهي القضيّة التي أثارتها الحركة النّسويّة في ذلك الوقت، وطرحتها للنّقاش، وذهب بعضهم إلى أنّها دعت إلى تغيير واقع المرأة، ومواجهة المنظومة الأخلاقيّة السّائدة التي وقفت ضدّ ذلك، وفي رأيهم أنّ موت بطلة الرّواية هو حكمُ إدانةٍ لها من قبل المنظومة المذكورة، وقد كان فلوبير متعاطفاً مع بطلته رغم أنّه جعلها تنتحر، وصرّح بعد ذلك بقوله : ” إمّا في الرواية هي أنا” مبيِّناً أنّ هناك شيئاً مشتركاً بينه وبينها، هو الطُّموح والرَّغبة العارمة في التّغيير. وقد ذهب المناقشون إلى أنَّ فلوبير عُنِي في روايته بالكلمة والأسلوب واللغة، وأولى الشّكل الفنيّ اهتماماً كبيراً، وأمضى ستَّ سنوات وهو يكتب متنها، وكان يعكف على الصّفحة الواحدة، وحتّى على الجملة الواحدة، أيّاماً، وهو يقلِّب الرّأي فيها، ويقرأ ما كتبه بصوتٍ عالٍ حريصاً على كل كلمة وجملة، ويذكر ناشرو رسائله أنّه شكا من العذاب الذي لقيه أثناء كتابة الرواية، وواجه مشكلات أسلوبيّة أرّقته لأيّام، ولكنّه كان يجد حلاً أسلوبيّاً لها، وكان يمضّه في أثناء الكتابة سؤال مهمٌّ : كيف يمكنه أن يُخرِج أفكار الشّخصيّات على الورق بشكل حياديّ من دون أن يتدخّل في الهيمنة عليها. كما يذكر المشتغلون في شعريّة الرّواية أنّه كان أوّل من اخترع الأسلوب غير المباشر في السّرد بغية تحقيق الحياديّة المطلوبة، وقد كان من بين الرُّواد الذين عالجوا موضوع القبح الفنيّ، وهو: كيف يستطيع الكاتب أن يخلق شيئاً جميلا من موضوع قبيح منفِّر، ويُبقيه قبيحاً، ولكنّه يعالجه بشكل فنيٍّ جميل لإقناع القارئ بمصداقيّة ما يكتبه؛ ولذك حظي ما كتبه فلوبير بأهميّة كبيرة في القرن التاسع عشر، وعُدَّت روايته من بين مئة نصٍّ روائيٍّ عظيم في العالم كلّه.
مشاركة :