لندن/بروكسل - قالت مصادر مطلعة على المحادثات بين إيران والاتحاد الأوروبي، إن طهران تصر على تصدير ما لا يقل عن 1.5 مليون برميل من النفط يوميا، بما يعادل ثلاثة أمثال المستويات المتوقعة في مايو/أيار في ظل العقوبات الأميركية، شرطا للبقاء في الاتفاق النووي العالمي. وأوضحت أربعة مصادر دبلوماسية أوروبية أنه جرت اتصالات بخصوص هذا الرقم خلال اجتماعات عُقدت في الآونة الأخيرة بين مسؤولين إيرانيين وغربيين من بينهم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، لكنه لم يُدون كتابة. وكانت الولايات المتحدة أعادت فرض عقوبات على صادرات النفط الإيرانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الربيع الماضي انسحاب بلاده من الاتفاق المبرم في 2015 بين إيران وست قوى عالمية لكبح برنامج طهران النووي. وفي محاولة لوقف صادرات الخام الإيرانية بالكامل، أنهت واشنطن بداية من مايو/أيار إعفاءات سمحت لكبار مشتري الخام الإيراني بالاستمرار في استيراده لمدة ستة أشهر. وتسببت العقوبات بالفعل في خفض صادرات النفط الإيرانية لأقل من النصف إلى مليون برميل يوميا أو دون ذلك، من ذروتها البالغة 2.8 مليون برميل يوميا في العام الماضي. وقال مسؤول إيراني هذا الشهر إن الصادرات قد تهبط إلى نحو 500 ألف برميل يوميا بداية من مايو/أيار. وهددت إيران بغلق مضيق هرمز وهو مسار رئيسي لشحنات النفط وعرقلة شحنات الخام من البلدان المجاورة إذا نجحت واشنطن في إجبار جميع الدول على وقف شراء النفط الإيراني. وفي العام الماضي، حدد الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي مجموعة من الشروط للقوى الأوروبية إذا أرادت استمرار التزام طهران بالاتفاق النووي ومن بينها مواصلة مشتريات النفط الإيراني. ولم يحدد خامنئي أدنى مستوى لمبيعات النفط تقبله إيران كي تظل ملتزمة بالاتفاق أو تبقي المضيق مفتوحا. ووفقا لأحد المسؤولين بالاتحاد الأوروبي، لم يكن الإيرانيون محددين، لكنهم يريدون ضمان عودة الإنتاج إلى مستويات ما قبل العقوبات. وقالت مصادر أخرى إن طلب إيران يبدو بصفة عامة في نطاق ما بين 1.5 مليون ومليوني برميل يوميا. وقال أحد المصادر "قال ظريف تحديدا إنهم يريدون بيع مليوني برميل من النفط (يوميا)، وهو ببساطة المستوى الذي كانت تصدره إيران قبل انسحاب ترامب من الاتفاق". وأضاف المصدر الذي حضر اجتماع نيويورك، حيث أدلى الوزير بتصريحاته "غير أنني لا أعتقد أنه طلب جاد، فهو غير ممكن والإيرانيون يعلمون أنه غير ممكن". وذكر ظريف أيضا خلال نفس الزيارة لنيويورك في أبريل/نيسان أن إيران قد لا تبيع سوى ما بين 500 ألف و700 ألف برميل من النفط يوميا. وقال عباس عراقجي نائب وزير الخارجية الإيراني الأسبوع الماضي إنه كي تظل طهران ملتزمة بالاتفاق النووي، يجب أن تصل مبيعات النفط الإيرانية إلى مستواها قبل العقوبات، أو على الأقل "تبدأ عملية العودة" إلى هذا المستوى. وأضاف عراقجي أن إيران تشترط أيضا أن تكون إيرادات تصدير النفط تحت تصرفها بالكامل وتنفقها كيفما تشاء وليس فقط على الغذاء والدواء مثلما تقترح دول الاتحاد الأوروبي. وبحسب ميزانية إيران للعام الحالي، من المتوقع أن تجني الحكومة ثلث دخلها - 1425 تريليون ريال (33.9 مليار دولار) - من صادرات النفط والغاز. وتستند الميزانية إلى سعر متوقع للنفط يتراوح بين 50 و54 دولارا للبرميل وسعر صرف للدولار يبلغ 57 ألف ريال، مما يعني أن الاقتصاد الإيراني قد يظل على مسار مستدام إذا بلغت صادرات الخام 1.5 مليون برميل يوميا على الأقل. وتشير تقديرات مسؤولي الاتحاد الأوروبي أيضا إلى أن إيران تحتاج لبيع 1.5 مليون برميل من النفط يوميا كي يبقى اقتصادها صامدا. وإذا قلت الصادرات عن مليون برميل يوميا فإن ذلك قد يجلب مصاعب ويثير أزمة اقتصادية. وتذهب حصص من مبيعات النفط الإيرانية إلى صندوق الثروة السيادي في البلاد وإلى شركة النفط الوطنية الإيرانية لتغطية نفقات الإنتاج وغيرها من التكاليف. وخفض الرئيس الإيراني حسن روحاني هذا العام الحصة المخصصة لصندوق الثروة السيادي من إيرادات النفط من 30 بالمئة إلى 20 بالمئة، بسبب توقعات انخفاض الصادرات جراء العقوبات الأميركية. وتجني الحكومة أيضا إيرادات من تصدير الغاز إلى عدد من الدول المجاورة. وانخفضت صادرات إيران من النفط خلال العقوبات السابقة في 2012 إلى نحو مليون برميل يوميا، مما دفع التضخم إلى الصعود. وتعهد المسؤولون الإيرانيون بالحيلولة دون حدوث ارتفاعات مماثلة في الأسعار مستقبلا. غير أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يدفع تشديد العقوبات الأميركية التضخم في إيران إلى 37 بالمئة هذا العام وهو أعلى مستوى له منذ 1995. وبعد أن كانت يوما أكبر مورد لأوروبا، شهدت إيران صادراتها تنقطع تدريجيا عن المشترين الأوروبيين. وحتى الصين وهي أكبر مشتر للنفط الإيراني بواردات بلغت 475 ألف برميل يوميا في الربع الأول من العام الحالي، توقفت عن الشراء من طهران بعد أن قررت واشنطن عدم تجديد الإعفاء من العقوبات. وقال دبلوماسي أوروبي كبير "المشكلة الحقيقية بالنسبة لإيران هي صادرات النفط، لكنه سؤال يتعين على الإيرانيين أن يطرحوه على الصينيين والهنود. استمرار هذا الاتفاق هو التزام عالمي وليس أوروبيا فحسب كما يواصل الإيرانيون الزعم بأنه اذا أردنا إنقاذ الاتفاق، فعلى الصينيين أن يواصلوا شراء النفط." وفي حين انتقدت بكين العقوبات الأميركية، فإن الشركات تفضل أخذ جانب الحيطة. ولم تشتر مجموعة سينوبك ولا مؤسسة النفط الوطنية الصينية، أكبر شركتي تكرير مملوكتين للحكومة الصينية، أي كميات من النفط الإيراني للتحميل في مايو/أيار. وتقول إيران إنها ستبيع النفط في "سوق رمادية" لتفادي العقوبات الأميركية، لكنها لم تذكر المزيد من التفاصيل. وبعد عام من انسحاب واشنطن من الاتفاق، أعلنت إيران يوم الأربعاء خطوات لتخفيف القيود على برنامجها النووي. وفي رسائل إلى موقعي الاتفاق الباقين: بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين، حدد روحاني مهلة 60 يوما لحماية مصالح بلاده أو مواجهة استئناف تخصيب اليورانيوم عند مستوى عال. لكن الرسالة لم تذكر المطالب الاقتصادية لإيران وتحديدا حجم النفط الذي ترغب في بيعه، حسبما ذكر أحد الدبلوماسيين. وقال مصدر آخر "أخذوا (الإيرانيون) خطوة صغيرة بعيدا عن الاتفاق. أعتقد أنهم سيرضون بخطوة صغيرة مماثلة من أوروبا. الخطوة المماثلة لن تكون بخصوص النفط. لا أعتقد أن هناك الكثير الذي يمكن القيام به على صعيد النفط."
مشاركة :