أعلنت الحكومة العُمانية عن إلغاء قرار يفرض على الشركات المحلية والأجنبية العاملة في البلاد دفع ضرائب على أرباحها، في محاولة لتحفيز البيئة الاستثمارية الهشة. ويرى محللون أن تلك الخطوة يمكن أن تعطي زخما جديدا للنشاط الاقتصادي من أجل تخفيف قلق المؤسسات الدولية، بعد تحذير البنك الدولي من مشكلة ارتفاع الديون، وبطء تنفيذ وعود الإصلاحات الاقتصادية للخروج من الأزمات العميقة. وأكد عبدالله بن سالم السالمي الرئيس التنفيذي للهيئة العامة لسوق المال أن الحكومة وافقت على تعليق العمل بضريبة الدخل المتعلقة بتوزيعات أرباح الأسهم والفوائد بالنسبة للشركات ولمدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد. وتبلغ قيمة الضريبة التي تم إقرارها قبل أكثر من عامين في قانون ضريبة الدخل 10 بالمئة، ولن تكون الشركات ضمن طائلة ذلك الإجراء منذ السادس من مايو الحالي. ونسبت وكالة الأنباء العُمانية الرسمية للسالمي قوله إن “الخطوة تترجم حرص السلطان قابوس بن سعيد على تهيئة البيئة المناسبة والعوامل التي تساعد على استقطاب المزيد من الاستثمارات الخارجية لتنمية الاقتصاد الوطني”. وأضاف أن “الإجراء يعبّر عن سياسة الانفتاح التي تتبعها السلطنة في التعامل مع الاستثمارات الخارجية ومبادئ اقتصاد السوق، الأمر الذي سيمكّن القطاع الخاص من القيام بدور أكبر في برامج وسياسات التنمية الشاملة”.وأوضح أن هذا القرار يعدّ خطوة فاعلة لمنح العديد من الحوافز والتسهيلات الإضافية لاستقطاب المزيد من الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، ولتكون السلطنة محطة جاذبة للاستثمارات العالمية وسوق أوراق مالية قوية. وكانت الحكومة قد أدخلت تعديلات ضريبية واسعة في فبراير 2017، بسبب الضغوط التي واجهتها الدولة الخليجية، نتيجة تراجع عوائدها النفطية التي تعدّ قليلة قياسا بجارتها الأخرى، وفي مقدمتها السعودية والإمارات والكويت. وألغت مسقط حينها حد الإعفاء الضريبي، الذي كان ممنوحا في 2016، ورفعت ضريبة الدخل على المؤسسات والشركات المحلية والأجنبية، كما فرضت جباية على المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتعزيز إيراداتها المالية الشحيحة. كما تضمّنت التعديلات توسيع قاعدة الجبائية لتشمل الأشخاص الذين يقدمون استشارات إدارية ولا يمارسون النشاط في البلاد من خلال اقتطاع ضريبة بواقع 10 بالمئة من إجمالي المبلغ المدفوع للشخص الأجنبي. وتقول الأمانة للضرائب إن تلك التعديلات كانت تهدف بالأساس إلى مواجهة التحديات، التي شابت عملية تطبيق النظام الضريبي والتعامل مع المستجدّات التي طرأت، خلال السنوات الماضية، على قطاع الأعمال بالبلاد. وتتسارع وتيرة جهود مسقط لوضع اللمسات الأخيرة لتنفيذ أكبر برنامج للتحوّل الاقتصادي في تاريخها استعدادا لمرحلة ما بعد النفط، وفق رؤية تمتد حتى 2040 وتركّز على تنويع مصادر الدخل وإيجاد مصادر بديلة لإيرادات الموازنة. وتسعى السلطات إلى تخفيف الضغوط بتعزيز الإيرادات غير النفطية، وقد يتم فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمئة في أواخر العام الجاري. وتأجل فرض الضريبة لأسباب فنية ومخاوف من أن تضرّ بالنمو والاستثمار، وستظل أسعار النفط العامل الرئيسي الذي يؤثر على الإيرادات في جميع الأحوال. وتتجه سلطنة عُمان لبيع نفط المستقبل الذي لا يزال في باطن الأرض لترتيب قرض من أجل مواجهة الأزمات المالية، بعد ارتفاع تكلفة اقتراضها من أسواق المال في ظل تكهنات باقترابها من أزمة مالية خطرة. وكشفت مصادر مطلعة لوكالة رويترز الأسبوع الماضي أن شركة جنفور لتجارة الطاقة تجري مفاوضات لترتيب قرض لمسقط، تصل قيمته إلى 3 مليارات دولار، يكون مدعوما بعقود طويلة الأجل لتصدير النفط. ويعني ذلك أن الدولة الخليجية تبيع النفط الخام، الذي لم يتم استخراجه بعد لتعزيز قدرتها على الاقتراض لمواجهة العجز المتفاقم في الموازنة وتنفيذ مشروعات لتنويع اقتصادها. وتتسلّح الحكومة في موازنة 2019 بتدابير احترازية تراعي تأثيرات استمرار تذبذب أسعار النفط وترتيب الأولويات، بما ينسجم مع الموارد المالية المتاحة، متجنبة المساس بالخدمات الحكومية الأساسية. ويتوقّع أن يبلغ الإنفاق هذا العام 33.5 مليار دولار، ارتفاعا من 32.5 مليار دولار في الموازنة السابقة. وفي ضوء ذلك، ووفق البيانات الرسمية، فإن الإنفاق المتوقع سيرتفع بنحو 3 بالمئة مقارنة مع حوالي سبعة بالمئة اعتمدته الحكومة في موازنة 2018.وتقدّر الموازنة الإيرادات عند 26.2 مليار دولار على افتراض متوسط سعر نفط يبلغ 58 دولارا للبرميل هذا العام. وبناء على ذلك، سيوازي العجز 9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويتوقع محللون أن يشهد الاقتصاد العُماني في الأشهر المتبقية من العام أداء أفضل، بفضل انتعاش أسعار النفط وارتفاع إنتاج البلاد من الغاز واستكمال خطط تنفيذ مشروعات كبرى تتعلق بالبنية التحتية. ولكن الدين العام يشكّل صداعا مزمنا، إذ تقدر وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية أن الدين العماني زاد إلى نحو 49 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي من أقل من 5 بالمئة في 2014. وترجّح الوكالة أن يرتفع الدين إلى نحو 64 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، إذا لم تسرّع الحكومة العمانية من وتيرة الإصلاحات. ورغم تلك النظرة، يعتقد المدير الإقليمي لدول الخليج في البنك الدولي عصام أبوسليمان أن ارتفاع أسعار النفط والغاز في الأشهر الأخيرة ساعد عُمان، وإذا مضت الحكومة قُدما في مسيرة التنويع الاقتصادي والإصلاحات، فإن البلاد ستخرج من وضعها الحالي. ووجّهت الحكومة طيلة الآونة الأخيرة بوصلتها إلى الشراكات بين القطاعين العام والخاص بإطلاق منصة لرسم خارطة مستقبلية لفرص الاستثمار وتوفير حلول مبتكرة لتعزيز مناخ الأعمال. ودشنت الهيئة العُمانية للشراكة من أجل التنمية الشهر الماضي نظام “تعزيز″ الإلكتروني لدعم الشراكات الاستثمارية بين القطاعيْن العام والخاص. وتهدف الحكومة من المنصة الرقمية إلى استكشاف الفرص الاستثمارية، لبناء علاقات شراكة تجارية مع الشركات العالمية الملتزمة لدى الهيئة.
مشاركة :