لماذا تفشل فيسبوك في إصلاح ذاتها؟ تكرر هذا السؤال أكثر من مرة مع انتشار الخطابات التي تعتمد لغة التطرف والكراهية، وتهمة التدخل في الانتخابات في مختلف أنحاء العالم، وانتشار أدلة تشير إلى انتهاك الموقع لخصوصية مستخدميه. إن الإجابة معقدة، مع أسباب تشمل مدى توسع الموقع ونموذج أعماله وقيوده التقنية، بالإضافة إلى مروره بسنوات من النمو الجامح. ولا يجب تجاهل العنصر البشري في هذا المزيج من العوامل. اكتشف العالم مؤخرا قيام فيسبوك بإنشاء مقاطع فيديو احتفالية عن غير قصد تظهر بعض المحتوى المتطرف. كما يروج الموقع تلقائيا لصفحات تجارية شملت بعضها منصات تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة. وأعلنت الشركة أنها تعمل على إيجاد حلول وأن حدّة المشكلات بدأت تخف. تعتبر هذه التصريحات صحيحة، لكن النقاد عبروا بشكل متواصل عن عدم رضاهم مع استمرار بث محتوى يصوّر حوادث إطلاق نار على مجموعات على أساس عرقي وديني على المباشر، وينشر أخبارا كاذبة وشائعات تتضمن دعوة إلى العنف والقتل. ويقول هاني فريد خبير التحاليل الرقمية الجنائية في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، إن رد الشركة كان بطيئا في التعامل مع محتوى يصور اعتداءات جنسية على أطفال وأعمالا إرهابية، وبعض مظاهر الفكر العنصري الذي يدعي سيادة البيض، والتنمر، وينشر مواد إباحية مبنية على إكراه الأطراف المصورين بالقوة. كما تشمل خاصيات الموقع السماح للمعلنين باستهداف فئات مثل معادي اليهودية، وذلك لأن بعض المستخدمين أدرجوا المصطلح ضمن اهتماماتهم. ومع ظهور مشكلات جديدة، بقيت طريقة تعامل الشركة معها ثابتة. تعتذر الإدارة وتعد بإجراء تغييرات، كما تشير أحيانا إلى أنها لم تتوقع سهولة إساءة استخدام برنامجها الأساسي لخدمة الجهات الفاعلة الضارة. وفي الآونة الأخيرة، أكدت الشركة تحسنها من الناحية الفنية عبر استخدامها تقنية الذكاء الاصطناعي لاكتشاف المشكلات لتخصص المزيد من الأموال والجهود لإصلاحها بعد ذلك.وردّت إدارة فيسبوك على ترويج الموقع لبعض الصفحات تلقائيا، مؤكدة أنها وظفت استثمارات ضخمة أصبحت بفضلها قادرة على اكتشاف وحذف المحتوى الإرهابي أفضل من أي وقت مضى. وأضافت “نحن لا ندعي عثورنا على كل المحتوى المسيء، لكننا متيقظون في جهودنا ضد الجماعات الإرهابية التي تروج لنفسها من جميع أنحاء العالم”. شهدت الشركة بعض النجاحات في مسيرتها. وفي أواخر عام 2016، نفى مؤسس شركة فيسبوك مارك زوكيربرغ فكرة تأثير الأخبار الزائفة المنشورة على موقعه، على الانتخابات الرئاسية الأميركية حينها، ووصفها بأنها “مجنونة”. وفي وقت لاحق تراجع عن موقفه، وعملت الشركة على تقليص كمية المعلومات الخاطئة التي يبثها مستخدموها منذ ذلك الحين. وبينت نتائج العديد من الدراسات المستقلة تقدم الإدارة في هذا المجال. كما تطور تعامل زوكيربرغ مع الثغرات المشابهة، وأصبح يعترف بأخطائه ويقدم الاعتذارات إلى الجمهور والمشرعين كلما تطلب ذلك. لكن، حتى عندما تنجح الشركة في مواجهة مشكلة واحدة، تظهر مشكلات أخرى لتعوضها. وقد يرجع ذلك إلى تشكيلة الموقع نفسها. ويعتمد نموذج عمله على أكبر عدد ممكن من الأشخاص الذين يستخدمونه قدر الإمكان، تاركين وراءهم تفاصيل شخصية يمكن أن يستهدفها المعلنون. وقال سيفا فيديانياثان وهو أستاذ في الدراسات الإعلامية في جامعة فيرجينيا إن فكرة فيسبوك صممت لتستقطب أفرادا عاديين من المجتمع، غير حاملين لنوايا خبيثة. أراد الموقع أن يجمع بين الأشخاص المسالمين، ليبرمجوا أعياد ميلادهم ويتلقوا التهاني، ولينشروا صور جرائهم الجديدة، وليحسنوا معاملة الآخرين، في الأساس، صمم الموقع لسلالة أفضل من الإنسانية. لكن إذا حمل 1 بالمئة من الأشخاص البالغ عددهم 2.4 مليار نسمة نوايا خبيثة، فهذا يمثل 24 مليون شخص. وذكّر فيديانياثان برواج أخبار كل أسبوعين، تفيد بأن الإدارة تحذف بعض الصفحات وتعد بتوظيف المزيد من الكفاءات وتطوير الذكاء الاصطناعي وما إلى ذلك، لكن جهود فيسبوك لن تكون كافية للقضاء على جميع المشكلات جذريا. ودعا كريس هيوز، الذي ساعد زوكيربرغ على تأسيس فيسبوك عندما كانا طالبين في جامعة هارفارد، إلى تفكيك عملاق وسائل التواصل الاجتماعي في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز الخميس الماضي. وقال إن الشركة ستظل مربحة مع امتلاكها المليارات من الدولارات التي تستطيع استثمارها في تقنيات جديدة. ويرى فيديانياثان الحل في وضع قواعد تنظيمية ومعايير حكومية صارمة على نطاق القوانين التي تحد من قدرة الشركات على تجميع البيانات المدرجة فيها واستخدامها لحصد أرباح من الإعلانات. وقال “يجب أن نعالج البنية التحتية المادية لفيسبوك. هذا ما يتعين علينا استهدافه”.
مشاركة :