صدور كتاب جماعي عن فلسفة وفكر محمد عابد الجابري

  • 5/3/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ضمن سلسلة إضاءات حول مشاريع فكرية مغربية، أصدر مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية، «مدى»، كتاب «محمد عابد الجابري: الفلسفة العربية في مرآة النقد» وهو كتاب قيم جمع مقالات مهمة لباحثين ومُهتمين بكتابات المُفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري. في ورقته الافتتاحية لهذا المصنف القيم؛ أكد الأستاذ زكرياء أكضيض، منسق مواد الكتاب، على حرص المشروع الفكري للجابري على الإجابة عن سؤال من نحن؟ معتبراً الجواب عن هذا السؤال كفيل بمعرفة الذات العربية، ورسم معالم المشروع النهضوي العربي. فالجواب عن سؤال الذات العربية قاده الباحث نحو تشخيص «الإكراهات» التي تواجه العقل العربي وفق رؤية شمولية تستحضر الماضي والحاضر والمستقبل، مضيفاً أن الجابري تمكن من الحفر الأركيولوجي في المكونات الثقافية التي تخترق العقل العربي، وتحول بينه وبين تحقيق مبتغى «النهضة العربية». ومما لا شك فيه أن «النزوع الوحدوي العربي» المتسلح بـ «العقلانية» و«التحضرية» كان خيارا استراتيجيا أسس عليه المثقف والأكاديمي محمد عابد الجابري رؤيته الشمولية للمشروع النهضوي العربي. إن سؤال الذات العربية تطلب من الراحل الجابري إعادة النظر في التراث العربي، وتجنب الاجترار المعرفي للآراء، محاولة منه للكشف عن الوظيفة الآيديولوجية التي تسري في كيان التراث العربي، وتتستر عن المناطق الفكرية المشرقة التي بصمت التاريخ العربي، وذلك عن طريق تقديم قراءة معاصرة تقحم مفاهيم تستمد دلالتها من الحقل العلمي، وتستدمج الحس الإبستمولوجي الذي مكَّن الجابري من تعْرية التناقضات، أوصلت لإيقاظ التساؤلات والكشف عن القطائع التي تكتنف الفكر العربي. لعل ما يجعل الانفتاح على المشروع الفكري للجابري ذا أهمية بالغة هو قدرة الباحث على رصد الشروط التاريخية والإبستيمية التي أسهمت في بروز فكر مغربي - أندلسي مختلف عن الفكر المشرقي، وتخليص «الفكر العربي» من وهم «التجانسية»، ما دفعه إلى التمييز بين نمطين من التفكير العربي، واحد عقلاني وآخر موجه بالحكمة المشرقية والثقافة الصوفية. لقد اعتبر الباحث الجابري الفكر المشرقي فكراً لاهوتياً لأنه ظل غارقاً في إشكالية التوفيق بين الدين والفلسفة. مستحضراً كلًا من الفارابي وابن سينا كرواد للمدرسة المشرقية، في حين أدرك الجابري تفرد الفكر المغربي - الأندلسي الذي تمسك بالروح الأرسطية وتداعياتها العلمية، متخلصاً من الأفلاطونية المحدثة والتأثيرات المشرقية، مستدعياً نماذج كل من ابن باجة وابن خلدون والوليد ابن رشد كرواد للمدرسة المغربية. وعن قراءة الجابري وتأثره بفلسفة ابن رشد، تقربنا الأستاذة مليكة غبار من مشروع الجابري في تناوله لأعمال ابن رشد، حيث يبين الجابري أن قراءته الجديدة لابن رشد التي يتوخى منها رسم معالم جديدة، أعمق وأشمل، للفكر النظري الإسلامي، في المشرق على عهد العباسيين وفي المغرب والأندلس على عهد الموحدين» هي تتميم لدراستين حول الفارابي وابن سينا، هذا العمل هو على أساس أن المنهج والرؤية اللذين قادا القراءة الجديدة لفلسفة ابن رشد عموماً، ونظريته في العلاقة بين الدين والفلسفة على الخصوص هما المنهج والرؤية أنفسهما اللذان قادا فلسفة الفارابي السياسية والدينية وكذلك فلسفة ابن سينا المشرقية. مع التأكيد على كون مدرسة الفلسفة الإسلامية المغربية مستقلة تماماً عن المدرسة المشرقية لأن لكل واحدة منهما منهجها ومفاهيمها الخاصة وإشكاليتها الخاصة كذلك، لقد كانت المدرسة الفلسفية في المشرق، مدرسة الفارابي وابن سينا بكيفية أخص، تستوحي آراء الفلسفة الدينية التي سادت في بعض المدارس السريانية القديمة، خاصة مدرسة حران، والمتأثرة إلى حد بعيد بالأفلاطونية المحدثة، أما المدرسة الفلسفية في المغرب، مدرسة ابن رشد خاصة، فقد كانت متأثرة إلى حد كبير بالحركة الإصلاحية، بل بالثورة الثقافية، التي قادها ابن تومرت، مؤسس دولة الموحدين، التي اتخذت شعاراً لها: «ترك التقليد والعودة إلى الأصول». ومن هنا انصرفت المدرسة الفلسفية في المغرب إلى البحث عن الأصالة من خلال قراءة جديدة للأصول... ولفلسفة أرسطو بالذات. إن الاتصال الظاهري بين المدرستين بوصفهما ينتميان إلى ما اصطلح على تسميته بالفلسفة الإسلامية لا ينبغي أن يخفي عنا انفصالًا أعمق بينهما، لقد عالج فلاسفة الإسلام الموضوعات نفسها وتناولوا المشاكل نفسها ولكن ما يميز مدرسة عن أخرى هو الروح التي يصدر عنها كل نظام فكري من النظامين الذي ينتمي إليه كل من المدرستين المغربية والمشرقية مما يجعل الجابري يرفع هذا التمايز، بل الانفصال بين الروحين إلى درجة القطعية الإبستيمولوجية» بينهما سواء على مستوى المنهج أو المفاهيم أو الإشكالية. علماً أن توظيف هذا المصطلح وسيلة تمكن من فهم أعمق وفهم أشمل لدينامية الفكر الفلسفي الإسلامي، يظهر لنا حرص الجابري على إنجاز قراءة معاصرة للتراث بمفاهيم معاصرة تستمد دلالتها من الحقل العلمي وبالأساس مجال إبستومولوجيا العلوم فمفهوم القطعية الإبستمولوجية لا يمكن فهم دلالته العميقة دون وضعه في سياقه داخل تصور فلسفة غاستون باشلار لتاريخ العلم، فكما عارض باشلار التصور الذي يعتبر أن تاريخ العلم متصل ولا انقطاع فيه وبين أن تاريخ العلم هو تاريخ انقطاع وانفصال تؤكده الأنساق العلمية الجديدة كل واحدة حسب مجالها (الفيزياء، الرياضيات..) فإن الجابري يطبق مفهوم القطعية الإبستمولوجية في قراءته للتراث لكي يفصل بين نمطين مختلفين في التفكير: الفكر المشرقي والفكر المغربي.

مشاركة :