د. ناجى صادق شراب تضع كل دولة رؤيتها وخططها المستقبلية للتعامل مع ما يحمله المستقبل من تطورات وأحداث غير متوقعة. والهدف هنا واضح، وهو التكيف والاستجابة لهذه التطورات والتوقعات حتى لا تحدث فجوة يمكن أن تؤدي لانهيار الدولة، والنظام القائم. وعادة تضع الدول خططاً مستقبلية تكتيكية لمدة خمس سنوات، أو خططاً استراتيجية تزيد على العشر سنوات بقليل، لكن أن تضع الدولة رؤية تزيد على الخمسين عاماً، هنا الطموح في الرؤية، وليس الطموح فقط، بل الرؤية الشمولية التي تحكمها الحسابات العلمية الدقيقة، والمشاركة من مراكز التفكر والبحث. فالرؤية هنا في أنموذج دولة الإمارات ليست عاطفية، أو شعاراتية، ولكنها تستند إلى مقومات وحسابات تتعلق بما تريد الدولة، وما هي أهدافها، وكم سيكون عدد سكانها، وطبيعة الاحتياجات والمطالب المستقبلية. وهنا الحاجات والمطالب مسألة تتعلق بماهية الثورة الصناعية الرابعة، وهل يمكن أن تتحول لثورة خامسة، وإذا كان الأمر كذلك ما هي صورتها وطبيعتها، وما تداعياتها على الدولة وشعبها؟ والأهم في هذه الرؤية رؤية القيادة، وما هو الدور الذي تسعى إليه دولة الإمارات، وهذا يتوقف على رؤيتها لما يمكن أن يكون عليه النظام الإقليمي والدولي، وحسابات الدور. وهنا صلب الرؤية السديدة أنها رؤية لما يمكن أن تكون عليه الدول الأخرى. فالمسألة هنا حسابات معقدة. وتتوقف هذه الرؤية أيضا على شكل القوة في المستقبل، وما هي القوة التي ستحدد مكانة الدولة بين الدول الأخرى، وموقعها على سلم القوة الإقليم والعالمي، وهذا لن يتم من دون معرفة لماهية القوة في المستقبل. اليوم، نتكلم عن القوة الناعمة والقوة الذكية، والقوة الرقمية والذكاء الاصطناعي، من عملة افتراضية، إلى طائرات من دون طيار، إلى عالم الروبوتات. وهذه الرؤية كي تنجح تسبقها رؤى لكل مرحلة زمنية، بمعنى أن يتم تقسيمها لمراحل زمنية تراكمية، وكل مرحلة مستقبلية تتم بناء على إنجاز المرحلة التي تليها، وهذا يزيد من عبء المسؤوليات.ولكي تنجح رؤية 2071 تحتاج إلى خطط استراتيجية متجددة لكل خمس، أو عشر سنوات، وبناء على هذه الخطط تتم رؤية 2071. وترتكز هذه الرؤية الاستراتيجية على مقومات: أهداف واضحة لكل مرحلة، وهنا أهمية تقسيم الأهداف، من أهداف واقعية، وأهداف تكتيكية، وأهداف استراتيجية، وأهداف طموحة. كما أن الأهداف تحتاج لآليات وإمكانات وموارد، والإمكانات والموارد في حاجة لتنمية مستدامة، وتطوير، وتنويع للدخل، والخروج من الدولة الريعية إلى دولة الذكاء الاصطناعي القادرة على مواكبة الثورة الصناعية الرابعة، وكل مستجداتها. وأيضاً وجود بيئة محفزة وحاضنة للإبداع، وهنا دور القيم، من تسامح، ونبذ للتعصب الفكري، وللحوار، والانفتاح على الثقافات وتجارب الشعوب الأخرى، فرؤية 2071 هي حصيلة تفاعلات مع رؤى أخرى، وهنا أهمية تبنّي الدولة لمنظومة من قيم التسامح، والحوار، والانفتاح والوسطية. كذلك لا بد من مفتاح لرؤية التعليم، والحاجة لمناهج تعليمية رقمية تعزز القدرات العقلية والفكرية والنقدية، فالتعليم لم يعد كتاباً، ومعلومة تُلقن، بقدر ما هو تنمية إبداع، أو فكر معين قادر على التعامل والتكيف مع مستجدات وتطورات المستقبل، والعلاقة واضحة، فالعقل هو من يصنع الأحداث، والتطورات والاختراعات، وهذا العقل إذا لم يكن مهيأ لاستقبال هذا التطور تحدث الفجوة، وهذا يفسر لنا سباق الإمارات ودخولها عالم الفضاء بكل أسراره، وقد يكون احد مجالات التنافس بين الدول في المستقبل. ثم، لا بد من قيادة طموحة تؤمن بقدرات العقل، وتؤمن بقدرات المواطن، قيادة لا تخشى، ولا تخاف من الانفتاح العقلي، توفر كل ألإمكانات وتسخّرها لثورة العقل والفكر والتعليم، قيادة لا تؤمن بالمستحيل، لأن مفهوم المستحيل يعنى الاستسلام للعجز والقدرية، ولهذا تم إنشاء وزارة اللامستحيل. وأخيراً تحتاج إلى قاعدة بشرية أساسها المواطن القادر على التعامل مع المستقبل. ولا تكتفى الرؤية بهذه المقومات، فالمواطن في حاجة لبيئة تعليمية متطورة، وبيئة صحية عالية الكفاءة، وبنية تحتية من طر ق ومطارات وموانئ ومصادر للطاقة البديلة، وهذه كلها تخضع لحسابات وخطط استراتيجية. ويبقى أن هذه الرؤية لا تتعامل مع البيئة المادية فقط، بل هناك الجانب المتعلق ببنية القيم والسياسة الخارجية، وقد تصدّر جواز سفر الدولة المرتبة الأولى في إطار هذه الرؤية. ولكي تنجح هذه الرؤية تحتاج إلى رؤية من القيم الإنسانية أساسها التسامح والحرية الفكرية والممارسة الدينية، والدور السياسي الذي يمنح الدولة مكانة دولة المستقبل التي يثق بها الجميع. لكل هذه الأسباب والمعطيات تسير رؤية 2071 في طريق النجاح والإنجاز بتكامل مثلث القيادة، والمواطن، والبيئة. drnagishurrab@gmail.com
مشاركة :