أقرّ البرلمان الفرنسي أمس خطة لإصلاح السكك الحديد، ما يؤكد فشل الاتحادات النقابية الرافضة هذا الإصلاح، في إرغام الحكومة على التراجع عنه، على رغم تحركاتها وإضراباتها المتقطعة التي نغّصت حياة المواطنين، منذ نيسان (أبريل) الماضي. ووافق مجلس الشيوخ الفرنسي على الخطة، بغالبية 145 صوتاً في مقابل معارضة 82، بعد موافقة مجلس النواب عليها بغالبية ساحقة. وكان اتحاد «سي أف دي تي» النقابي استبق إقراراً للخطة بدا حتمياً، بإعلانه تجميد مشاركته في الإضراب، للامتناع عن الإضرار بتلاميذ عليهم التنقل لإجراء امتحانات شهادة البكالوريا. لكن الاتحادات النقابية الأخرى رفضت تجميد الإضراب، وأكدت استمرارها في الاحتجاجات حتى 28 الشهر الجاري، وهو الموعد المحدد لإنهائه. ويعكس هذا التباين في المواقف انقساماً بين الاتحادات النقابية، كان ضمن أسباب أدت إلى تراجع زخم التحرك الاحتجاجي الذي استهدف دفع الحكومة إلى التراجع عن خطتها الإصلاحية. وساهمت أسباب أخرى في الحدّ من فاعلية التحرك وعدم استفادة المحتجين من دعم سياسي ملحوظ، أبرزها تلاشي القوى المعارضة الفرنسية، من يسار ويمين. إضافة إلى أن المضربين لم يوفقوا في كسب تأييد الرأي العام لتحركهم، على رغم تلويحهم بأن خطة إصلاح السكك الحديد تمهد لإضعاف القطاع العام في فرنسا. وانطلاقاً من إدراكها هذا الواقع، تمسكت السلطات بخطتها التي تعتبر أنها ستؤدي إلى تحديث قطاع السكك الحديد وخفض إنفاق غير مجدٍ يتسم به، لتمكينه من مواجهة متطلبات المنافسة مع شركات القطارات الأوروبية الأخرى. ويعاني هذا القطاع في فرنسا من مديونية عالية، تبلغ نحو 46 بليون يورو، وافقت الحكومة الشهر الماضي على تحمّلها على دفعتين، بين عامَي 2020 و2022. وفي ما خلا هذا التعهد، فشلت الاتحادات النقابية في انتزاع أي تراجع من الحكومة، مرتبط بمضمون خطتها، لا سيّما على صعيد تعديل الوضع القانوني للعاملين الجدد الذين سيلتحقون بالقطاع، والذين لن تكون وظائفهم مضمونة طيلة مدة خدمتهم. وبرّرت الحكومة إصرارها على إلغاء هذا الامتياز، بضرورة تحقيق انسجام بين شروط العمل في قطاع السكك الحديد الفرنسي، وتلك المعتمدة في قطاعات منافسة له. وواضح أن حصيلة هذه المواجهة بين إرادتَي الحكومة والنقابات جاءت لمصلحة الأولى، وشكّلت ضربة قاسية للوسط النقابي الذي أرعب حكومات فرنسية متتالية، وبات يلمس مقدار التراجع الذي أصاب نفوذه. وبات في إمكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المضيّ في إقرار إصلاحاته المتعددة التي تعهد بها، مطمئناً إلى عدم وجود قوى مناهضة قادرة على تعطيل توجهاته. لكن الواقع المستجد في فرنسا، على ضوء انحسار تأثير النقابات، بعد انحسار مشابه لموقع قوى المعارضة وتأثيرها، يثير لدى بعضهم مخاوف على مستقبل ديموقراطية متحررة من أي ضوابط. شارك المقال
مشاركة :