لطالما فكّرت، إلى أي مدى سيغيّر الابتعاث الشخص عندما يعيش التجربة -كما هي- بكامل تفاصيلها ومراحلها؟ عندما يعيش الواحد منا تجربة الابتعاث غالبا سيمرّ على زملاء وزميلات من كافة دول العالم، سيتعلم لهجاتهم، ويفهم تلميحاتهم، ويعرف مدنهم، ويتعلم وصفاتهم في الطبخ، وسيعرف شيئا عن تاريخ وجغرافيا الأمم، كل ذلك أثناء خروجه للتنزه مع زملاء الدراسة أو لتناول العشاء في مطعم. وهم أيضا سيعرفون عنا الكثير، بمجرد قضائنا بعض الوقت معهم. لذلك عندما تبتعث، أول ما ستتعلّمه هو مهارة لم يكن يخطر على بالك أنك تحتاج لتعلمها أساسا، وهي مهارة التواصل مع الآخرين بغض النظر عن مستوى اختلافهم الجندري، والثقافي، والديني، والفكري عنك. وهذه المهارة بقدر استخفاف البعض بها فهي من المقومات الأساسية لصناعة شخص ناجح ومؤثر على الصعيدين المحلي والعالمي. بشكل عام، ستصنع منك تجربة الابتعاث شخصا جديدا، أو بالأحرى ستصبح نسخة منّقحة من ذاتك. ستتغيّر نظرتك للأمور، سوف تصبح أكثر حسا بالمسؤولية، أكثر مرونة، أكثر تقبلا للآخرين مهما كانوا أقل أو أكبر منك، ستزيدك هذه التجربة تواضعا، وسوف تجعلك هذه التجربة شخصا من الصعب جدا أن تستفزه الأمور التي تستفز ضيقيّ الأفق، ستؤمن بالتنوع في المبدأ وفي الفكر بكل ما في التنوع من معنى وبُعد إنساني عظيم. هذا التطور الكبير عليك كفرد محّلي مردوده النافع سيعود أيضا لمن حولك من أشخاص، ولكل الأفراد الذين تمر عليهم بابتسامة مختلفة تاركا وراءك طابعك الخاص بك، والذي كان للدراسة في الخارج دور في تشكيله. سيكفي مرورك ووجودك للتأثير بشكل إيجابي على مجتمعك وستثبت نفسك كنسخة عصرية تمثّل جيلا ورؤية رائدة. محليا، هذا الأمر يعد نوعا من القوة الناعمة العظيمة، التي من شأنها تحقيق أهداف التنمية الوطنية والاجتماعية على أكمل وجه. عالميا، عندما أحضر لقاء أو مؤتمراً مرتبطاً بمجالي العلمي، وأكون المرأة الوحيدة فيه، أو ضمن قليل من النساء، أشعر حينها بالفخر لأني سعودية، وجودي مثل عشرات الآلاف من المبتعثين والمبتعثات السعوديين، كلٌ في مجال دراسته ودولته في مؤتمرات تخصصية، مجرّد هذا التواجد، هو نوع من القوة الناعمة، ونوع من تمثيلنا العادل لأنفسنا، التمثيل الذي يليق بنا. لطالما يمر علينا كمبتعثين ومبتعثات هذه الجملة «أنت أول شخص من السعودية ألتقي به» وهذا يؤكد دور المبتعثين في التسويق للمملكة ورؤيتها خارجيا، كنوع من القوة الناعمة. أؤمن بأن للابتعاث دورا مهما في ضخ فكر تنموي متقدم بين أفراد المجتمع المحلي، وفي نفس الوقت تمثيلنا عالميا بالشكل الصادق واللائق. فخورة جدا أنا كمبتعثة سعودية، ومهنية في مقتبل عمرها، بهذا المشروع التنموي المميز، الذي غيّر وسيغير كثيرا من الحيوات.
مشاركة :