قال آلان وولف نائب المدير العام لمنظمة التجارة العالمية "إن زيادة التعريفات الجمركية كجزء من الصراع التجاري الأمريكي-الصيني، والشلل المحتمل الذي قد يصيب الجهاز القضائي للمنظمة اعتبارا من منتصف كانون الأول (ديسمبر) المقبل، وربط الأمن الوطني بالتجارة، أهم حلقات سلسلة التحديات التي تواجه النظام التجاري المتعدد الأطراف"، عادّا عدم قدرة المنظمة على التطور، وتعديل نفسها لتلبية الاحتياجات الحالية للتجارة الدولية، بمنزلة "التحدي الرئيس". وأوضح وولف، خلال حلقة نقاشية في المنظمة أمس الأول أن التصدي لهذا التحدي الأكبر قد بدأ فعلا، بعد تقديم الاجتماع الوزاري للمنظمة في بوينس آيرس -كانون الأول (ديسمبر) 2017- إنجازين مهمين ووعد بتحقيق الثالث، أحدهما، بداية الاعتراف بأن المنظمة تحتاج إلى الإصلاح، والثاني إطلاق أعضاء مبادرات مشتركة متشابهة التفكير "لا يشترك فيها جميع الأعضاء، لكنها مفتوحة للجميع"، إضافة إلى ذلك، تعهد جميع الأعضاء بكبح جماح إعانات مصائد الأسماك التي تضر بصيادي السمك في البلدان النامية الساحلية. وأضاف وولف، أن "جدول الأعمال الأولي لحركة الإصلاح تم تحديده في اجتماع بوينس آيرس، ويتضمن ضرورة وفاء أعضاء المنظمة بالتزاماتهم بتوفير الشفافية، والحد من استخدام أعضاء المنظمة صفة بلد نامٍ -حالة الصين، على سبيل المثال-، وتصحيح ما تم اعتباره تجاوزا "قانونيا" يؤثر في حقوق الأعضاء والتزاماتهم، وإجراء مراجعة بهدف إصلاح الضوابط التي تحكم المؤسسات المملوكة للدولة، والإعانات الصناعية، وتحديد دقيق لمفهوم "الإفراط"، والنقل القسري للتقنية، فضلا عن مبادرة أوتاوا بشأن عمل منظمة التجارة. وأوضح المسؤول الكبير في منظمة التجارة أن حركة الإصلاح قد تبلورت في تفويض مجموعة العشرين بتقديم تقرير مرحلي حول إصلاح المنظمة في حزيران (يونيو) المقبل في اجتماع القادة في أوساكا في اليابان. ويشمل الابتكار الثاني في بوينس آيرس إنشاء أربع مبادرات مشتركة يتفاوض الأعضاء بشأنها هي التجارة الإلكترونية، وتيسير الاستثمار، والتنظيم المحلي للخدمات، والمشاريع الصغرى والصغيرة والمتوسطة، وتحسين مشاركة المرأة في التجارة. ووقّعت البلدان التي تمثل ثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي العالمي على المبادرات، وهي مفتوحة لأي عضو، وعدّ وولف، ما ستنجزه هذه الجهود ومدى مقبوليتها العامة لن يتحددا إلا في المستقبل. والمرحلة الأولى من الإصلاح، التي بدأ الشروع فيها توا هي صياغة مقترحات، ودفع الأعضاء إلى تبنيها، وفي هذا الإطار، قال نائب المدير العام للمنظمة، "إنه من المحتم أن الزخم الذي يتم بناؤه لن يتباطأ ولن تضعف الطموحات، إذا لم يضِع الوعد الذي قطعته المنظمة بتحقيق ذلك في الخريف المقبل". وأضاف "لن يسبب النجاح أو الفشل اضطرابا في السوق، لكنه سيؤثر في النمو الاقتصادي العالمي على المدى الطويل". وعن التحدي الأول -الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين-، أوضح وولف، أنه متردد في استخدام مصطلح "الحرب"، لأنه حتى لو اقتصرت المواجهة الحالية بين الولايات المتحدة والصين على التجارة، فإن هناك ضررا أكبر بكثير يمكن أن يلحقه كل جانب بالطرف الآخر في حرب اقتصادية واسعة النطاق، لكنه أشار إلى أن الظروف الحالية لا تزال خطيرة، والتكلفة الاقتصادية للصراع بالنسبة إلى العالم "لا تطاق". وقال وولف، "لم تُحسب بعد التكاليف الحقيقية على التغيرات في أنماط الاستثمار، وسلاسل التوريد، وكذلك في الأرباح الضائعة، وارتفاع تكاليف المستهلكين، لكن هناك بعض المؤشرات السلبية، كانخفاض معدل النمو في الصين "بسبب القيود التجارية وأيضا لعدد من الأسباب المحلية"، وتقارير عن اضطرابات في سلاسل التوريد والأسواق من زيادة التعريفات". ويضرب على ذلك مثلا، بشركة "هارلي ديفيدسون" لصناعة الدراجات البخارية، التي اختفت أرباحها، ونقلت بعض مصادر إنتاجها إلى مواقع إنتاج خارج الولايات المتحدة. وذكر وولف، أن التدابير التجارية التقييدية الحالية المتخذة في شكل تعريفات هي مجرد انحرافات من غير المرجح أن تصبح دائمة، لكن هذا لا يعني أنه لن يكون هناك احتكاك مستمر بين الولايات المتحدة والصين لسنوات مقبلة، بما في ذلك التدابير والإجراءات المضادة. وأضاف أن "اختلاف النظم الاقتصادية والوسائل المختلفة المستخدمة لتحقيق الأهداف قد توفر الوقود لاستمرار الشقاق إلى أن يتم إنشاء توازن جديد أو تسوية على سبيل التعايش، مهما كان مؤقتا". وتابع "الدرس المستفاد من صعود اليابان هو أن العلاقات التجارية بينها وبين الولايات المتحدة لم تستقر تماما منذ الستينيات حتى نهاية التسعينيات"، وعلى هذا النحو، يؤكد وولف، أنه "يمكننا أن نعرف ما العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في أي لحظة معينة، لكن اتجاهها، ومعدل التغيير، وتوقيت التغيير المقبل غير قابل للمعرفة". وشدد وولف، على أن منظمة التجارة ليست المنتدى الرئيس الذي تعالج فيه القضايا الأمريكية-الصينية، حيث تحاول الدولتان حل خلافاتهما على الصعيد الثنائي، وهذا من حقهما كدول ذات سيادة وأعضاء في المنظمة، إلا أن هناك آليات مختلفة تتيحها المنظمة يمكن استخدامها، بما في ذلك إجراءات تسوية المنازعات. لكنه أشار إلى أنه لا يوجد دليل يذكر على أن أيا من الطرفين يفكر في إصلاح المنظمة كجزء من تسوية خلافاتهما. وعن التحدي الثاني في كيفية تأثر النظام التجاري بتدابير الأمن الوطني والتعريفات الانتقامية، أوضح وولف، أن تعريفات المنتج الواحد "الألمنيوم والصلب"، والرسوم الجمركية الانتقامية، وتعطيل قطاعات الاقتصاد، وسلاسل التوريد، وقرارات الاستثمار، ليس لها تأثير كبير في النمو الاقتصادي العالمي، حتى الآن. لكن الخطر الاقتصادي الأكبر -بحسب وولف- ينبع من التوسع المحتمل في التعريفات الحالية، واحتمال أن تحذو البلدان الأخرى حذو سياسات الخصوم الحاليين، بيد أنه أكد أنه لا يوجد دليل يذكر على انتشار خطر العدوى في الوقت الحاضر، إذ لا تزال معظم التجارة العالمية تجري حتى الآن وفقا للالتزامات التي قطعها أعضاؤها أمام المنظمة. وعن التحدي الثالث -نظام تسوية المنازعات في منظمة التجارة-، قال وولف، "إن هيئة تسوية المنازعات مكلفة الآن بدراسة اتساق التدابير الحالية في المنظمة"، مضيفا أن "هناك حساسية كبيرة، بطبيعة الحال، لأن يُسمح لأي عضو بإصدار توجيهات لفريق تسوية المنازعات بشأن المواضع التي ينبغي أن يقف عندها، متذرعا باستثناءات الأمن القومي من قواعد المنظمة، وهذه من المسائل التي لم يتم التقاضي بشأنها حتى الآن خلال السنوات الـ70 من تاريخ الفقه القانوني لمنظمة التجارة وسلفها "جات". وعدّ نائب المدير العام للمنظمة، التي تتألف من 164 دولة ذات سيادة "بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي"، السجل العام لإنجازات المنظمة "قويا"، بما في ذلك تجنب عودة التدابير الحمائية بشكل كبير خلال الأزمة المالية 2008، عادّا ذلك بمنزلة "اختبار رئيس للإجهاد"، خضع له النظام التجاري الدولي عدة سنوات، وعبَره بنجاح. لكنه أشار إلى أنه من المؤكد أننا لا نعرف ما الذي سيجلبه الركود المقبل -فالمستقبل غير معروف- وعليه فإن تعزيز القواعد أمر منطقي الآن.
مشاركة :