جيل الألفية يهز قواعد الصناعات الغذائية

  • 3/21/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أندي وارهول يعلم ما كان يفعله. في أوائل الستينيات، عندما كان يتطلع لإثارة ضجة في عالم الفن الحديث، ركز جهوده على صورة مألوفة لدى جمهوره، مثلما كان تمثال "الشفقة" بالنسبة لمايكل أنجلو – وهو علبة الحساء من شركة كامبل. كانت سلعة استهلاكية ورمزا للعصر على حد سواء. بالأحمر والأبيض، وعدت بالراحة للمستخدم بمجرد أن كانت محتوياتها المختصرة تخلط مع الماء، وتسخن وتقدم. لكن النماذج القديمة لوارهول تواجه الآن سوء الحظ. شوربة شركة كامبل المشهورة في كامدن في ولاية نيو جيرسي، التي تأسست في عام 1869، بدأت تفقد الإقبال عليها من المستهلكين في الولايات المتحدة. حساء كامبل المكثف لم يعد من الفن الحديث. بل أصبح رمزا للأيام الماضية، عندما كان يمكن للأمريكيين الاعتماد عليه لملء مخازنهم بالعلامات التجارية الغذائية المصنعة، التي كان يتم الإعلان عنها بلا هوادة على شبكات التلفزيون الكبرى الثلاث. اليوم، هناك ثورة جارية في محال السوبر ماركت في الولايات المتحدة. جيل الألفية الذي يتمتع بمزيد من الوعي الصحي يتخلى عن طعام الراحة الذي كان للآباء، المولودين في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، في سبيل الحصول على مأكولات طازجة أكثر، وطبيعية أكثر، وبروتينات من مختلف الأنواع. الأعداد المتزايدة من السكان المهاجرين يؤججون الطلب على أنواع مختلفة من المؤن. المستهلكون المحاصرون يشترون العلامات التجارية المخزنة بأقل تكلفة في متاجر التجزئة الأساسية، أو يطبخون أقل ويتناولون الطعام في الخارج أكثر حتى يتمكنوا من العمل لساعات أطول. والنتيجة هي أنه حتى مع تعافي الاقتصاد الأمريكي، بعض شركات الأغذية المعروفة في البلاد - بعض العلامات التجارية الأكثر ديمومة لديها – ما زالت تعاني. مبيعات حساء كامبل المكثف تراجعت 3 في المائة على أساس سنوي خلال الأشهر الستة الأخيرة من النتائج المعلنة. وخلال الربع الأخير، انخفضت إيرادات أمريكا الشمالية لحبوب شركة كيلوج وغيرها من أطعمة الصباح بنسبة 7.7 في المائة، في حين أبلغت شركة كرافت فودز، وشركة نورث أمريكان لأعمال البقالة، التي تعد عملاقة المنتجات الاستهلاكية، عن انخفاض المبيعات بنسبة 6.6 في المائة في الوجبات والحلويات، بما في ذلك المعكرونة والجبن الذي يعبأ في صندوق. وبلغ من صخب واضطراب أوقات الطهي أن بعض منظمات التسويق الأكثر نجاحا في التاريخ تعترف بأنها فقدت الاتصال مع الناس الذين يشترون منتجاتها. جون كاهيل، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة كرافت، كان كمن يتحدث بلسان حال الصناعة عندما أصدر بيانا يعترف فيه بالإهمال غير العادي هذا العام، بينما كان ينظف الشركة من الداخل، وهو إجراء أنهى خدمات كبار المسؤولين التنفيذيين بمن فيهم كبير الإداريين الماليين لديه، وأضاف منصبا جديدا هو "نائب رئيس مبادرات النمو". قال كاهيل "من الواضح أن عالمنا تغير وتغير المستهلكون لدينا". وأضاف "لكن شركتنا لم تتغير بما فيه الكفاية". ومثلما هو الحال مع الثورات في كثير من الأحيان، كانت هذه ثورة قيد التحضير منذ مدة طويلة. وكما فصّل مايكل موس في كتابه عام 2013 بعنوان "ملح سكر دهون: كيف أمسكت بنا شركات الأغذية العملاقة"، مجموعات الأطعمة الجاهزة الأمريكية ازدهرت لعقود من خلال السعي إلى العثور على كميات محددة من هذه المكونات من أجل إنتاج أقصى قدر من المتعة للمستهلك. بالنسبة للسكر، كان يعرف باسم "نقطة النعيم". وساعدت هذه الاستراتيجية صناع المواد الغذائية على زيادة المبيعات، ولكن أيضا جعل عملاءهم أكثر عرضة للسمنة وأمراض القلب وأمراض أخرى. تغير الأجيال وبالكاد يستطيع الأمريكيون التخلص من إدمانهم على الملح والسكر أو الدهون، لكن تجربة شركات الأغذية الكبيرة تظهر أنهم يحاولون، مع وجود شباب يأخذون زمام المبادرة. جيل الألفية يهز الصناعات الغذائية، ويطالب بمنتجات منخفضة الملح والسكر أو الدهون وغنية بالبروتين أو المواد المضادة للأكسدة، أو خالية من النكهات الاصطناعية وكذلك الألوان الاصطناعية والمواد الحافظة والكائنات المعدلة وراثيا والجيلوتين أو غيرها من المكونات التي تعتبر مضرة بصحتهم. إنهم يريدون معرفة الطريقة التي يتم بها صنع طعامهم - ومن يصنعه. البراعة تتحدى كرافت. يقول جاريد كيورتن، وهو محلل أول للغذاء في شركة أبحاث السوق يورومونيتور في شيكاغو "إنهم لن يأكلوا ما كان يأكل آباؤهم". ويضيف "إنهم يبحثون عن شيء مختلف – شيء يتميز بالبراعة. هناك عدم اهتمام عام بالعلامات التجارية". وعلى النحو الذي انجذب فيه جيل الألفية إلى نبات الكينوا واللفت والزبادي اليوناني، كان عشرات الملايين من المهاجرين وأبناؤهم يتعاملون بإهمال مع العلامات التجارية الكبرى عن طريق شراء الأطعمة التقليدية من مقدمي الخدمات الذين يتكلمون لغتهم - إما من الناحية الحَرفية أو لمذاقها. جويا الموجودة في ولاية نيو جيرسي، أكبر شركة لصناعة الغذاء مملوكة للإسبان في الولايات المتحدة، شهدت قفزة في مبيعاتها بلغت 9 في المائة في العام الماضي، كما تقول يورومونيتور، وهي تفتتح مراكز جديدة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بما في ذلك مركز في هيوستن لديه القدرة على إنتاج ألف علبة فاصوليا في الدقيقة. وسلاسل البقالة من أصل إسباني، مثل مراكز مأكولات مي بويبلو في ولاية كاليفورنيا وسوبر ماركت سيدانو في فلوريدا، تنمو على قدم وساق. جون ستانتون، وهو أستاذ في تسويق الأغذية في جامعة سانت جوزيف في فيلادلفيا، يقول "إن شركات الأغذية الكبيرة يمكن أن تفعل ما هو أكثر من أجل أن تكون جذابة في أعين المستهلكين من أصل إسباني – مثلا، عن طريق استخدام اللغة الإسبانية في التسميات". ويضيف "التركيبة السكانية تنساب بعيدا عنهم. لا أعتقد أنهم يواكبون السكان من أصل إسباني". زحف «عرقي» الخطر الذي يلوح في الأفق بالنسبة للعلامات التجارية الأمريكية ذات الطعم العادي هو أن بعض الأطعمة "العرقية" اليوم ستصبح أطعمة الغد الأمريكية، بالطريقة التي أصبحت بها البيتزا وخبر البيجل. منذ الآن، البهارات الحارة التي يفضلها المستهلكون الإسبان والآسيويون - مثل صلصة الفلفل الحار، سريراتشا، مفضلة لدى "عشاق الطعام" الأمريكيين – تنافس بقوة صلصة الطماطم الكاتشب. في عام 2000 اشترى الأمريكيون ما قيمته 696 مليون دولار من الكاتشب و229 مليون دولار من الشطة وصلصة الفلفل الحار، وفقا ليورومونيتور، التي عدلت أرقامها لاحتساب أثر التضخم. وبحلول عام 2014، كانت الأرقام 811 مليون دولار للكاتشب و608 ملايين دولار للعلامات المنافسة الحارة. وما يزيد من المشكلات التي تعانيها شركات الأغذية الكبرى أن بعض علاماتها التجارية المعروفة جيدا قد لا تكون ملائمة بما فيه الكفاية بالنسبة لمستهلكي اليوم. خلط الحساء المكثف مع الماء، أو صب الحليب على وعاء من الحبوب الباردة، من المحتمل جدا أن يأخذ كثيرا من الوقت بالنسبة للعمال الذين يكدحون في وظيفتين، أو يأكلون بيد واحدة بينما يحملون آيفون في الأخرى. وبحسب أرقام الإحصاء الأمريكي، ينفق الأمريكيون الآن في المطاعم والحانات ما يقارب المبلغ نفسه الذي ينفقونه في محال البقالة، وهو تطور يشكل علامة، على الأقل جزئيا، على ضغوط القرن الحادي والعشرين. وانخفاض أجور الأمريكيين من ذوي الدخل المنخفض يمثل تحديا آخر. فقد اكتسبت العلامات التجارية للمتاجر الأقل تكلفة، المعروفة أيضا باسم العلامات التجارية الخاصة، حصة سوقية خلال فترة الركود، ويغلب على ظن المحللين أنها يمكن أن تحقق مزيدا من النجاحات. شركة ألدي، متاجر البقالة الألمانية منخفضة التكلفة التي تبيع أساسا العلامات التجارية الخاصة بها، أعلنت العام الماضي خططا لإضافة 650 متجرا آخر في الولايات المتحدة، بما في ذلك في جنوب كاليفورنيا الذي ستدخله الشركة للمرة الأولى، ليصبح مجموع متاجرها نحو ألفي متجر. ويقول كيورتن، من يورومونيتور "انفجروا تماما على الساحة الأمريكية". ويضيف "إنهم جذابون حقا في أعين المستهلكين الذين يريدون الاقتصاد في الإنفاق". تحرك دفاعي لكن شركات الأغذية الكبيرة تستجيب لهذه التحولات، إذ أطلقت كامبل في الشهر الماضي خط منتجات من الحساء العضوي المتميز الجاهز للأكل، الذي يباع في علب باللونين الأخضر والأبيض. واستحدثت كرافت P3 – وهو تعبير مختصر عن "حزمة البروتين المحمولة"، الذي يجمع بين لحوم أوسكار ماير مع جبن كرافت الطبيعية ومكسرات بلانترز التي تصنعها. ودفعت جنرال ميلز 820 مليون دولار لشركة "هوم جرون" التابعة لـ "آني"، شركة الأغذية العضوية التي كانت تتودد لعشاق "ماك والجبن" مع عروض من قبيل "معكرونة السلام العضوية" والبارميزان - المعكرونة المصنوعة على شكل علامات السلام وتباع في "صندوق ممتع مصبوغ". ولكن المسؤولين التنفيذيين والمحللين يحذرون من أن قادة الصناعة لديهم مجال ضئيل مفاجئ للمناورة عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن بعض علاماتهم التجارية المعروفة. المشكلة الأساسية تنطوي على نوع من المفارقة: هذه المنتجات لا تزال تحظى عادة بهوامش ربح دسمة. المكونات - وخاصة السكر والملح - رخيصة والمستهلك يقوم بكثير من العمل للمصنع: إضافة الماء إلى حساء مكثف، مثلا، يعني أنه يمكن شحنه في حاوية صغيرة، وخفض التكاليف. نقع الحبوب الباردة من الصندوق نفسه يوفر المال الذي لولاه فإنه سينفق على التعبئة والتغليف والمواد الغذائية لتعبئتها في حصص طعام واحدة. يمكن للمصنعين أن يستثمروا في مزيد من الدعاية أو المكونات الأفضل في الوقت الذي تنخفض فيه مبيعات هذه المنتجات. لكن لإرضاء "وول ستريت"، كما يقول التنفيذيون والمحللون، قد يميل صناع المواد الغذائية الكبار بدلا من ذلك إلى خفض التكاليف، وبالتالي الحفاظ على هوامش الربح في مواجهة تآكل الطلب. والسؤال الآن هو ما إذا كان الوقت قد فات بالنسبة للشركات الكبيرة لعكس هذا الاتجاه. يقول ستانتون "تعمل الشركات عى تقليص التسويق وتقليص البحوث، وتقليص الأشياء التي تساعدها على فهم أفضل للمستهلكين ووضع مزيد من التركيز على العروض الترويجية للتجارة، وخفض الأسعار وإعطاء الصفقات للباحثين، ووضعها على الرف". ويضيف "لقد بدأت حقا تتهاوى في أواخر الثمانينيات والتسعينيات - مع تأثير أكثر لمدير الشؤون المالية في الشركة. أنا أدرك تماما أن الشركة يجب أن تكون سليمة ماليا. لكن عندما يكون كل ما تتطلع إليه هو عوائد فصلية، فإنها تشجع الجميع على التخلي عن المبيعات الحالية للحصول على المبيعات في المستقبل". الاتجاه الجنوني لشركات الأغذية الكبرى اليوم هو أنها غالبا ما تعاني الموت بسبب آلاف الجروح الصغيرة، بعدما فقدت قوتها أمام كثير من الشركات الصغيرة. ووفقا لـ "يورومونيتور"، انخفضت الحصة الإجمالية لـ "كامبل" في سوق الحساء الأمريكية من 54.1 في المائة عام 2006 إلى 44.8 في المائة العام الماضي. وعلى النقيض من ذلك، "باسيفيك فود"، في ولاية أوريجون، التي تقول إنها "تستخدم مكونات بسيطة وتزرع بصورة مستدامة وتتصرف بشكل ألطف تجاه الناس والحيوانات والعالم من حولنا" شهدت ارتفاعا في حصتها في السوق من 0.7 إلى 1.8 في المائة. ويقول براين ياربورو، محلل أبحاث السلع الاستهلاكية في "إدوارد جونز"، وهي شركة وساطة تقدم المشورة لنحو سبعة ملايين مستثمر تقريبا "المشكلة هي أن المشهد يتغير نحو الطبيعية، والعضوية، والبروتين، والمواد الغذائية غير المصنعة". ويضيف "الجزء الصعب هو أن جميع هذه الشركات التي تفوز في هذه اللعبة صغيرة جدا". في الواقع، واحدة من المشكلات التي تواجه صناع المواد الغذائية هي أن فناني اليوم هم على الأرجح أكثر عرضة لصنع الحساء الخاص بهم من تصوير ذلك على لوحة. في المناطق المحبة للجاز في بروكلين، في نيويورك، وهي أقرب مكافئ اليوم لجماعة وارهول مانهاتن، هناك ثقافة حساء مزدهرة. مقابل 16 دولارا لكل لتر، بما في ذلك وديعة مقدارها دولاران للجرة الزجاجية، يعد نادي حساء بروكلين بتقديم هذه المأكولات مثل حساء القرنبيط المحمص مع تشيميتشوري، الذي يوصف بأنه "مهروس القرنبيط الدسم مع البصل والكراث والثوم، مع مرقة الدجاج القليل الدسم، مزخرف مع تشيميتشوري وبهار حار أقل من الفلفل الأخضر والثوم والكزبرة والنعناع، وتنتهي الوصفة برشة من الكريم ولمسة من بارميجيانوريجيانو". إنه عصر جديد، مع المستهلكين الذين هم أكثر تطلبا بكثير من الأجيال السابقة. باعت "كامبل" كثيرا من علب الحساء الأحمر والأبيض الواعدة - في عدد لا يحصى من الإعلانات الإذاعية والتلفزيونية – بحيث كانت منتجاتها "جيدة". لكن تقديم هذه المتع البسيطة قد لا يكون كافيا.

مشاركة :