أثار التعديل الحكومي الأخير الذي أجراه رئيس الوزراء عمر الرزاز خيبة أمل كبيرة في الشارع الأردني ذلك أنه لم يخرج عن الأطر السابقة في اختيار الوزراء على مدى العقود الأخيرة، والقائمة على المنطق العشائري والمناطقي، فضلا عن صلاتهم بأصحاب القرار الرسمي. ويقول منتقدو التعديل الذي كثر اللغط بشأنه على مدار الأشهر الماضية بأنه كان هناك أمل في أن يكون التغيير على مستوى التحديات التي يواجهها الأردن، على الصعيدين الداخلي والخارجي، بيد أنه أتى مخيبا ويعكس حالة من الجمود والمكابرة في عدم الاعتراف بأن المشكلة تكمن في النهج القائم الذي ثبت عقمه وعجزه عن إدخال ديناميكية جديدة في المنظومتين الاقتصادية والسياسية المتلازمتان بالضرورة.وتتناقض الاختيارات مع ما ينادي به الرزاز دوما من دولة مدنية مستدامة ومنتجة قائمة على عقد اجتماعي جديد يلفظ المحاصصة العشائرية والجهوية، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان رئيس الحكومة هو صاحب القرار الأصلي في هذه الاختيارات. وعلق النائب طارق خوري على التعديل بقوله إن المحاصصة المناطقية والعشائرية تستولد العقد تلو العقد. وأوضح في تغريدة له عبر حسابه على “تويتر” إن أي حكومة تتشكل على هذا الأساس لن يكون بإمكانها اجتراح الحلول، بل ستعمق الأزمات وتفاقمها. ويعد التعديل الوزاري الثالث لحكومة الرزاز التي تشكلت في يونيو الماضي، والثاني في أقل من أربعة أشهر، وشمل التعديل ثمانية وزراء بعضهم قدم من الديوان الملكي على غرار محمد العسعس الذي كان مستشار الملك للشؤون الاقتصادية، والبعض الآخر سبق وتولى حقيبة وزارية على غرار سلامة حماد السحيم الذي خلف سمير مبيضين في الداخلية. وعكس تعيين حماد الذي كان تولى وزارة الداخلية في ثلاث مناسبات آخرها في العام 2016 رسالة للشارع فحواها أنه لن يكون هناك أي تساهل في المرحلة المقبلة مع أي تحركات احتجاجية، بالنظر لسجل الرجل منذ التسعينات. واعتبر النائب صداح الحباشنة أن “إعادة تدوير” حماد، بمثابة إعلان حرب على الشعب الأردني. وشدد الحباشنة في سلسلة تغريدات عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” على ضرورة “إسقاط” حكومة الرزاز، مؤكدا أنه والنواب لن ينسوا شهداء قلعة الكرك الذين يتحمل سلامة حماد بصفته الوظيفية المسؤولية الكاملة عن كلّ قطرة دم سالت منهم، في إشارة إلى الهجوم الإرهابي الذي وقع في 18 ديسمبر 2018 وأدى إلى مقتل 10 أشخاص بينهم 7 من عناصر الأمن في قلعة الكرك التاريخية (تبناه تنظيم الدولة الإسلامية). ولفت النائب إلى أن “سلامة حماد مرتبط في الذاكرة الأردنية بتاريخ دموي تمثل بالتقصير والاستهزاء بدماء شهداء الوطن في قلعة الكرك، كما أنه مرتبط بنهج قمع المسيرات المطالبة بالإصلاح ومصادرة حرية التعبير”.وكان الأردن قد شهد على مدار الأشهر الماضية خضات اجتماعية نتيجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، كان أخطرها في مايو الماضي، وإن استمرت توابعها، مع دخول عناصر جديدة في الفترة الأخيرة متمثلة في بعض العشائر الكبرى كعشيرة بني حسن التي أصدرت بيانا الشهر الماضي دعت فيه إلى تعديل الدستور، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وانضمت لها عشيرة بني عباد. ويقول محللون إن هذا الدافع قد يكون خلف إعادة تعيين حماد في منصب وزير الداخلية. ويلفت هؤلاء إلى هناك حالة من التململ في صفوف العشائر الأردنية التي لطالما شكلت سندا وركيزة أساسية للنظام منذ نشأته، وقد يكون هذا من الأسباب التي تجعل من التخلي عن المحاصصة العشائرية في الحكومة أمرا أكثر صعوبة خاصة في هذه الظرفية الحساسة التي تمر بها المملكة. من جهة أخرى فإن محاولة استرضاء كبرى العشائر بمنصب وزاري بغض النظر عن معيار الكفاءة من شأنه أن يفاقم أزمات الأردن، بدل تذليلها، فضلا على أنه سيعزز حالة الشرخ داخل النسيج العشائري ذاته، حيث أن عدم توزير أبناء إحدى العشائر ستعتبره الأخيرة عملية استهداف وإقصاء لها. ويقول البعض إن ذلك قد يكون مقصودا من قبل النظام الذي لئن يراهن على دعم العشائر إلا أنه لا يريد أن تكون في وضع قوي يتهدده، ومن هنا يفهم عملية خلق تصدعات حتى في داخل العشيرة الواحدة، وليس هناك أدل من البيان الذي أطل بيه بعض شيوخ عشيرة بني حسن هاجموا من خلاله دعوات جزء من أبنائهم لتعديل الدستور متبرئين من هذه الخطوة. والعنصر الثاني الذي أثار جدلا كبيرا في هذا التعديل هو اختيار تكنوقراط وهذا نهج دأبت عليه الحكومات الأردنية المتعاقبة، بذريعة ضعف الساحة السياسية. ويعتبر كثيرون أنه كان الأجدى بالرزاز إضفاء بعد سياسي على حكومته، خاصة وأن التحديات المقبلة عليها المنطقة في علاقة بخطة السلام الأميركية والمعروفة بصفقة القرن، تحتاج إلى هكذا توجه. وهاجم نائب رئيس الوزراء الأسبق ممدوح العبادي تعديلات الرزاز ووصفها بغير الجدية. وقال العبادي في تصريحات لتلفزيون الأردن إنه تفاجأ بالتعديل الوزاري، إذ كان ينتظر أن يكون أكثر جدية ويضم سياسيين ومسيسين، إلا أنه جاء عادي جدا “تعديل تكنوقراط”. وأضاف “المرحلة الحالية بحاجة إلى سياسيين ومسيسين، ومعروف من هم المسيسون، أما تعديل الرزاز عبارة عن خروج وزير ودخول آخر مماثل له”. وبيّن أن الاقتصاد تقوده السياسة، ولذلك كان على الرزاز إدخال وزراء سياسيين لا اقتصاديين. وأكد العبادي أنه لو عرض عليه العمل في وزارة الرئيس الرزاز كان سيرفض قطعا، كما لو جاء العرض في أي وزارة أخرى، لافتا إلى أن السبب وراء الرفض هو منعه من العمل كما يريد لوجود محددات لذلك. ولم تقف الانتقادات للتعديل الوزاري عند المعايير التي تم اعتمادها في اختيار الوزراء بل طالت أيضا عملية تغيير أسماء بعض الوزارات كوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، التي أصبحت وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة. واعتبر خبراء في القانون أن الخطوة غير دستورية.
مشاركة :