عقود زمنية أربعة أو تزيد مرّت على مجتمعاتنا العربية المختلفة ومعظمها تحت السطوة الفكرية، وبعضها السياسية، من قبل – تيارات الإسلام السياسي – التي احتكر معظم مشايخها الفضيلة والنصح والإرشاد، مُنكرين على الآخرين المختلفين عنهم فكرياً أو سياسياً أو عقائدياً تصرفاتهم واجتهاداتهم وحرياتهم الشخصية في التعبير والتصرف أو حتى التبعية.. هذه الجماعات أو الأحزاب على اختلاف مسمياتها – والتي مع الأسف – طلقت وجوه بعض أتباعها السماحة التي بشَّر بها الإسلام ولبست الجَهَامة.. وطلقت حناجرهم النصح بالمعروف وبدلتها بالصراخ والتهديد والوعيد بالويل والثبور وعواقب الأمور.. كما طلقت سلوكياتهم الستر والتناصح بالسر إلى كشف عيوب الناس من على المنابر وحتى الضرب بالعصا لمن يخالفهم في الملبس أو السلوك، وحتى التفجير والتدمير للمختلفين عنهم سياسياً أو فكرياً. قَسَّمت هذه الأحزاب والتيارات مجتمعاتنا ودولنا الإسلامية إلى دار سلم ودار حرب حتى تزايد الشقاق بين فئات المجتمع الواحد، وأحياناً بين أفراد الأسرة الواحدة.. صبغوا مناهج تعليمنا بصبغة التشدد وإنكار الآخر وعدم التسامح، وخلخلوا هويتنا العربية التي نعتز بها إلى الهوية الدينية الأممية التي لا تعرف لها وطنا.. وهجّروا شبابنا الواعد إلى ساحات حرب وقتال لا ناقة لنا فيها ولا جمل.. وجرّوا معظم مجتمعاتنا إلى الخلف في الوقت الذي تتسارع فيه دول العالم إلى التقدم والتطور. وها هم أو بعضهم اليوم يعتذرون عن أعمالهم التي مارسوها خلال الصحوة على حد قولهم.. ولا نعلم أهي صحوة متأخرة أم هو تكتيك سياسي لتخفيف الضغوط، ومهما كان الحال.. فمن سيدفع ثمن كل ما حدث في مجتمعاتنا من تناحر وحروب وتشدد.. وهل اعتذاركم أيها السادة سيعيد للسودان هدوءَه، وللعراق زهوه، ولمصر عافيتها، ولليمن سعادته، وللبنان وسوريا لُحْمتهما، ولمجتمعاتنا الخليجية تآلفها وتآخيها، ولشبابنا عمره الذي أضاعه في النظر إلى الماضي بدلاً من تطلعه إلى المستقبل، وإلى ديارنا العربية موقعها على الخريطة الإنسانية؟! أسئلة كثيرة لا نعرف جوابها ولا يستطيع أهل الصحوة أنفسهم معرفة مآلها، ولكنها، والله، أزمة حقيقية تعيشها معظم بلادنا العربية ومجتمعاتنا المغلوبة على أمرها، التي عانت من الاستعمار ثم من تسلط الأحزاب السياسية وسلطة الأفراد والجيش ثم من تسلّط التيارات الإسلامية المتشددة ومن ظلم من أطلق العنان لهذه الصحوة، ومن سيعلن خلال أيام بدء نهايتها بتجريمها كحركات إرهابية – وفهمكم كفاية على حد قول العرب – والله يعلم كم من وقت سنحتاجه لإحداث الصحوة الحقيقية لترميم واقعنا وإعادة الاعتدال لإسلامنا وصرف شبابنا إلى مستقبلهم وبناء نسيج مجتمعاتنا التي مزقها التفرق.. ولكن لا مفر من البدء في ذلك.. والله الموفق وهو المعين. * تناقلت وسائل الإعلام العربية والعالمية ومواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب اعتذارات بعض مشايخ التيارات الإسلامية! د. موضي عبدالعزيز الحمود
مشاركة :