على وقع الجدل الذي أثاره تصريح وزير الخارجية الأميركية جون كيري الأخير حول استعداد بلاده للتفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد، أتى إسقاط الطائرة الأميركية في دمشق بعد إقلاعها من قاعدة «إينجرليك» في مدينة أضنة بجنوب تركيا، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ بدء التحالف الدولي ضرباته ضدّ مواقع تنظيم داعش في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. ويوم أمس أصدرت السفارة الأميركية في أنقرة بيانا أعلنت فيه إبلاغ المبعوث الأميركي، المسؤول عن تشكيل تحالف ضد «داعش»، جون ألين، مسؤولين أتراكا أن الولايات المتحدة لا تزال تسعى إلى حل تفاوضي في سوريا لا يشمل الرئيس بشار الأسد، وأن الموقف الأميركي في هذا الصدد لم يتغير. وبينما أعلنت دمشق أنها أسقطت طائرة الاستطلاع الأميركية التي كانت تحلق ليل الأربعاء، فوق منطقة اللاذقية، بعدما اشتبهت بأنها تقوم «بجمع معلومات أمنية وعسكرية» في منطقة لا توجد فيها مواقع لمقاتلي المعارضة أو التنظيمات المتطرفة، رجّح نائب رئيس العمليات السابق في الجيش اللبناني، اللواء المتقاعد عبد الرحمن شحيتلي، أنّ تكون روسيا هي المسؤولة عن إسقاط الطائرة عبر أسطولها البحري، وأوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «الطائرة كانت تحلّق خارج منطقة عمليات التحالف الدولي وتحديدا في المجال الجوي إذ يوجد الأسطول الروسي وعلى مقربة من القاعدة العسكرية البحرية في طرطوس. ورأى أنّه لن يكون لهذه الحادثة أي تداعيات أو خطوات تصعيدية»، معتبرا أنّها ستشكل دفعا معنويا للنظام السوري الذي وإن كان قد هدّد باعتبار العمليات العسكرية «اعتداء»، إنما كانت له موافقة ضمنية على التدخل العسكري الجوي في سوريا، عبر إعلان وزير الخارجية وليد المعلم أنّ أميركا أبلغت الحكومة السورية بالعمليات العسكرية. وبينما رأى شحيتلي أنّ الطائرة قد تكون خرجت عن مسارها لكونها من دون طيار، شرح أنّ الأسطول يملك في العادة دفاعا ذاتيا يعمل بشكل تلقائي، وهو الأمر الذي حصل في حالة الطائرة الأميركية. في المقابل، قال الخبير العسكري العميد المتقاعد أمين حطيط المقرب من حزب الله، لـ«الشرق الأوسط»: «وفق المعطيات المتوافرة من المستبعد أن يكون الأسطول الروسي هو الذي أسقط الطائرة وإن كان قادرا على إطلاق صاروخ على بعد 50 كيلومترا، المسافة التي تبعد بين القاعدة الروسية وموقع الحادثة»، موضحا: «يمكن إسقاطها من اللاذقية على أيدي الجيش السوري بأسلحة سورية ولا تتطلب تقنيات السلاح الروسي». من جهته أشار مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لوكالة الصحافة الفرنسية إلى أن «الطائرة أصيبت بصاروخ مضاد للطيران، و«سقطت في قرية المقاطع على بعد عشرة كيلومترات من مدينة اللاذقية». ورأى حطيط أنّ إسقاط الطائرة يؤكد أن أميركا تقوم بعمل عسكري ومراقبة دائمة خارج مناطق وجود تنظيم «داعش»، كما أنّها رسالة سورية إلى أميركا تؤكد خلالها أنّها حاضرة للتعامل مع أي خرق للسيادة من دون تردّد، ورسالة للتحالف الدولي في حال فكّر في تغيير سياسته واستهداف مناطق الجيش السوري، بأنّه سيكون هناك مواجهة بين الطرفين. واعتبر في الوقت عينه أن مفاعيل ما حصل ستنتهي عند هذا الحد ولن يكون هناك مواجهة بين الطرفين. وهذا ما عكسه، وفق تعبيره، سلوك كل من سوريا وأميركا، إذ أعلنت الأولى عن إسقاط طائرة معادية من دون إعلان عن هويتها، واكتفت الثانية بالقول إنها فقدت الاتصال بها. وكان مصدر عسكري سوري قال لوكالة الصحافة الفرنسية حول سبب إطلاق النار على الطائرة: «بمجرد دخولها إلى الأجواء السورية نعتبر أنها تسعى إلى جمع معلومات أمنية وعسكرية عن الأراضي السورية»، سائلا: «هل دخلت للنزهة؟». من جهتها، أكدت مصادر عسكرية تركية سقوط طائرة استطلاع من طراز «بريداتور» تابعة للقوات الجوية الأميركية بعد إقلاعها من قاعدة «إينجرليك» في مدينة أضنة بجنوب تركيا. وذكرت محطة «إن تي في» الإخبارية التركية أمس أن الطائرة انطلقت لرصد تحركات «جبهة النصرة» التي تسيطر على مناطق وقرى في ريف اللاذقية. ورد المصدر العسكري السوري أنه لا وجود لتنظيم داعش في المنطقة التي أسقطت فيها الطائرة، و«قد يكون هناك بعض المواقع لجبهة النصرة»، وهو ما نفاه المرصد السوري لحقوق الإنسان. وتعتبر محافظة اللاذقية في غرب سوريا من أبرز مناطق نفوذ النظام السوري، وفيها وجود عسكري كثيف لقوات النظام. وتستهدف غارات التحالف بشكل خاص مناطق الرقة وحلب (شمال) وإدلب (شمال غرب) ودير الزور. وكان قائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) الجنرال لويد أوستن، قد قام بزيارة إلى العاصمة التركية أنقرة وأجرى جملة مباحثات مع رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال نجدت أوزال، واتخذ قرارا بنشر صواريخ «هيلفاير» بطائرات «بريداتور» في قاعدة «إينجرليك» لاستخدامها في محاربة تنظيم داعش. ونشرت الولايات المتحدة الأميركية 4 طائرات «بريداتور» من دون طيار في قاعدة «إينجرليك» في عام 2011 بعد حصولها على موافقة تركيا وأصبحت الآن 3 طائرات فقط من هذا الطراز بعد سقوط إحداها مساء الثلاثاء في مدينة اللاذقية السورية. وسبق للتحالف أن خسر طائرة حربية أردنية أسقطتها المضادات التابعة لتنظيم داعش في الرقة. واحتجز التنظيم في حينه الطيار الأردني معاذ الكساسبة قبل أن يقتله في وقت لاحق حرقا.
مشاركة :