استضافت قناة الجزيرة (القطرية) وزير خارجية إيران جواد ظريف في لقاء متلفز كان أقرب لـ «الظرافة» من المنطق السياسي! لم يكن ينقص مشاهدي ذلك اللقاء إلا الذرة المحمصة – الفشار (POP-CORN)! إذْ كان بكل تفاصيلهِ أشبه بفيلمٍ سينمائي كوميدي! دعونا نتناول شيئاً مما رسخ في الذهن من ذلك الحوار المتلفز. يقول ظريف، ان إيران قامت بإعداد مشروع قانون يصنّف القوات الأميركية الموجودة في الشرق الأوسط منظمةً إرهابيةً! رداً على تصنيف الولايات المتحدة للحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية.. أليس هذا ظريفاً؟! أكثر من ذلك، فإن هذا المسلك يوضح بجلاء قصوراً في إدارة إيران للمسائل السياسية وشؤون العلاقات الدولية بخلاف ما يروجه البعض، إذ إن مثل هذه الأساليب الثورية قد أكل عليها الدهر وشرب، وتعد من قبيل خداع النفس، لأنها باختصار لا تنطلق من تحليلات وتقييمات واقعية للوضع الراهن، فضلاً عن أن ذلك لا يدخل ضمن مفهوم «المعاملة بالمثل» الذي ينبغي أن يستند على مبدأ الشرعية، فإيران تحتج بعدم شرعية المسلك الأميركي المتمثل في تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية، فكيف تقدم على اتخاذ المسلك ذاته؟! الغريب أن ظريف يردد: «إيران لا تسعى للتصعيد»! ثم إن من يتخذ هذا الأسلوب التصعيدي، ينبغي ألا يستجدي الولايات المتحدة (الخصم المباشر) وغيرها من الدول في سياقاتٍ أخرى، وقد بدا الاستجداء واضحاً في إجابات ظريف على المذيع (المُعلّب)، إذ قال نصاً: «لن ننسى كل من عملوا معنا في الأوقات العصيبة»! وفيما يتعلق بأثر العقوبات الأمريكية على إيران، كان ظريف في منتهى الظرافة وهو يحاول أن يفرق بين عبارتي الأثر القانوني والأثر الاقتصادي! إذ نفى بداية الأمر وجود أي أثر للعقوبات الأميركية، وعندما تطرق الحوار للنفط الإيراني الذي تراجع انتاجه من 2.5 مليون برميل عام 2017 إلى 1.9 برميل، أقرّ ظريف على مضض بأن العقوبات أثرت على الاقتصاد الإيراني، ولكن لم يكن لها تأثير قانوني، ولم يستطع تحرير الفرق بين الأثرين خلال الحوار! وعندما سُئل عن الدول التي تشتري النفط من إيران مثل الصين، والهند، وتركيا، وما إذا كانت ستستمر في ذلك، ذكر أن هذه الدول أعلنت عدم اعترافها بقانونية العقوبات على إيران، ولكن الشركات التابعة لها قد تستجيب! ثم خرج مسرعاً من هذه النقطة التي لو اصطادها مذيع موضوعي وليس موظفاً في قناة أشبه ما تكون بدائرة حكومية قطرية، لجعله يحير ولا يجد جواباً، إذ إن معنى كلامه بكل بساطة أن تلك الدول لن تستمر في الشراء، طالما أن شركاتها ستمتثل لمقتضيات العقوبات الأميركية. أهناك ظرافة أكثر من ذلك؟! وقال أيضاً، إن اعتماد إيران على النفط من بين الدول المنتجة له هو الأقل، إذْ يشكل 30 في المئة من ميزانيتها، و50 في المئة من صادراتها، وبالتالي فإن الصادرات النفطية مساوية للصادرات غير النفطية التي تشمل المواد البتروكيميائية! واستدرك قائلاً: صحيح أن المواد البتروكيمياوية تعتمد على النفط ولكنها ليست نفطاً خاماً! ومما يثبت أن إيران ليست في أحسن أحوالها، ما ذكره ظريف من أن الاستقرار أمر حيوي بالنسبة لإيران، وأنها تريد علاقات طيبة مع كل جيرانها، ومع مجلس التعاون، ودلل على ذلك، بدعم إيران لقطر في أزمتها واصفاً ما تعرضت له بمحاولة الخنق! وكذلك دعم إيران لتركيا إبان محاولة الانقلاب، وأن إيران لا تتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وهذا أمرٌ ينافي واقع إيران، ويستطيع أي شخص مهما كان موغلاً في البساطة أن يرد على ظريف ادعائه، بالحقائق والأرقام! كما ذكر ظريف أن إيران مستعدة لتوقيع معاهدة عدم اعتداء مع كل دولة في الخليج، إلا أن هذا القول لم يعجب مذيع الجزيرة الذي قاطعه قائلاً: لنتحدث عن إنجازات القوات المسلحة الإيرانية، ففي الإدارة الإيرانية الحالية تستطيع أن تأخذ سيارة من طهران وتعبر بها إلى الحدود فتجد نفسك محاطاً بقوات إيرانية تحميك، ثم تعبر بها الحدود إلى العراق فتجد قوات الحشد الشعبي توفر لك الحماية، فإذا عبرت الحدود السورية ستجد قوى تحميك، وعندما تتجه شمالاً حتى تصل لبنان ستجد حزب الله يحميك، إلا ظريف استدرك خطورة هذا الكلام، وقاطعه قائلاً: هذا تعاون مع الحكومات وبناءً على طلبها! فالمذيع بهذا القول – وهو لا يعلم – نسف حجج ظريف التي ما فتئ يرددها في ذلك الحوار بأن إيران لا تتدخل في شؤون الدول الداخلية، ولا حظوا أن المذيع الظريف وصف هذا بالإنجاز! وقد سعى ظريف أن ينال طيلة الحوار من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ولكن الإشكال الذي واجهه هو أنه لم يأتِ بشيء يحاول أن يصمهما به، إلا وكان الواقع المعاش له بالمرصاد، فتلميحه الى أن السعودية لا تعرف معنى كلمة (اقتراع)، ينطبق حرفياً على إيران، إذ لا يخفى على أحد أن ديمقراطية إيران شكلية بل ومثيرة للسخرية، وأن دستورها وقوانينها المنبثقة منه تتنافى وأبسط قيم الديموقراطية، ومثل ذلك ما ادعاه بشأن قطع الرؤوس والصلب على قارعة الطريق، إذ إنه كما يبدو يتحدث بالمنطق الذي يستهوي الغرب، محاولاً التودد لهم، ولكنه نسي أو تناسى أن إيران من أكثر دول العالم تلقياً للانتقادات والملاحظات المتعلقة بتطبيق عقوبة الإعدام، فهي تعدم خارج نطاق القضاء، وبإجراءات موجزة وتعسفية، ولا تلتزم بأدنى معايير تطبيق عقوبة الإعدام. * مختص في القانون وحقوق الإنسان.
مشاركة :