صدر عن مركز دراسات الخطوط بقطاع البحث الأكاديمي بمكتبة الاسكندرية كتاب جديد بعنوان "خطابات إلى الموتى في مصر القديمة"، وهو من تأليف الدكتور هشام الليثي؛ رئيس الإدارة المركزية للآثار المصرية بالقاهرة والجيزة، ورئيس الإدارة المركزية لمركز تسجيل الآثار المصرية. يأتي الكتاب ضمن سلسلة إصدارات مركز دراسات الخطوط التي تتناول دراسة النقوش والكتابات عبر العصور وربط الماضي بالحاضر، حيث تأتي دراسة الظواهر الدينية من خلال النصوص والنقوش القديمة على رأس أوليات المركز.ويسلط الكتاب الضوء على ظاهرة مخاطبة الموتى،وهي من الظواهر المنتشرة في المجتمع المصري منذ زمن بعيد. ويستعرض المؤلف بالدراسة والتحليل الخطابات التي أرسلت في مصر القديمة، ويقارنها بما تم إرساله على سبيل المثال إلى الإمام الشافعي في العصر الحديث؛ وما تحمله في طياتها من مضْمُون ومعنى مقارب لمضمون الخطابات القديمة. ويمكن للقاري تتبع نشأة هذه الظاهرة الاجتماعية وما لها من أبعاد دينية مختلفة عبر العصور وأسباب ظهورها، منذ عصر الدولة القديمة وعصر الانتقال الأول وعصر الدولة الوسطى والعصر المتأخر ثم امتدادها في العصر القبطي وصولًا إلى العصر الإسلامي. وتبين هذه الدراسة كيفية إرسال الخطابات، والعلاقة بين المرسل والمرسل إليه، والموضوع، وأخيرًا تأريخ الخطابات إلى الموتى، فتوضح في بادئ الأمر امتداد جذور تلك العادة لعهد مصر القديمة، فهي مثل عادات الاحتفال بموالد المشايخ والقديسين وحرق البخور. وعلى الرغم من ظهور الديانات السماوية فإن تلك الظاهرة استمرت حتى بعد دخول المسيحية مصر على يد القديس مرقس الرسول، فتم استبدال الآلهة الوثنية المحلية بالشهداء والقديسين، وبالمثل بعد دخول الإسلام مصر على يد عمرو بن العاص عام 641 م، حيث استمر المصريون في إرسال الخطابات لطلب العون والمدد من الأولياء الصالحين الأموات. وهكذا فإن كل مرحلة تسلم للمرحلة التي تليها وهكذا تكون استمرارية ووحدة الموروث الشعبي. وتؤكد الدراسة أن تلك الرسائل ليست مجرد وسيلة للبقاء على اتصال مع الموتى، بل هي أعمق من ذلك؛ فهي تعبِّر عن دوافع ملحَّة وعاجلة، وطلب المساعدة لمشكلات غير قابلة للحل من المعيشة، الأمر الذي ينطوي ضمنيًّا على بُعدٍ سياسيٍّ واجتماعي.
مشاركة :