تحدث الأستاذ الدكتور عز الدين موسى عن العولمة وقسّمها إلى مرحتلين: الأولى بعد الحرب العالمية حتى انتهاء الحرب الباردة، والثانية: ما بعد الحرب الباردة وحتى الآن، وعن التواصل والاتصال وأهميته والاستهلاك، وكيف تغير مفهوم الاستهلاك في يومنا الحاضر، واقتصاد السوق وانشطار العالم إلى الشمال والجنوب، أو مناطق السلام ومناطق الصراع، كما تطرّق إلى الفوارق الاجتماعية وأن 20 % من العالم ينتج نحو 75 % من منتجات العالم. وتحدث عن التعددية والفقر وأثر المهاجرين على الهوية الوطنية، وصراع مهم بين الشعبوية والعولمية. جاء ذلك في محاضرة ألقاها في دارة العرب، وأدارها د. يحيى الزهراني يوم السبت 29 شعبان 1440هـ الواقع في 4 أيار (مايو) 2019م. وقال الدكتور عز الدين: إن موضوع العولمة شغل الناس، وإن العولمة وإفرازاتها شغلته مثل سائر طلبة العلم والثقافة والفكر الذين سكنتهم قضايا التغير في مجتمعاتهم من التخلف إلى التقدم، ومن التبعية الى التحرر، ومن اضطهاد الإنسان الى إكرامه، ومن الظلم إلى العدالة الاجتماعية. وقال: من المهم الإشارة إلى أن العولمة إنْ هي إلا إفراز لثورة تكنولوجيا الاتصال التي أثرت تأثيرًا بالغًا على الدولة في العالم غير الرأسمالي في نموذج التنمية أمام عالمية اقتصاد السوق، وفي مستقبل الدولة القُطرية باختراق حدودها بسبب سرعة انتقال رؤوس الأموال وحريتها. وقال إنه من المهم كذلك القول بأن العولمة مرت في مراحل متعددة ومنعرجات شتى صبغتها بصبغتها الغالبة في كل مرحلة حتى ليتبدَّى لك وكأنها مغايرة، مع أنها متصلة، ويمكن اختزالها في مرحلتين رئيسيتين: الأولى من الحرب العالمية الثانية إلى انهيار الاتحاد السوفييتي، والثانية منه وإلى الآن. فالمرحلة الأولى سعت فيها العولمة إلى تحول كمّي وكيفي في تدويل العالم انطلاقًا من تدويل الاقتصاد، وهو ما يسمى الاقتصاد العالمي، وغدت العولمة أكثر من التبادل التجاري؛ لأن ثورة التكنولوجيا تسارعت حركتها متجاوزةً حدود الدول، ولم تعد التجارة العالمية تجارة المواد، بل تبادل الخدمات؛ من نقل ومواصلات وتأمين وتكنولوجيا وعمليات مالية، وحدث تنميط للاستهلاك العالمي كله، وتكثفت المنافسة وزاد الطلب على الادخار، وفقدت الدولة القُطرية أهم رموزها من راية وعملة، وأضعفت أو تناقضت الشريحة المهيمنة تناقضًا شديدًا مع عامة الناس، ولكن عند التحول من الرعاية إلى الخصخصة، ومن الوظائف التقليدية إلى الوظائف الممكنة، وتصاعدت كل هذه في المرحلة الثانية بانهيار الاتحاد السوفييتي، وانتقلت دولته إلى دول متعددة فتفكك المعسكر الاشتراكي إلى عدة دول، فلفته العولمة بثوبها وتعاظم ذلك بانتهاء الحرب الباردة وتفكك دول المعسكر الاشتراكي وسقوط جدار برلين 1989م، واختفاء الاتحاد السوفييتي عام 1991م، وبرزت مرحلة القطب الواحد فأصبحت العولمة ليست تدويل العالم كمًا وكيفًا اقتصاديًا فحسب، بل تدويل سيادة الحضارة الغربية في مرحلتها الأمريكية؛ مرحلة انتصار الليبرالية، وصار البحث للمحافظة عن هذه السيادة شاقًّا، ولا سيما أن الثورة الصناعية الثالثة ضاعفت مشكلات التنمية عند الآخرين؛ لأن الاقتصاد لا يعتمد على المصانع التقليدية المعتمدة على المواد الخام، وإنما يقوم الاقتصاد المتقدم على صناعة المعلومات وإنتاج التكنولوجيا المتقدمة. ومما زاد الطين بلة أن ردة الفعل الشديدة للعولمة في العالم غير الغربي أدت إلى تعاظم وعي الهويات الثقافية والإثنيات وعبّرت عن ذاتها رافضةً للدولة القائمة أو مهددة لوحدتها، علاوة على أن مشكلة المشاركة الشعبية سياسيًّا واقتصاديًّا بلورت نقيضًا اجتماعياً، معمقًا شرخًا اجتماعيًّا خطيراً، إذ زاد الأغنياء غنى وتضاعف الفقراء عددًا، وضعفت الشريحة الاجتماعية الوسطى ضعفًا مبينًا، بل لعلها ذابت في الشريحة الدنيا وكادت أن تتلاشى في كثير من البلدان. وقال بأن عدداً من الشعوب احتفظت بهويتها المتميزة، وأقبلت على التقانة الغربية محتضنة لها مستفيدة منها، مثل الصين واليابان وغيرها فلم يتوحد العالم سياسيًا ولا اقتصاديًا ولا اجتماعيًا، بل حدثت انشطارات متعددة وشهد الغرب نفسه انشطارات، وقامت حركات تسعى لتحقيق ذلك وتنبهت قيادة العولمة إلى هذه الإفرازات المنغصة للعولمة وصفق منظِّروها في دوائر تخطيط السياسة العالمية في طرح نماذج أو خرائط مستقبلية لإعادة تشكيل العالم، فمنهم من قال بانشطار العالم إلى ثنائية تضادية مناطق سلام هي الغرب واليابان ومناطق اضطراب هي في بقية العالم، أو ثنائية الدول الغنية والدول الفقيرة، وعادةً يرمز إليها بثنائية الشمال والجنوب. وقال بأن هذا القول لا يعني أن العولمة لم تأتِ بخير، فقد ارتفع نحو بليون شخص من حد الفقر وفقًا لتقارير برامج التنمية البشرية، وكان المأمول أن تكون العولمة هي الحل للقضايا التي تواجه إنسان العصر. ومن المعلوم أن التقنية توفر وظائف جديدة، ولكن أيضًا تغلق وظائف غير يسيرة، ففي عام 1970 فقد نحو 40 % في الولايات المتحدة وظائفهم، وتقول دراسة إن 88 % من فاقدي الوظائف كان السبب الرئيسي هو التقدير، وقد حدث تذمر في الأوساط الأمريكية من العولمة نظراً لازدياد الطبقات الفقيرة فقراً والأغنياء غنى، وبالذات في السنوات العشر الأخيرة. وقال: إن الأزمة المالية العالمية من 2008 إلى 2009 كشفت هشاشة النمو الاقتصادي والاستهلاك للتنمية في العالم المالي، والمعالجات التي تثير أهل الداخل بالإجراءات الصعبة من الضرائب ورفع الأسعار وغيرها، ما ينتج من الاحتجاجات الشعبية والشكوى من الوظائف المفقودة مع التقنية والفساد في الدولة ذات النظرة الشمولية، ونسبة البطالة بين الشباب، وهي طالت الدول النامية بدرجات متفاوتة، ما يثير قضية في غاية الأهمية في قيم العولمة، مثل الحرية في الدول النامية والمشاركة الشعبية (الديموقراطية) وهشاشة المؤسسات السياسية التي تقل درجة الحصانة فيها مقارنةً بالدول الغربية، خاصة في ظل ضعف ثقافة المكننة في الدول النامية التي تهدد حسب تقرير الأمم المتحدة عام 2017م نحو 47 % من الوظائف التقنية و65 % في نيجيريا و69 % في الهند و77 % في الصين، ويشكل العلاج المتدرج في تحسين مستوى الحياة وظائف غير ميسورة أزمة كبرى، وهذه الأزمة واضحة في الصين والهند وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وجنوب إفريقيا، بل وفي الدول البترولية. وكل هذا يستدعي المساواة في الفرص وتغيير ثقافة العمل والتهيئة التعليمية والتربوية لذلك التغيير، وهذا يمثل أهم معيار فيما ينبغي أن تقوم به الدول النامية، وخير مثل على ذلك وهو رؤية المملكة الطموحة 2030م.
مشاركة :