د. وحيد الغامدي يكتب عن العاصوف والتشوق المعرفي

  • 5/10/2019
  • 00:00
  • 24
  • 0
  • 0
news-picture

لن يُنسى ذلك الزخم الذي لقيه كتاب (السعودية سيرة دولة ومجتمع) للأستاذ عبدالعزيز الخضر، وقتها ضجت منتديات الإنترنت بسيرة الكتاب الذي يقول عنه صاحبه: إنه (قراءة في تجربة ثلث قرن من التحولات الفكرية والسياسية والتنموية). نعم لقد أصبح الكتاب مرجعاً مهماً في تأريخ المشهد كاملاً في المملكة، إلا أن الزخم الذي تأخذه مثل هذه الكتب يكون أكثر في مثل هذه البيئة الثقافية التي تنعدم أو تندر فيها إجراءات الأرشفة التاريخية لمجموعة من الأحداث المعاشة، فيأتي جيلٌ لم يعاصر بعض الأحداث فيكون متعطشاً للقراءة والبحث فيما يسمعه من قصص وحكايات يرويها كبار السن. مثل حادثة جهيمان واحتلال الحرم مثلاً. لقد مرّ جيلي - على الأقل - بحقبة زمنية لم يُذكر فيها أي شيء عن أحداث الحرم في المنهج الدراسي لمادة التاريخ مثلاً، ولا حتى مادة الوطنية. ولم يكن هناك أي إشارة للحدث في الإعلام الرسمي، فما أن جاءت مجموعة من الكتب المتزامنة تقريباً، مثل: (السعودية سيرة دولة ومجتمع)، وكتاب (حتى لا يعود جهيمان، توماس هيغهامر وستيفان لاكروا) وكتاب (المملكة من الداخل، روبرت ليسي) وكتاب (زمن الصحوة، ستيفان لاكروا)، وغيرها، وكل تلك الكتب غير مفسوحة للتداول في نقاط البيع المحلية، لكن مسموح بها في معارض الكتب الدولية، فما أن خرجت تلك الكتب وظهرت على أرفف دور النشر الدولية في المعارض حتى تلقفناها بنهمٍ باحثين عن تفاصيل أكثر تشويقاً في الحكاية التي كانت شحيحة التداول والمصادر. اليوم يأتي مسلسل العاصوف ليلعب بذكاء على استثمار هذا التشوق المعرفي الواسع النطاق للبحث في ذلك الجزء من التاريخ المحلي، ليأتي توظيف الحدث جزءاً أصيلاً من (الحكاية السعودية) التي ألقت بظلالها على كامل المشهد، وأثّرت بلا شك في مسيرة القطار كاملاً، القطار الذي نستقله كلنا شعباً ودولة. ها هو سبب الزخم يطلّ من جديد ولكن هذه المرة في ثوب تلفزيوني أكثر اتساعاً بكثير من سياق الاهتمام النخبوي لقرّاء الكتب، وحتى لا يُسمح للملل من تكرار الأحداث أو الموضوعات بالتسلل للمشاهدين جاء البرومو الإعلاني ليشير إلى الحادثة وهو ما سيجذب للمسلسل المزيد من تسليط الأضواء، ليكون - في توقعي - مثار جدل (فكري اجتماعي) طوال شهر رمضان. الخلاصة هنا: هو أن المنع المطلق لتداول بعض الأحداث سيجعل لها جاذبية أكبر مع الوقت وتعاقب الأجيال، وقد نفوّت الفرصة لاستفادة الدروس التاريخية والفكرية، ولا أدري ما الذي كان سيضر صانعي المناهج في (وزارة المعارف) سابقاً من الإشارة اليسيرة إلى الحدث عبر المناهج؟ أو ماذا كان ينقص مسؤولي وزارة الإعلام مثلاً في عمل برنامج وثائقي لتأريخ اللحظة؟ ولماذا ننتظر إما مستشرقاً يأتي ليكتب عن جزء من تاريخنا أو وسيلة إعلامية أجنبية أو مسلسلاً تلفزيونياً في الأصل هو غير مسؤول عن التأريخ والتوثيق؟ لماذا لا نكتب بأيدينا وبلغتنا وبأوجاعنا التي عايشناها؟ ومثل ذلك أيضاً منع الكتاب، وفي الوقت نفسه السماح به في المعارض الدولية! أي: إتاحة الفرصة للناشر الأجنبي للاستثمار في الحالة السعودية (الصاخبة) دون الناشر المحلي ولا نقاط البيع المحلية. كل ذلك لا يخدم (القوة الناعمة) التي نريدها أن تكون عنواناً للمرحلة، كما أشرت لذلك في مقالات سابقة.

مشاركة :