الحمامات الحلبية تستعيد زبائنها بالكبة النيئة

  • 5/11/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عادت عائلات سورية إلى ارتياد الحمامات الشعبية، إحياء لزيارة كانوا يقومون بها أسبوعيا قبل اندلاع الحرب السورية. وكانت الحمامات العامة التقليدية من أساسيات الحياة في حلب منذ قرون، بغرفها الحجرية المشبعة بالبخار ومدلكيها ومغنيها التقليديين. لكن نظرا لوجودها في منطقة معارك بالبلدة القديمة اضطر معظمها إلى الإغلاق. واشتهرت سوريا بحماماتها التي كان يتسابق المعماريون القدماء في زخرفتها وإكسائها بحلّة جميلة حتى أصبحت الحمامات من المعالم التاريخية الهامة التي تميزت بها البلاد. وأُعيد الآن فتح أربعة من نحو 50 حماما عاما في حلب، وعاد بعض الزبائن القدامى إلى تلك الحمامات ومعهم زبائن جدد أصغر من أن تعي ذاكرتهم الحياة في مدينتهم قبل الحرب. ومن هؤلاء الزبائن عمر منصور وصهره مالك وفائي (36 عاما) اللذان كانت من عادتهما الاستحمام في حمام باب الأحمر ليل كل خميس. وفي أول زيارة لهما للحمام بعد الحرب صاحبهما، ولأول مرة، أبناؤهما جهاد (13 عاما) وليث الله (11 عاما) ومحمد نور (10 سنوات) ويزن (5 سنوات). وقال منصور (37 عاما)، وهو سائق سيارة أجرة، إن “الخميس كان موعدنا القار للقدوم إلى حمام السوق، إلا أن ظروف الحرب أقعدتنا تقريبا على امتداد حوالي الثماني سنوات عن ذلك، والآن عادت الأمور إلى نصابها، وتعد هذه الزيارة هي الأولى من نوعها بعد كل هذه السنين وقد قضينا أوقاتا ممتعة”. وأومأ الأطفال برؤوسهم مؤيدين ما قاله بحماس. وتابع أن زيارة الحمام من عاداتهم ولا علاقة لها بأشياء أخرى. وكان الرجلان وأبناؤهما في غرفة الاستقبال المرتفعة ذات القبة، يجلسون على أحد المقاعد الحجرية المثبتة بجانب جدران الغرفة فوق أرضية يغرقها ماء وبها نافورة. ويخلع الزبائن ملابسهم في هذه الغرفة ويلفون أنفسهم بمناشف قبل دخول الجزء الداخلي من الحمام، وهو مكان يشبه متاهة دافئة وغرف تعلوها قباب وممرات بقباب تؤدي في النهاية إلى حوض ماء بارد ومكان معبأ بالبخار.وفي الداخل كان خمسة رجال يجلسون بسراويل سباحة في حجرة صغيرة حول صينية معدنية عليها أطباق محلية، منها الكبة وهو طبق يضم لحما نيئا متبلا مع قمح برغل (كبة نية) وخبزا رقيقا مع جبن. وفي غرفة أخرى، كان بعض الشباب يغنون بصخب أغنيات زفاف، ويحدثون جلبة بأوعية بلاستيكية ويرشون بعضهم بالماء. وتخصص أوقات المساء في الحمام العام للرجال بينما تكون ساعات النهار للنساء. ويغسل الزبائن أجسامهم بصابون الزيتون الحلبي وورق الغار قبل أن يغتسلوا بماء ساخن بأحواض حجرية كبيرة في غرف الاستحمام. وقام مدلك كبير السن بتدليك جلد الزبائن واحدا تلو الآخر وفي يده قفاز خشن يفرك به أجسامهم قبل أن يغرقهم في ماء ساخن ليظهر جلدهم وقد تحول إلى اللون الأحمر. ولاحقا يلف عامل آخر في الحمام مناشف حول أجسام الزبائن بحيث يطوق الخصر والكتفين والرأس بقطعة قماش بيضاء ناعمة قبل عودتهم إلى منطقة المدخل. وتنتشر الحمامات الشعبية التقليدية التي دمرت بعضها الحرب في أنحاء حلب القديمة وتبدو قبابها المميزة مثقوبة مثل المصفاة مع فتحات مستديرة من الزجاج الملون الذي صار حطاما أو سقط في غرف يملؤها ركام وقمامة. وأفاد ثائر خيرالله، مالك حمام باب الأحمر، أن عدد المترددين على الحمام حاليا يقدر بنحو ربع زبائنه قبل الحرب، مرجعا ذلك إلى فرار الكثير من سكان المدينة بسبب الحرب. وأضاف “في السابق كان الناس يتهافتون على الحمام لاسيما يوم الخميس، الآن بدأ الحمام يستعيد بريقه وأخذ السوريون في العودة إلى عاداتهم وتقاليدهم القديمة”. ووراء خيرالله كان موسيقي تقليدي، مسن يعتمر طربوشا وعباءة سوداء مزينة بحواف مذهبة فوق حلته، يعزف على آلة القانون الموسيقية.

مشاركة :