شهر رمضان ارتقاء للنفس

  • 5/7/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في مساحة شهر رمضان المبارك يستطيع الإنسان أن يذلل الصعاب على نفسه فيبذل القليل ويحصل فيها على الكثير، ففي شهر الله تغلق أبواب جهنم وتغل أيادي الشيطان وتنزل بركات الرحمن فتُصنع المعجزات لهذا المخلوق الضعيف الكائن البسيط ذلك الإنسان، وفيها أي تلك المساحة ساحة السعة والرحابة والتقبل والطاعة. تتطوع النفس وتقبل على خالقها بصورة استثنائية مرة واحدة في كل عام لشهر كامل لتمضي بانشراح نحو الصيام عن كل شبهة ومحرم وتسير للطاعة مقبلة مقبولة عند الله، ولذلك في شهر الله المبارك يحصد الإنسان تلك الجوائز الكبرى بطاعته حتى يصل للعتق من جهنم والنيران. ليس علينا فقط أن نطيع الله في هذا الشهر لتعود بعده أيامنا معصيات ولارتكاب الإثم والموبقات دون رادع، إنه شهر كريم يعلمنا كيف نتجنب طوال عمرنا، وكيف ترتقي النفس وتصون هويتها من الآثام، بعدة وسائل منها الصوم والصلاة والطاعة وترك اللغو من الكلام، السكون والتوبة والأوبة والتهجد والاستغفار، ومنها خلق حالة الوعي الذي يحيط بالنفس لتركن إلى معرفة الله والخشية منه لتعيد الحسابات تلو الحسابات لتكون بعد جهلها مطلعة. كل مشكلاتنا في الحياة وما نواجهه سواء تلك المشكلات النفسية أو الأخلاقية أو الاجتماعية أو الأسرية أو الزوجية ليست إلا عوارض لسببين لا ثالث لهما، وهي علة رجوع الإنسان والعودة مرة أخرى لارتكاب ما تاب عنه، هي نفس العلة في كل مشكلة، وما ذلك السببان إلا الجهل والافتقار للعلم الصحيح، فلترجع إلى كل ما تواجهه لن تجد سبباً آخر، فالجهل مفهوم يقع مصداقه على أغلب الأسباب في الدنيا لكل المشكلات ومنها عدم التوبة أو عدم القدرة على التوبة وترك المعاصي، فالجهل يولّد شتى المفاهيم للمشكلة التي يواجهها الفرد وتصورها وتصور حلها، والافتقار للعلم الصحيح (المعلومات الخاطئة)، وهو مفهوم آخر له عدة مصاديق منها العناد أو نقص الوعي والمعرفة، ومنها الاستبداد بالرأي وقس على ذلك. الموانع الوقتية لارتكاب المعصية كشهر رمضان المبارك توفر العلم بنحو ما، كما توفر المانعية الوقتية لصدور المعصية، نسبة الوعي التي يحملها الفرد وقدرته على استيعاب ذلك الوعي بنسبة أيضاً، تجعل من الفرد يتحرك نحو الطاعة للمانعية الذاتية الوقتية، فيترك المعاصي شهراً ليعود لها مباشرة في يوم العيد دون أن تكون هنالك لديه موانع أو تأنيب ضمير.  العلم المحدود والتصور المفرد منذ ذلك العلم يخلق للفرد منّا كيفية التعامل مع الأشياء والظروف والموانع بحرفية، فمن يصلي يترك المعصية وقت الصلاة لأن الصلاة مانع وقتي، يخرج من المسجد ليمارس حياته الطبيعية (يغتاب، يسرق، يغش، يرتشي، يسب)، فالموانع وقتية والعلم محدود أو أن الجهل غالب، نسبة الوعي والإدراك محور كل تصور فعل، لذلك نحن في شهر رمضان نتعلم كيف ترتقي النفس لتصل لإدراك أكبر من الإدراك في الأيام العادية، فشهر الله تعالى مرة واحدة في السنة لكنه يعيد صياغة الذات لدى الإنسان ليجد نفسه تلقائياً محلقاً في أجواء العطاء والكرم والمحبة والتسامح والرضا وقبول الآخر والطاعة والصلاة والتسبيح وابتغاء الأجر، تلك المفاهيم تعطي النفس القوة والقدرة على الفهم الصحيح وتعديل المعلومات المغلوطة، ولكن مع ذلك كل فرد بحاجة إلى تثبيت المعلومات وإعادة جدولة صياغة الذات لبناء نفس راقية. لا تكون النفس بهذا المستوى إلا بالتعلم والتمرن وبالخصوص في شهر رمضان المبارك الذي يتيح للفرد التأقلم مع أصعب الظروف وأقساها في جو مليء بالروحانية.

مشاركة :