قرع طبول الحرب بين طهران وواشنطن.. رؤية غربية

  • 5/17/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

شهدت العلاقات الأمريكية الإيرانية مزيدًا من التوتر والاحتدام، بإعلان الولايات المتحدة تبنيها استراتيجية «الضغط الأقصى»، وإعلانها في 12 أبريل الماضي عدم تجديد الإعفاءات الممنوحة لصادرات النفط الإيراني، ما دفع طهران في 8 مايو إلى الإعلان عن مهلة مدتها 60 يومًا، حتى تجد الدول الغربية حلولا للحفاظ على علاقتها التجارية مع إيران، وإلا ستقلص التزامها بالاتفاق النووي، فلا تلتزم بالسقف الذي حدده الاتفاق لمخزونها من اليورانيوم المخصّب والماء الثقيل، تحت دعوى الاستخدام المدني. وكان لزيادة حدة التوتر مقدمات، بدأتها واشنطن بتصنيفها الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية أجنبية، وإرسالها حاملة الطائرات الأمريكية «إبراهام لينكولن»، ومنظومة صواريخ «باتريوت» الدفاعية الجوية إلى الخليج العربي كإجراء دفاعي، بعد أن وردت أدلة على أن إيران بدأت نقل صواريخ باليستية، وأنها تُخطط لمهاجمة المصالح الأمريكية في سوريا مستخدمة الحرب بالوكالة. ويؤكد «كامران بخاري» المحاضر في معهد السياسات والأمن لجامعة أوتاوا الكندية، أنه «من غير المرجح أن تستسلم إيران في وجه الجهود الأخيرة التي بذلتها إدارة ترامب لزيادة الضغط عليها». وكان لكل من العدوين اللدودين دوافعهما للتصعيد الأخير، فبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فقد أراد الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» ممارسة أقصى درجات الضغط سياسيًّا، وعسكريًّا، وسياسيًّا على طهران، بهدف إخضاعها للتفاوض بشأن إنهاء طموحاتها التوسعية، ونزعتها العدوانية، مدفوعًا في ذلك بضغط المتشددين المحافظين داخل إدارته، المطالبين بإنهاء الخطر الإيراني كليًّا، والذين يرون أن السبيل الوحيد للسيطرة على إيران يكون بشن هجوم استباقي، يُمكِّن الولايات المتحدة وحلفاءها من تغيير النظام، وكبح المشروع النووي بشكل قاطع. وتأمل الإدارة الأمريكية من ذلك الجلوس على طاولة الحوار، كما حدث بين الرئيس الأمريكي «ترامب» ورئيس كوريا الشمالية «كيم جونغ أون»، حيث أبدى «ترامب» في أغسطس الماضي رغبة في لقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني «في أي وقت ومن دون شروط مسبقة»، ولكن يصعب تحقق هذا السيناريو، وفقًا لـ «بول سالم»، مدير مركز كارنيجي للشرق الأوسط، الذي قال: «بينما تهدف سياسة ترامب إلى ممارسة أقصى ضغط على إيران لجرّها إلى طاولة المفاوضات، فإن هناك احتمالا ضئيلا لحدوث أي مفاوضات من الآن وحتى نوفمبر 2020». وبالنسبة إلى إيران، فإن الضغوط الأمريكية دفعت بدورها إلى ضغوط محلية من قِبَل المتشددين على الحكومة، الذين طالما انتقدوا بالفعل الاتفاق النووي؛ لأن إيران في رأيهم تخلت من أجله عن الكثير. ويؤكد «باتريك وينتور» في صحيفة الجارديان «أن الأزمة الاقتصادية زادت من الضغوط الداخلية على «روحاني»، المعتدل نسبيًّا، لدفعه إلى اتخاذ بعض الإجراءات المضادة، وكانت سياسته فاشلة والتي تمثلت في انتظار فوز مرشح ديمقراطي خلفًا لترامب، الذي هدد بإلغاء تطبيق الاتفاق النووي بحذافيره حال فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة في غضون 18 شهرًا، وسيأمل الآن أن يجد ملجأ من انتقادات المتشددين الذين طالما أكدوا أن إيران قد تخلت عن الكثير أمام الاتفاق النووي». وتشير «فاطمة أمان» الباحثة في المجلس الأطلسي، إلى أن «تحرك إيران، الذي لا يزال ضمن خطة العمل الشاملة المشتركة، قد لا يُرضي المتشددين، الذين يُصرون على الخروج التام من الاتفاق، وعلى الرغم من ذلك، فقد يلقى ترحيبًا من قِبَل الإيرانيين العاديين الذين، رغم عدم رضاهم عن النظام الإيراني، يتوقعون ردًّا قويًّا من الحكومة الإيرانية على الضغط الأمريكي». ويصرح المسؤولون الإيرانيون بالرد على العداء الأمريكى، ما ينذر باتجاه إيران لاتخاذ إجراءات عدائية قد تدفع واشنطن إلى الانتقام، ما يشعل نيران الحرب، فمن المتوقع استخدام طهران الجماعات التابعة لها كحزب الله اللبناني لمجابهة الوجود الأمريكي في دول كالعراق، وسوريا، وأفغانستان، أو أن تستهدف الأصول البحرية الأمريكية في الخليج العربي، تبعًا للسيناريو الذي طالما خطط له الحرس الثوري وتدرب عليه. ويعتقد «ريتشارد كلارك»، في صحيفة «نيويورك ديلي نيوز» أن «القوات الأمريكية الموجودة في سوريا والعراق وأفغانستان، وكذلك تلك الموجودة في دول الخليج العربي، مُعرَّضة بشدة لهجمات من قِبَل القوات الخاصة الإيرانية وبدائلها المُدرَّبة تدريبًا عاليًا، ويمكن أن يتم استهداف السفارات والموظفين الدبلوماسيين الأمريكيين الموجودين في العديد من دول المنطقة، مثلما حدث قبل عقود في لبنان، ويمكن أن تتعرض الأصول البحرية الأمريكية في الخليج العربي بسهولة لهجمات من سفن الحرس الثوري الإيراني الصغيرة والسريعة، أو هجمات من طائراته المسلحة بلا طيار». وقد تلجأ طهران إلى الهجمات الإلكترونية، ضد الشركات أو البنى التحتية التابعة للولايات المتحدة جنبًا إلى جنب مع محاصرة مضيق هرمز الذي هددت بالفعل بإغلاقه إذا حالت العقوبات الأمريكية دون استفادتها منه اقتصاديًّا لنقص وارداتها، وهو ما لن يخلو من رد أمريكي، حيث صرح وزير الخارجية الأمريكية «مايك بومبيو» بقوله «شهدنا تصعيدًا على أيدي الإيرانيين وسنحاسب الإيرانيين على أي هجمات تحدث ضد المصالح الأمريكية.. إذا حدثت هذه الأعمال بالوكالة عبر طرف ثالث أو جماعة مُسلحة، مثل حزب الله، فسوف نحمّل القيادة الإيرانية المسؤولية المباشرة عن ذلك». وعلى الرغم من التصعيد الواضح من كلا الطرفين، فإن هناك عددًا من المحللين الذين مازالوا غير مقتنعين بإمكانية نشوب الحرب بين واشنطن وطهران، وذلك للأسباب التالية: أولا: تجنب طهران المواجهة العسكرية مع القوات الأمريكية، وهو ما بدا من اتجاه إيران إلى التصريحات النارية من دون فعل يُذكر، فهي تدرك تمامًا أنها ستواجه هزيمة سريعة إذا حدث قتال مفتوح بينها وبين الولايات المتحدة؛ بسبب براعة الأخيرة عسكريًّا، وهو ما أكده «راي تاكيه»، زميل مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بقوله «لطالما أطلقت إيران تهديدات لم تستطع أن تنفذها طوال الأزمات الحالية والسابقة؛ إذ إنها تحظى بسمعة الطرف الذي دائمًا ما يثير ضجة بلا أي فائدة أو فعل حقيقي». كما أوضح «جيمس هولمز»، في صحيفة «ذا هيل»، أن «طهران اتخذت من تهديداتها بوقف حركة الملاحة في مضيق هرمز عنصرًا أساسيًّا في سياستها، خاصة حينما تصاعدت حدة التوترات بشأن برنامجها النووي الإيراني، من دون محاولة فعلية لإعاقة الممر المائي على أرض الواقع». ثانيا: تدهور الاقتصاد الإيرانى، كنتاج للعقوبات المفروضة عليه، فعقوبات عام 2010 وحدها دفعت إلى تقليص الناتج الاقتصادي من 15% إلى 20%، وتراجعت معدلات النمو، ومن ثم فلا سبيل لدخول حرب، لا تتوافر لها مقوماتها المادية الأمر الذي ينتهي بسقوط الدولة. أما العقوبات الأخيرة فيتوقع أن تدفع إلى انخفاض قيمة العملة، وانسحاب المستثمرين، وهو ما ذهبت إليه «سوزان مالوني» نائبة مدير برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينجز، في قولها «فرض عقوبات أمريكية على إيران قد تسبب بالفعل في خسائر فادحة على البلاد، حيث تراجعت قيمة عملتها المحلية، وخرج معظم المستثمرين الأجانب ذوي السمعة الطيبة، وتعقدت جميع المعاملات التجارية الدولية، مع توقُّع صندوق النقد الدولي انكماشًا في الاقتصاد الإيراني خلال العام الحالي قدره 6%». ثالثا: افتقار طهران للحلفاء، أو ما أسماه الباحثون «الوحدة الاستراتيجية»، ما يمنع إيران من المخاطرة بإثارة حرب واسعة النطاق مع الولايات المتحدة تقف فيها منفردة في مواجهة واشنطن وحلفائها، وبيّن «توماس جونو» أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة أوتاوا في بمدوّنة «لوفير» أن «هناك تناقضًا واضحًا في سياسة وموقف كلا البلدين؛ ففي الوقت الذي تقف فيه إيران بمفردها من دون وجود حليف، تمتلك الولايات المتحدة قواعد وقوات، فضلا عن التعاون العسكري الوثيق مع كل دولة مجاورة بإيران تقريبًا، بما في ذلك جورجيا، وأذربيجان، وأفغانستان، وباكستان، وعُمان، والإمارات، وقطر، والبحرين، والسعودية، والكويت، والعراق وتركيا، كما يمكنها أن تعتمد على هذه الدول وخاصة السعودية والبحرين والإمارات وكذلك إسرائيل لتقديم الدعم التام لواشنطن خلال أي مواجهة وشيكة مع طهران». وأضاف: «نجحت هذه السياسة في قلب التوازن الإقليمي للقوى التقليدية بقوة ضد إيران، كما أنها تمنعها من المخاطرة بإثارة حرب واسعة النطاق مع الولايات المتحدة من الناحية التاريخية». رابعا: نزوع واشنطن للانعزال، فعلى الرغم من اتجاه أعضاء الإدارة الأمريكية إلى التشدد، فإن غالبيتهم، وعلى رأسهم «ترامب»، يميلون إلى تقليص الدور الأمريكي، لاعتقادهم أن الهدف الرئيسي للسياسة الخارجية هو إنهاء المهام الأمريكية الباهظة الثمن في الخارج، وإعادة القوات الأمريكية إلى موطنها. لذلك فإن آخر ما يرغب فيه «ترامب» هو نشوب صراع طويل الأمد يتعارض مع مبدأ الانعزالية، لذلك يتجه إلى مواصلة الضغط على طهران؛ ليدفعها إلى الاستسلام. ويشير «عماد حرب» مدير الأبحاث في المركز العربي في واشنطن إلى أنه «بينما يرغب الرئيس دونالد ترامب في إصدار تصريحات عدائية وإثارة جمهوره الأمريكي داخليا، فهو في الأساس لا يشجع، لا هو ولا قاعدته السياسية، الصدامات الأجنبية والتكاليف التابعة لها؛ إذ يسعى إلى سحب القوات الأمريكية من سوريا والعراق وأفغانستان». واستخلاصًا لما تقدم، فإن احتمالية نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران ضئيلة، حتى في ظل التصعيد والتوتر الدائم في العلاقات؛ إذ ستُكلف الحرب إيران الكثير، وهي تعاني بالفعل من الضعف الاقتصادي الحاد جراء فرض العقوبات الأمريكية، وافتقارها إلى الحلفاء، إضافة إلى عدم ميل «ترامب» إلى نشر القوات والموارد الأمريكية خارج البلاد، ولكن ستستمر المناوشات بين الطرفين، وستستعر الحرب الكلامية بينهما، وسيبقى الوضع قائمًا إذا أسفرت الانتخابات القادمة عن استمرار ولاية «ترامب» لأربع سنوات أخرى لتبقى «طهران» في عزلتها في ظل انعدام الثقة بين القيادتين وعدم وجود أرضية مشتركة، ما سيجعل من الصعب تخيل النزوع نحو المفاوضات.

مشاركة :