دياسبورا عربية غائبة | واسيني الأعرج

  • 3/19/2015
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

إن موضوع دياسبورا العربية يستحق الاهتمام والتأمل لما تحمله هذه الفئة من ثقافة وروابط بين بلدان المنشأ والاستقبال. يرحل العرب خارج بلدانهم لثلاثة أسباب أساسية. إما اجتماعية قاسية لأن الحاجة في النهاية هي الفعل الحاسم، وهي ما اضطرهم لمغادرة بلدانهم. وإما لأسباب سياسية، أي أن يكون الإنسان معارضًا مثلاً، منظمًا في حركات نضالية محبة لوطنها ورافضة في الوقت نفسه للدكتاتوريات، ونظرًا للمطاردات والاضطهاد، يضطر للخروج من أرضه بحثًا عن مساحات أكثر حرية. وهناك خيار ثالث، أو ما يسمى بالمنفى الاختياري. عندما ينغلق الإطار الديمقراطي على الإنسان، يضطر الكاتب أو المفكر أو الفنان، إلى مغادرة وطنه لكي لا يختنق، من دون أن يكون مهددًا بشكل مباشر. المشكل لا يكمن في الخيارات، فالهشاشات البشرية معروفة وكثيرة، ومدركة ومفهومة في الحالات الثلاث. الإشكال الكبير هو كيف يتحرك هؤلاء المغتربون العرب في الغرب وما مساحاتهم الثقافية وإسهاماتهم وعلاقاتهم بالوطن الأم؟ هل يمكنهم أن يجدوا مجالاتهم الإنسانية عبر القنوات التي يعبرون من خلالها في بلدان الاستقبال التي تصبح بعد مدة معينة، بلدان أبنائهم الأولى. فقد تكونت من خلال سنوات الغربة المتتالية دياسبورا كبيرة. والقصد بالدياسبورا هي المجموعات المهاجرة في ظروف محددة، باتجاه مختلف أصقاع العالم، جدا بالخصوص أوروبا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، وغيرها، بحيث شكلت مساحة حية وحيوية من الفعل الثقافي، وأصبحت فاعلة في المجتمع إذ تستطيع أن تغير مسار الكثير من الأحداث في بلدان الهجرة التي أصبحت جزءًا من نسيجها الحي. لنا نماذج تاريخية وإنسانية في أمريكا اللاتينية، في أمريكا الشمالية، في أوروبا وإفريقيا التي منحت هذه البلدان فرصة الاستفادة من طاقة حية. شكلوا قوة تستطيع أن تكون فاعلة ومؤثرة. الدياسبورا اليهودية مثلا الآيباك AIPAC يحسب حسابها بقوة في الانتخابات الأمريكية، فهي بالغة التأثير في الكونغرس على وجه الخصوص. فما الذي يمنع العرب من تكوين دياسبورا لتستطيع تغيير الوضع السيئ الذي تعيشه؟ قد لا نحلم بذلك في الأفق المرئي لأن المسألة التاريخية والدينية والقومية أكثر تعقيدًا. والاختلافات العربية كبيرة وواسعة لكن الأمر ليس مستحيلاً إذ يمكن التفكير في ثلاث قوى يمكنها أن تتواصل وتكون نواة، على الأقل، لهذا اللوبي العربي الافتراضي: الدياسبورا المغاربية التي وطئت الأرض الفرنسية منذ القرن التاسع عشر. الدياسبورا الشامية التي تضم اللبنانيين والسوريين. الدياسبورا الإفريقية التي تشكل فيها إفريقيا الساحل، النسبة الأكبر. ويمكن لهذه الدياسبورا أن تتوحد وتصبح قوة حقيقية. الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة كانت نموذجًا رائعًا. مع امتداد العنصرية، تشكلت هذه دياسبورا عفويا وحققت نتائج مهمة، إذ كانت وراء إسقاط ساركوزي لأن فارق الأصوات لم يكن كبيرًا، وكان هو الحاسم في النهاية. لهذا يمكن للمتأمل أن يسأل: ما نفع الهجرة، مهما كانت قسوتها التاريخية، إذا لم تشكل عنصرًا فعالاً في أرض الغربة وتربط جسرًا كبيرًا مع أرضها الأصلية، وأرض أجدادها. قد يكون التاريخ صعبًا، ولكن الأكثر قسوة هو الإهمال الكلي لهذه العلاقات وهذه الظواهر.

مشاركة :