إن تعريف الجريمة في التشريع الإسلامي هو: محظورات شرعية زجر الله عنها بحد أو تعزير، والجناية في الشريعة الإسلامية مرادفة للفظ الجريمة، وبهذا تكون كل جريمة جناية والعكس بخلاف الأنظمة الوضعية التي تفرق بين الجريمة والجناية، فتعريف الجناية عندهم هو: جريمة يعاقب عليها القانون بعقوبة شائنة.. فالجريمة عندهم عامة شاملة بخلاف الجناية التي هي الجريمة الجسيمة فهي نوع من أنواع الجرائم. وقد تميزت السياسة الشرعية في التجريم على سياسة التجريم في القوانين الوضعية بعدة أمور: في المصدر: فالشريعة الإسلامية مصدر التجريم فيها هو الأمر الإلهي الشرعي المعصوم سواء كان في الكتاب أو السنة أو الإجماع ثم يتبعها الأدلة الأخرى، فالمصدر وهو دين معصوم من الخطأ والزلل والاندثار، بل محكوم عليه بالحفظ من الله - جل وعلا -. أما مصدر التجريم في القانون الوضعي فهو آراء البشر وأهواؤهم، ولذلك نجد من الخلل والاضطراب وكثرة التغيير والتبديل، مع عدم الاحترام لها، لأن ما تراه الأكثرية البرلمانية تم إقراره حتى لو كان جريمة، وما لا تراه الأكثرية البرلمانية يجرم ولو لم يكن كذلك.. ولعدم عصمة هذا المصدر واضطرابه في القانون الوضعي، فما كان جريمة بالأمس سيصبح غير مجرم غداً، والعكس، بناء على أكثرية برلمانية، أو نظرية فلسفية.. لذلك يترتب على كون أحكام الشريعة من عند الله أمران هامان لا يمكن توفرهما في القوانين الوضعية: الأول: ثبات القواعد الشرعية واستمرارها: حتى لو تغير الزمان والحكام أو اختلفت أنظمة الحكم، فهي ثابتة وصالحة لكل زمان ومكان منذ نزول الوحي على محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. الثاني: احترام القواعد الشرعية احتراماً تاماً: بحيث يستوي في ذلك الحاكم والمحكوم، لأن كليهما يعتقد أنها من عند الله، وأنها واجبة الاحترام، وأن هذا الاعتقاد يحمل الأفراد على طاعة القواعد الشرعية واحترامها، وعدّ التحايل عليها انقياداً لأمر الله الذي قال: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} (57) سورة الأنعام. حماية القيم الأخلاقية: لقد اهتم التشريع الإسلامي اهتماماً بالغاً في أحكامه بمراعاة القيم الأخلاقية وحرصه على حمايتها، حيث يعاقب على كل الأفعال التي تمس الأخلاق، وتحظر التّعدي عليها، وتسعى لإعلاء شأن الأخلاق والقيم، لأنها مصلحة حقيقية للإنسان تحفظ كيانه وتصون كرامته.. والعلة في ذلك التشريع يقوم على الدين الذي يأمر بمحاسن الأخلاق وبدعو لها. أما القوانين الوضعية فقد استهانت في موضوع الأخلاق والقيم في سياسة التجريم لديها، وهذا راجع لأنها لا تقوم على أساس الدين، وإنما تقوم على أساس الواقع المادي، وما تعارف عليه الناس من عادات وتقاليد وتوافقوا عليها، ولذلك لا نجد القوانين الوضعية تجرِّم جريمة الزنا بإطلاق، ولا شرب المسكر بإطلاق، بل لقد عدّت الأفعال التي انتهكت القيم الأخلاقية من باب الحرية الشخصية، مع انطواء هذه الانتهاكات على تهديد لمصالح إنسانية كبرى. ويترتب على هذا التفريق بين الشريعة والقانون الوضعي، هو زيادة عدد الأفعال التي تكون الجرائم الأخلاقية، فبتسع مداها في البلاد التي تطبق الشريعة الإسلامية، وبالتالي يرتفع مستوى الأخلاق والقيم فيها، أما البلاد التي تطبق القوانين الوضعية يلاحظ انخفاض عدد الأفعال التي تكون جرائم أخلاقية، بل انعدامها في أغلب الأحيان، وبالذات في المجتمعات الغربية، مما يؤدي إلى انحطاط الأخلاق إلى أدنى دركاتها، وتفشي الإباحة والبهيمية بشكل كبير، مما هو ملاحظ ومشاهد في أكثر البلاد التي تطبق القوانين الوضعية. حفظ مصلحة الجماعة: لقد سعت الشريعة الإسلامية في أحكامها للمحافظة على مصالح الأمة، وصيانة نظامها وضمان بقائها قوية متضامنة، وكذلك القوانين الوضعية وافقت الشريعة في ذلك، لكن الطريقة اختلفت لاختلاف المصدر والمنهج، وبالتالي لم تحقق القوانين الوضعية ما حققته الشريعة في حفظ مصالح الجماعة.. لأن نظرتها آنية مؤقتة، والنظرة الشرعية نظرة ثابتة مستمرة.
مشاركة :