الشيخ الأكبر، محيي الدين بن عربي، شيخ صوفي مسالم بنى فكره على التسامح والحب، كان له مريدون وأنصار كما كان له مناهضون وصل بهم الأمر إلى تسميته بالشيخ “الأكفر”، وفي استرجاع زمني خاطف لتلك المرحلة، يجسّد الفنان السوري الشاب لجين إسماعيل، دور البطولة في المسلسل التلفزيوني الطويل الذي أنتجه تلفزيون أبوظبي بعنوان “مقامات العشق” من تأليف أحمد البطوش وإخراج أحمد إبراهيم أحمد. وتقوم فكرة العمل الذي تعرضه بعض القنوات العربية في الموسم الرمضاني الحالي على تكريس الفكر الوسطي، المسالم، الذي يعترف بالآخر ويسمح له بالعيش معه، وعن ذلك يقول لجين إسماعيل بطل العمل في لقائه مع “العرب”، “شخصية ابن عربي هامة في تاريخنا الفكري، وطرحها في هذا الوقت هو مسؤولية فكرية وفنية وأخلاقية، وهو أحد القامات الفكرية الكبرى في تاريخنا كله، فكره واحد يتعلق بالوجود وبغاياتنا وسلوكنا كبشر”.ويضيف “أزعم أن هناك تقاطعا كبيرا في الأفكار بيني وبين ابن عربي، في الحياة هناك أناس يعرفونه جيدا، بل وأكثر منّي، وهو يتمتع بمكانة شعبية كبيرة لدى جمهور عريض من البشر، أما في المسلسل فقد تعرّضنا لجزء من حياته، عبر مراحل ثلاث، النشأة في الأندلس والمغرب ثم في مكة وأخيرا مقامه النهائي بدمشق، نحاول في العمل إظهار الوجه الحقيقي لهذا المفكر الكبير الذي حمل أفكارا عميقة وجليلة لا يقدمها إلاّ أشخاص عظماء مثله”. الشيخ الأكبر، محيي الدين بن عربي، أو شيخ الصالحين، كان صوفيّا، يحمل تفسيرا عميقا ومختلفا لمعاني القرآن والسنّة، ومن خلال ذلك توافق مع البعض من الشيوخ واختلف مع آخرين، وكانت بينه وبين البعض معارك فكرية شرسة، وصلت إلى الحد الذي اتهمه فيه بعض معارضيه بالكفر والزندقة، واعتبروه مصدر خطر على أفكارهم. وعن ذلك كله يقول إسماعيل “إن طرح مسلسل عن ابن عربي في هذه الفترة، لا يمثّل خطرا أو مشكلة للناس العاديين، بل يفعل ذلك مع المتشدّدين، الذين حاولوا حصاره من قبل في حياته، وكمؤدّ لهذه الشخصية الكبيرة في المسلسل، لا تنتابني نوبات فزع من تلقي الجمهور لعملي، لكنني أحسب حسابا، لأصحاب الفكر المتشدّد الذين سيظهرون مجددا ليرفضوا العمل جملة وتفصيلا، وهو الذي يقدم أفكارا تعارض أفكارهم وتظهر خطأهم”. يرى لجين إسماعيل أن ما قام به ابن عربي مقنع، وهو المستند فيه على آيات القرآن الكريم، لذلك كان فكره محصنا في مواجهة مناهضيه، ويضيف “المعيار هو الذي سيحسم الأمر، مثلا عند بعض المتشدّدين، هنالك حدود القتل والقطع والتعذيب والتي ينادون بها في حياة الناس اليومية، لكن الأمور عند ابن عربي مختلفة، كونه يبحث عن فضاء أكثر هدوءا وإنسانية وسلاما، من خلال تفاسيره لآيات القرآن الكريم بمنهج يخصه، وكل ذلك من خلال فكر عميق عارف”. و”مقامات العشق” مسلسل تاريخي يروي سيرة محيي الدين بن عربي، أحد أشهر المتصوفين، وفيه يتابع المشاهدون خلال رمضان الجاري سيرته وسيرة الصوفي، وأجمل قصة حب حصلت مع ابن عربي الذي عاصر أكبر الصراعات بين تيار التطرف والتكفير وبين الإسلام الحقيقي المعتدل والمتطرف. لا يجد لجين إسماعيل نفسه في حالة غربة مع الحالة الصوفية التي يقدّمها العمل، وهو يرى أنه كممثل يجب أن يعرف كل شيء عن الشخصيات التي يقدمها، لذلك يقول “كنت مطالبا بمعرفة المزيد عن الصوفية عندما تصديت لهذا لعمل، وهي التي، أي الصوفية، تجعل الإنسان يعي ما معنى التأويل، وما هي درجات المعرفة التي تؤمن للإنسان معرفة عالم الصوفية، الذي يهتم بالظاهر والباطن والعميق والأعمق، الصوفية بحث طويل وعميق، وأنا استمتعت جدا بالبحث الذي قمت به في سبيل هذا العمل”. ويضيف “كان عليّ أن أعرف تفاصيل عن حياته، كيف يقرأ ويكتب ويمشي، وغير هذا، وكنت محظوظا أني وجدت مراجع كتبها بخط يده تبيّن بعض هذه التفاصيل، هو رجل يؤمن بالحب، حاولت في المسلسل أن أجد تفاصيل تبيّن كيف كان يشرح هذه الأفكار لمريديه، وعندما فهمت كل ذلك وتقاطعت معه وفكرت بطريقته، حينها وصلت إلى نسبة كبيرة من الحقيقة”.ويسترسل “جوهر فكر وحياة الشيخ الصوفي محيي الدين بن عربي، وبالشكل الذي كان عليه فعلا، تجعلنا في حالة حذر من تقديم هذه التجربة الفكرية من تاريخنا في وقت نحن بأمسّ الحاجة إلى استحضار هكذا تجارب للتعريف بها أولا، ولاستخلاص العبر منها ثانيا، كونها قدّمت فهما جميلا وعميقا لمعنى الحب والإنسان والدين”. ويستغرب لجين إسماعيل من كون فكرا عظيما مثل الذي حمله ابن عربي غير منتشر بالشكل الذي كان يجب أن يكون عليه، ويوضّح “يبدو أن محاولات البعض في حصار هذه الأفكار والبطش به قد أتت ببعض النتائج، لكن طرح هذه الأفكار مجددا من قبل مسلسل تلفزيوني يراه الملايين أمر هام، لأنه سيجعلنا نعيد طرح بعض الأفكار التي صارت مسلّمات، ويجعلنا قادرين على إنجاز حوار حضاري حقيقي بين المتخالفين، البعض لا يريد لمثل أفكار ابن عربي أن تعيش، إنها حرب مصالح”.
مشاركة :