د. وحيد عبد المجيد يكتب: وثيقة تحرير قطر

  • 7/5/2017
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

مازال بإمكان المجموعة الحاكمة في الدوحة استثمار الفرصة التي توفرها ورقة المطالب المقدمة من الدول التي قررت مقاطعتها بسبب تماديها في سياسات تُلحق الضرر بكثير من البلدان العربية، وتهدد أمنها، وتخرق القواعد المؤسسة لمجلس التعاون الخليجي، ومبادئ حسن الجوار. ويشمل هذا الضرر الشعب القطري الذي صار ضحية بدوره لسياسات ظلت تتراكم تدريجياً على مدى نحو عقدين من الزمن. ولذا يمكن فهم ورقة المطالب التي قدمتها دول المقاطعة عبر الكويت إلى المجموعة الحاكمة في الدوحة في 22 يونيو الماضي، بوصفها محاولة جادة لتحرير قطر من سياسات اشتد خطرها، وأهمها الارتهان لتركيا وإيران اللتين تطمح كل منهما إلى التمدد وتوسيع نفوذهما على حساب مصالح العرب وأمنهم، والارتباط بمنظمات إرهابية ثبت عبر التجارب أنها تُمثل تهديداً لمن يُوّظِّفونها وليس لمن تُستخدم ضدهم فقط. وفي حالة تصحيح هذه السياسات، لا تبقى حاجة إلى أذرع إعلامية موجهة ضد دول يُفترض أن تحرص قطر على أمنها واستقرارها.     وربما لا يكون تعبير «الشروط» أو «الاشتراطات» الذي شاع في كثير من وسائل الإعلام دقيقاً عندما يتعلق بمطالب تهدف إلى مراجعة سياسات تلحق الضرر بقطر، وليس بالدول التي قدمتها فقط، وترسم خريطة طريق لاستعادة الثقة التي تراجعت تدريجياً منذ تولي الشيخ حمد بن خليفة السلطة في منتصف التسعينيات، فيما وُصف بأنه انقلاب على والده، إلى أن فُقدت تماماً في السنوات الأخيرة.   وتُعد ورقة المطالب التي قدمتها الدول المقاطعة لقطر، والحال هكذا، حالة خاصة يتعذر تطبيق القواعد الكلاسيكية التي تحكم التفاعلات في الأزمات الإقليمية عليها، بسبب خصوصية العلاقات بين بلدان مجلس التعاون الخليجي. فهي ليست شروطاً يفرضها الأقوى على الأضعف، ولا محاولة لفرض الإذعان، لأن طبيعة العلاقات الخليجية لا تسمح بتحول الخلافات إلى معارك صفرية يحصل فيها طرف على كل شيء، ويُمنى الآخر بهزيمة كاملة.     ولكن أسلوب حكام الدوحة في إدارة الأزمة، كما في التعامل مع ورقة المطالب التي سُربت فور تسليمها إليهم، يحول دون تحقيق ما تسعى إليه الدول المقاطعة، وهو أن يخرج العرب جميعهم منها فائزين، الأمر الذي يزيد قدرتهم على مواجهة الأخطار الهائلة التي تهددهم.     وإذ يمر اليوم شهر كامل على قرار هذه الدول قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية مع قطر، وما يقرب من أسبوعين على ورقة المطالب التي قدمتها من أجل حل الأزمة، يظل الأمل قائماً في أن يراجع حكام الدوحة الاتجاه الذي أدى إلى هذه الأزمة، ولا يهدروا فرصة قد تكون الأخيرة لمراجعة السياسات التي ألقت بهم في أحضان إيران وتركيا، وجعلت بلدهم ملاذاً، لأكثر المنظمات الإرهابية خطراً.     وحين نضع هذه السياسات في سياقها التاريخي، يتبين أن إرهاصاتها الأولى تعود إلى النصف الثاني من التسعينيات عقب استيلاء الأمير السابق حمد بن خليفة على السلطة. فقد شهدت تلك الفترة نقلة نوعية في العلاقة مع «الإخوان»، ووضع أسس للعلاقات التي تنامت تدريجياً مع إيران أولاً، ثم مع تركيا عقب وصول «حزب العدالة والتنمية» إلى الحكم عام 2002.     لم يُنتبه في ذلك الوقت إلى تأثير العلاقة الوثيقة بين الأمير السابق وجماعة «الإخوان»، سواء تنظيمها السري في قطر أو تنظيمها الدولي، قبل توليه السلطة. ولم يلق قرار تنظيم «الإخوان» في قطر حل نفسه عام 1999 اهتماماً يُذكر، رغم أنه فريد في تاريخ الجماعات الإخوانية في العالم. فلم تبق حاجة إلى وجود هذا التنظيم بعد أن بات أحد أقرب القريبين إليه حاكماً للبلاد، وصار بحاجة إلى أعضائه في أجهزة السلطة الجديدة.     وتشتد أهمية هذا السباق التاريخي الآن لتفسير مدى عمق العلاقة بين حكام الدوحة و«الإخوان»، وأثرها في عرقلة الوساطة الكويتية، وغيرها من الجهود التي تُبذل من أجل حل الأزمة. وكذلك الحال بالنسبة للعلاقة المتنامية بين حكام الدوحة وإيران منذ أن استغلوا وجود حقل غاز كبير مشترك بين البلدين لبناء علاقة موازية لعلاقاتهم الخليجية، ثم إعطائها الأسبقية عندما تصوروا أن الاستقواء بطهران وأنقرة سيُدَّعم نفوذهم ويتيح لهم دوراً كان ولعهم به، ومازال، أحد أهم مصادر عدم الاستقرار في المنطقة.     نقلا عن صحيفة الاتحاد الإماراتية

مشاركة :