الحراك الأممي بشأن اليمن يواصل الدوران في حلقة مفرغة

  • 5/9/2019
  • 00:00
  • 32
  • 0
  • 0
news-picture

لم تخرج الزيارة الأخيرة التي قام بها المبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيث إلى صنعاء، عن الطبيعة الشكلية التي أصبحت تميّز حراكه السياسي، وجعلت من المعالجات الأممية للملف اليمني تدور في حلقة مفرغة وعاجزة بالكامل عن تحقيق أي تقدّم فيه. وغادر الدبلوماسي البريطاني السابق، الأحد، العاصمة اليمنية إلى مقر إقامته شبه الدائمة في العاصمة الأردنية عمّان، محمّلا بحزمة جديدة من الاشتراطات الحوثية بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على توقيع الفرقاء اليمنيين على اتفاقات السويد في أواخر العام 2018. وتمحورت زيارات غريفيث الأخيرة إلى صنعاء ولقاءاته الغامضة بزعيم الجماعة الحوثية حول قضايا جزئية قال مراقبون سياسيون إنها تزيد من تعقيد المشهد اليمني، نتيجة عدم دفعها باتجاه إحراز أي تقدم حقيقي في مسار تنفيذ اتفاقات ستوكهولم التي يعترف العديد من الفاعلين الدوليين في الملف اليمني بأنها باتت الفرصة الأخيرة لتحقيق السلام المنشود في بلد تمزقه الحرب منذ أكثر من خمس سنوات. وبينما يستمر الحوثيون في رفض الخطة المعدلة لإعادة الانتشار في الحديدة التي يعمل على تمريرها كبير المراقبين الدوليين مايكل لوليسغارد، تقدمت الميليشيات بمطالب جديدة من بينها السماح بنقل جثمان وزير الداخلية في حكومة الانقلاب عبدالحكيم الماوري الذي أعلن عن وفاته في أحد مستشفيات بيروت دون الإفصاح عن الطريقة التي انتقل بها إلى لبنان لتلقي العلاج. وتتهم أطراف يمنية المبعوث الأممي بانتهاج سياسة منحازة تقوم على إنقاذ الحوثيين في اللحظات الحرجة بانتزاع تنازلات لفظية منهم قبيل أي منعطف حاسم لبحث الملف اليمني، حيث استبق في زيارته الأخيرة لصنعاء الاجتماع المزمع عقده خلال منتصف الشهر الجاري في مجلس الأمن الدولي حول اليمن في ظل مؤشرات على إمكانية تبني مواقف أكثر جدية من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا العضوين الفاعلين في الرباعية الدولية الخاصة باليمن إزاء التعنت الحوثي. وعلى مدى الأشهر الماضية لم يحقّق الحراك الأممي في اليمن أي إنجاز يذكر عدا وصول فريق تابع لبرنامج الأغذية العالمي إلى صوامع الحبوب في الحديدة وشروعه في إنقاذ كميات القمح المخزّنة هناك من التلف. ويترافق التعثر المتصاعد في المسار السياسي منذ التوقيع على اتفاقات السويد مع تصعيد عسكري غير مسبوق، حيث يسعى الحوثيون للتأكيد على عدم تراجع قدراتهم العسكرية وتحسن أدائهم السياسي بالرغم من مرور أربع سنوات على اندلاع الحرب، وهو ما تؤكده العديد من الشواهد مثل دعوة الحوثيين القيادات العسكرية والسياسية في صفوف الشرعية للعودة إلى مناطق الانقلاب، والتصريح الأخير الذي أدلى به القيادي البارز في الجماعة محمد علي الحوثي والذي دعا فيه البعثات والسفارات الأجنبية للعودة إلى صنعاء. وبعد اجتياحهم لمديرية كشور في محافظة حجة في فبراير الماضي، عمد الحوثيون لفتح جبهات جديدة ومهاجمة مناطق محررة في البيضاء والضالع، في محاولة لعكس نتائج الحرب التي قلصت من مناطق نفوذهم العسكري والميداني وأضعفتهم سياسيا وحدّت من إمكانياتهم المادية والاقتصادية. ويذهب العديد من الخبراء في الشأن اليمني إلى استفادة الميليشيات الحوثية من الغطاء السياسي الذي وفرته لهم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عبر اتفاقات السويد التي لم تحقق أي اختراق في مسار الأزمة اليمنية عدا انتشال الحوثيين من هزيمة محققة في الحديدة كانت وفق الخبراء كفيلة بتغيير موازين القوى لصالح الشرعية وانتزاع آخر ثلاثة موانئ في الحديدة من قبضة الحوثيين وعزلهم جغرافيا وسياسيا واقتصاديا.وفي الوقت الذي يوحي فيه الحوثيون بتمكنهم من توحيد القرار السياسي في معسكر الانقلاب بعد القضاء على الرئيس السابق علي عبدالله صالح وتحويل علاقة الشراكة التي تجمعهم بحزبه إلى تبعية مطلقة، تصاعدت الخلافات بين المكونات المناهضة للحوثيين نتيجة طول فترة الحرب وبروز التباينات السياسية وغلبة المصالح في الكثير من الأحيان، وهو الأمر الذي استغله الحوثيون لتحريك أوراقهم الخفية داخل الشرعية ومحاولة إظهار تراجع الأخيرة في مقابل تقدم الحوثيين سياسيا وعسكريا، من خلال الإيعاز لبعض الضباط العسكريين المندسين في صفوف الجيش الوطني من درجات متوسطة بإعلان انشقاقهم عن الشرعية والتحاقهم بالحوثيين في حركة وصفت بالمنسقة. وفي مسعى لتجويد أداء الصف المناهض للانقلاب ومنع تحقيق الأهداف الحوثية، عمل التحالف العربي لدعم الشرعية على تحقيق هدفين مؤجلين، تمثل الأول في سحب آخر ورقة للشرعية كانت لا تزال بأيدي الحوثيين وهي مجلس النواب الذي انعقد في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت في منتصف أبريل الماضي بكامل نصابه القانوني في استباق لمساعي الحوثيين الرامية إلى اختطاف المؤسسة التشريعية اليمنية من خلال إجراء انتخابات صورية وغير شرعية لملء المقاعد الشاغرة في البرلمان. أما الهدف الثاني الذي يرى مراقبون سياسيون أنه تأخر كثيرا فهو الإعلان عن تشكيل تحالف سياسي يضم 18 حزبا ومكونا سياسيا مناهضا للانقلاب ومساندا للشرعية. غير أنّ العديد من التحديات الكبيرة لا تزال تواجه جهود تمتين الجبهة المناوئة للحوثيين ومن أبرز تلك التحديات بحسب مراقبين سياسيين عدم احتواء وإشراك الشرعية لقوى فاعلة على الأرض من بينها المجلس الانتقالي الجنوبي، وتيار عريض من حزب المؤتمر الشعبي العام الذي لا يزال يطالب بضمانات وخطوات تجعله شريكا فاعلا في أي تحالف سياسي مناهض للحوثيين. وإلى جانب التحديات السالفة يبرز الدور السلبي الذي لا تزال قطر تلعبه في داخل صفوف الشرعية من خلال بعض أدواتها التي تعمل على إثارة الخلافات بين فصائل الشرعية أحيانا وبين الشرعية والتحالف العربي أحيانا أخرى. وبرز هذا الأمر بصورة متزايدة خلال الآونة الأخيرة من خلال حملات وتصريحات ممنهجة، البعض منها جاء على لسان وزراء بالحكومة الشرعية في محاولة للتشكيك بدور التحالف العربي وأهدافه في اليمن، وهي التصريحات والمواقف التي يلتقطها إعلام قطر والحوثي، ليقوما بضخها ضمن سيل الدعاية الإعلامية التي تخدم أجندتهما السياسية.

مشاركة :