الشارقة: عثمان حسن هي ألمانيا، كما تجمع الكثير من الدراسات النقدية، وفترة الحرب العالمية الأولى؛ حيث نشأت أولى بوادر الحركة التعبيرية، التي ضمت في صفوفها مجموعة من الشعراء والأدباء والفنانين والمفكرين، الذين ثاروا على الزيف وانزلاق المضامين، وما يشبه اندحار القيم، وتشوه الفرد. كانت هذه الحركة تسعى إلى إبراز تناقضات الواقع؛ وذلك التعارض الفج بين ما هو موجود وما يعتمل في فكر الفنان، وما يؤمن به ويأمل في تحقيقه. والتعبيرية كمذهب يرفض المحاكاة الأرسطية، ويحل محلها مبدأ التعبير عن مشاعر الفنان في تناقضاتها وصراعاتها، ويتخذ من هذه الرؤى الذاتية والحالات النفسية موضوعاً مشروعاً للإبداع الفني. اختلف مؤرخو الأدب حول نشأة مصطلح «التعبيرية» بينهم من يرى أنه مصطلح نشأ في ألمانيا نحو 1939، وبينهم من يرجعه إلى عام 1911، كما أن الأصول الحقيقية للتعبيرية، نشأت من تلك النظرة الجديدة للعالم، والفن، والإنسان التي أتت بها الحركة «الرومانسية» في أوروبا حوالي منتصف القرن التاسع عشر، وساهم في بلورتها «جان جاك روسو» و«وليام جودوين» و«وردزوورث» و«كولريدج» وغيرهم، وهي الحركة التي مجدت الفرد، وآمنت بقوة الروح على حساب المادة. التعبيرية بحسب ما تصفها الناقدة المسرحية نهاد صليحة هي من أكثر المذاهب الفنية الحديثة تأثيراً، في بلورة المسرح الغربي المعاصر في أشكاله وأساليبه التجريبية المعروفة. ورغم أن التعبيرية ازدهرت في ألمانيا، بين 1910 - 1925 إلا أن المبادئ والأساليب الفنية التي نادى بها «التعبيريون» قد استمرت سنين طويلة، وامتد تأثيرها خارج ألمانيا. ففي روسيا على سبيل المثال، نجد نماذج للحركة التعبيرية في ما صنعه المسرحي «يفجين فاختانجوف» 1883 - 1922، الذي كان ينزع دائماً إلى الصدق العميق في التمثيل، وهو صاحب النظرية المعروفة باسم «الواقع الخيالي» تلك المدرسة التي تتقاطع مع التعبيرية وترى أن هدف الفن هو التعبير عن مشاعر الفنان بدلاً من محاكاة الواقع أو الطبيعة. جروتوفسكي، المنظر والمسرحي البولوني الشهير، وأول من نسب إليه مصطلح «المسرح الفقير» هو من المخرجين البارزين، الذين استخدموا الأساليب التعبيرية الفنية في بلورة مدرسته الشهيرة في الإخراج المسرحي، تلك المدرسة التي أثارت ضجة كبيرة عند عرض مسرحيته «أكروبوليس» وعرضت في مهرجان أدنبرة في عام 1968. احتفلت هذه المسرحية بالإنجازات الإنسانية؛ من خلال شخصيات تعاني أزمات نفسية حادة في معسر اعتقال. في إنجلترا، نموذج آخر للمسرح التعبيري عند «بيتر بروك» خاصة في مسرحيته «الماراساد» التي قدمها في ستينات القرن الفائت، ونلاحظ الكثير من العناصر المشتركة بين من قاربوا المسرح التعبيري في تركيزهم على «الممثل» بيتر بروك على سبيل المثال، ينظر إلى الممثل نظرة إيجابية إنسانية من خلال تصور ديمقراطي، فهو يعد نفسه خادماً لفرقته المسرحية، مهمته التنسيق بين أفرادها؛ حيث يقتصر دوره على التوجيه والإرشاد وإبداء الملاحظات والإشراف على العمل أوتقويم الممثل أو تشجيعه. في الولايات المتحدة الأمريكي نشأت التعبيرية في المسرح على يدي كثير من الرموز من بينهم: «بول جرين» و«كورت ويل» و«جوني جونسون» وهو الذي يؤكد حداثة المدرسة التعبيرية في الدراما؛ بوصفها إحدى القفزات المهمة في العقود الأولى من القرن العشرين وتشكل جزءاً من الحركة الأوسع للتعبيرية في الفنون. تتقاطع «التعبيرية» مع «الرمزية» فيما يمكن تسميته «الاتجاه اللاعقلاني»، فالتعبيرية هي الابن الشرعي للمذهب السريالي، الذي يعد ثورة على منطق الحياة وعلى العقل؛ حيث الحياة في جوهرها، وفي حقيقتها التجريدية شيء لا معقول أي غير مفهوم وغير قابل للفهم أو للتفسير، فهي بالتالي حركة ذات نزعة فنية وأدبية، ترمي إلى تمثيل الأشياء، كما تصورها انفعالات الفنان أو الأديب، لا كما في الحقيقة، وتعد من أهم الحركات الثورية في المسرح، خاصة وأنها تتجه نحو الأعماق الداخلية للإنسان.
مشاركة :