ما زالت الأزمة في السودان تراوح مكانها، خاصة مع عدم التوصل لصيغة مرضية لجميع الأطراف، يتم من خلالها نقل السلطة من المجلس العسكري الانتقالي، الحاكم في البلاد، إلى المدنيين. ومجددا اتهمت قوى المعارضة، الثلاثاء، المجلس العسكري بتعطيل نقل السلطة، مؤكدين استمرارهم في الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش، ومهددين في الوقت ذاته بعصيان مدني. ويعتصم آلاف السودانيين على مدار الساعة أمام مقر قيادة الجيش، مطالبين المجلس العسكري، الذي تولى الحكم بعد الإطاحة بعمر البشير في 11 أبريل/ نيسان، بتسليم السلطة للمدنيين. وكان المجلس العسكري قد رفض، الإثنين، مقترح الوساطة بخصوص مجلس أمن ودفاع برئاسته، وأبدى العديد من الملاحظات على وثيقة قوى الحرية والتغيير لتشتعل الأزمة بينهما مجددا. وقوبلت ملاحظات المجلس العسكري على وثيقة قوى الحرية والتغيير بغضب شديد، وأكد أصحاب الوثيقة، أنها هي الحل بالنسبة لهم، مؤكدين مواصلة العمل على الأرض حتى تتحقق مطالب الجماهير. كما أثار المجلس العسكري غضب قوى الحرية والتغيير، بعد دعوة أحزاب أخرى إلى تكوين لجنة تمثلها للتحاور معها أيضا، وهو ما رفضته قوى الحرية والتغيير، واعتبرتها ردّة عن الاتفاق، الذي كان بينهم وبين المجلس العسكري. ويتمسك المجلس العسكري برأيه بأن يكون على مسافة واحدة بين كافة الأحزاب والقوى السياسية، سواء كانت داخل قوى الحرية والتغيير أو خارجها. وقال تحالف الحرية والتغيير، الذي يقود الاحتجاجات، إنّ “السمات العامة لرد المجلس العسكري على وثيقة قوى إعلان الحرية والتغيير تقودنا لاتجاه إطالة أمد التفاوض، لا السير في اتجاه الانتقال”، كما اتهم التحالف بعض القوى في المجلس بـ”اختطاف الثورة وتعطيلها”. كما لفتت قوى الحرية والتغيير إلى أنها ستواصل التفاوض، لكنها لا تريد أن تكون المفاوضات عبر المؤتمرات الصحفية، بل لا بد أن تكون مفاوضات مباشرة، وهي بذلك تفتح الطريق، لأن تكون هناك مفاوضات مع المجلس العسكري.مجلس وزراء مدني وأعلن المجلس العسكري السوداني، الأربعاء، أنه سيجلس مع قوى الحرية والتغيير مجددا لتبادل الرؤى، مشيرا إلى أنه يسعى لتكوين مجلس وزراء مدني من شخصيات مستقلة. وأكد المجلس، في مؤتمر صحفي الأربعاء، أن المجلس تسلم 177 رؤية مكتوبة بشأن المرحلة الانتقالية، كما أبدى ترحيبه بالشراكة الحقيقية لإتمام عملية الانتقال السياسي. العصيان المدني ودعا قادة المعارضة، الأربعاء، إلى العصيان المدني في أعقاب ما وصفه أحدهم بأنه رد “مخيب للآمال” من جانب المجلس العسكري على مقترحاتهم بشأن تشكيل حكومة مؤقتة. وقال مدني عباس مدني، القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير، في مؤتمر صحفي بالخرطوم، “الدعوة والتحضير للعصيان المدني تسير على قدم وساق”. كما قال خالد عمر يوسف، وهو قيادي آخر للمحتجين، إن الهدف ليس بدء مواجهة مع الجيش، ولكن الإسراع بالجهود لحل المأزق. وقالت قوى الحرية والتغيير، إن التفاوض مع المجلس العسكري يسير بـ”طريقة عبثية”، وأشارت إلى أن العصيان المدني قد يكون “الحل النهائي” إذا وصل الجميع إلى “طريق مسدود تماما”، وأنه “واحدة من كروت الضغط”. ويؤكد المجلس العسكري أنه يتفق مع غالبية المقترحات، التي قدمها قادة الاحتجاج، لكن لديه “تحفظات عديدة” عن مقترحات، منها أنّ الشريعة الإسلامية يجب أن تبقى مصدر التشريع، منتقدا الائتلاف لعدم إدراج ذلك في مقترحاته. فيما علقت قوى المعارضة بأن المجلس العسكري يثير “قضايا غير ذات صلة، مثل اللغة، ومصادر التشريع، في تكرار ممل لمزايدات النظام القديم”. وكان نظام الرئيس المخلوع عمر حسن البشير يطبق قراءة متشددة للشريعة الإسلامية، ما أدى بحسب حقوقيين، إلى انتهاك حقوق الإنسان واعتداء على الحريات على غرار جلد المرأة بداعي “سلوك غير لائق” أو للبس السروال. ودعت قوى الحرية والتغيير، في بيان الأربعاء، المجلس العسكري “للوصول لصيغة متفق عليها لنقل السلطة لقوى الثورة، وأن لا نضع بلادنا في مهب الريح عبر تأخير إنجاز مهام الثورة”. وعلاوة على الشريعة، يريد المجلس العسكري أن يكون قرار إعلان الطوارئ بأيدي “مجلس سيادي” وليس الحكومة، كما اقترح قادة الاحتجاج. ويختلف الجانبان حول تركيبة “المجلس السيادي”، حيث تشترط قوى الحرية والتغيير أن يكون بإدارة المدنيين، في حين يريد القادة العسكريون أن يبقى المجلس تحت قيادتهم. كما توجد نقطة خلاف أخرى، هي أن المدنيين يريدون مرحلة انتقالية من 4 سنوات، في حين يريد المجلس العسكري فترة انتقالية من سنتين. وكذلك يرفض قادة المعارضة فكرة طرحها المجلس العسكري بتنظيم انتخابات عامة في غضون 6 أشهر في حال فشل العملية الانتقالية. ويرى قادة المعارضة أن إجراء انتخابات من شأنه إضفاء شرعية على النظام السابق، الذي لا يزال يملك حضورا قويا في مفاصل الإدارة والدولة. ويرفض قادة المعارضة مشاركة رموز النظام المطاح به في إدارة المرحلة الانتقالية، ويرون أن”الحل ونجاح الثورة يكمن في نقل السلطة إلى سلطة مدنية كاملة”. ضغوط أمريكية من جانبها، ضغطت الولايات المتحدة على قائد المجلس العسكري السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، الأربعاء، للتوصل إلى اتفاق مع المحتجين. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن نائب وزير الخارجية، جون سوليفان، تحادث هاتفيا مع الفريق البرهان، وأعرب عن دعمه “تطلعات الشعب السوداني من أجل مستقبل حر وديمقراطي ومزدهر”. وشجع سوليفان البرهان على “التحرك بسرعة نحو تشكيل حكومة موقتة يقودها مدنيون” والتوصل إلى اتفاق مع ائتلاف الحرية والتغيير الذي يقود الاحتجاجات. ودعا سوليفان المجلس العسكري إلى “احترام حقوق الإنسان للجميع” و”السماح بالاحتجاج السلمي وحرية التعبير بما يتفق مع التزامات السودان في مجال حقوق الإنسان”.
مشاركة :