علي قباجه ما أشبه الليلة بالبارحة، عبارة لطالما رددها الفلسطيني على مر سنيّ الاحتلال، وعلى مر مراحل الشتات والمهجر التي يعيشها؛ جراء جرائم سرقة واغتصاب أرضه من شذاذ آفاق لم يكتفوا بإجرامهم الذي انحنت الإنسانية حياء منه؛ بل طاولت غطرسة المحتل تشويه التاريخ، ومحاولة سلبه، معتمدين في ذلك على دمى غربية يحركونها بدعم من اللوبي الصهيوني لتعترف بما لا تملكه لمن لا يستحقه؛ لتحيي بذلك ذكرى مشؤومة من وعد «بلفور»، ولترسخ بذاكرة الفلسطيني مسلوب الأرض أن الأرض لأهلها، وأن المحنة ما هي إلا منحة وأمل لتجديد العهد والوعد بإعادة الأرض السليبة، مهما كلف ذلك من ثمن، وتضحيات، لتكون الذكرى ال71 للنكبة، انطلاقة نحو غد يأمل فيها الفلسطيني بانتزاع حقه من براثن ذلك العدو الغاشم.ولكن رغم كل تلك النظرة الإيجابية، لا يمكننا في الوقت ذاته إغفال بعض النقاط التي يجب التنبه إليها والعمل على محوها من التاريخ المشرف لفلسطين على مدى العصور، فالنكبة تحل هذا العام والقضية الفلسطينية تعيش في أحلك ظروفها، وتسكن وسط حصار كبير فرض عليها؛ في محاولة لاجتثاثها من جذورها، فالإدارة الأمريكية تسعى بدأب لتمرير ما تسمى «صفقة القرن»، وهذا الوعد من قبلها يمنح ما تبقى من فتات الأرض المحتلة إلى «إسرائيل»، ويهجّر الشعب، ويجرده من حقوقه المشروعة، واللافت أن تلك المخططات غائبة عن عدسات الكاميرات العربية التي انشغلت بصراعات داخلية لا تسمن ولا تغني من جوع.حلت النكبة، وثمة نكبات أخرى فرضت على الفلسطينيين، فإضافة إلى الخطة الأمريكية التدميرية التي تماثل في قبحها حرب ال1948 التي احتل فيها الجزء الأكبر من فلسطين، فإن الاستيطان على أشده، والدم الفلسطيني يراق لأتفه الأسباب، والنكبة الأكبر أن القضية همشت، وأمست كسقط المتاع، ومركزيتها في دهاليز السياسية أضحت طيّ النسيان؛ إذ أمسى الفلسطيني وحيداً في مواجهة قوى عالمية غاشمة، تسعى لقتله، وامتهانه، وسلب كل حقوقه. تمر الذكرى وقد أحيا الفلسطينيون فصولها، مستذكرين 100 ألف شهيد ارتقوا من يومها إلى يومنا هذا، ومليون معتقل منذ عام 1967، ومئات القرى التي دمرت عن بكرة أبيها، ومئات أخرى هجّر أهلها، ورغم هذا فقد أنِف الفلسطينيون من اليأس؛ إذ تضاعف عددهم تسع مرات منذ 1948، ليواصل هؤلاء حمل مشاعل التحرر من أغلال الاحتلال، مصممين على إفشال كل ما يحاك ضدهم من مؤامرات، كما أفشلوها في السابق. فعجلة التاريخ لن تتوقف هنا، فالفلسطينيون واجهوا سابقاً أياماً حالكة، وتجاوزوها باقتدار وصلابة، في حين أنهم سيكونون صخوراً صلبة لا تتزحزح أمام سياسات الاقتلاع والتهجير. النكبة ليست مجرد ذكرى، ترفع فيها الأعلام؛ بل إنها أسست لمأساة متواصلة لشعب كامل، واستمرارها يشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى همجية العالم، وسياساته العوراء، التي لا تنصر لمظلوم، ولا تردع ظالماً؛ بل إن العالم متآمر على صاحب الحق، فالولايات المتحدة تمده بالدعم السياسي والمادي والعسكري، وأوروبا مَدته سابقاً بالأسلحة النووية، وما زالت تدين الضحية لمصلحة الجلاد، فيما تتهافت دول عالمية عدة؛ للتطبيع مع هذا الكيان، من دون أي التفات لمظلمة الشعب المهجّر المسفوك دمه. aliqabajah@gmail.com
مشاركة :