بورتريه| عبدالهادي الجزار.. رحلة عبر أحداث الحياة المُختلفة

  • 5/18/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يحدث أن يُخطئ الشخص فى اختيار مجاله فى بداية الأمر، ولكن النجاح الحقيقى يحدث عند إدراك الموقف حتى يتمكن من اتخاذ المسار والطريق الذى يُناسبه، وفنان الحلقة الثالثة عشرة من «بورتريه» التحق فى بداية الأمر بكلية الطب التى سريعًا ما وجدها لا تُناسب ميوله، وفر سريعًا نحو الالتحاق بكلية الفنون الجميلة التى استطاع أن يُحقق من خلالها ذاته، إنه الفنان السكندرى عبدالهادى محمد عبدالله الجزار، الشهير بـ«عبدالهادى الجزار».«الجزار» شخص تأمل ما حوله ليترك بعد ذلك العنان فى مُخيلاته حول الأشياء التى يراها ويُعبر عنها من خلال أعماله الفنية، فبعد تركه لكلية الطب اهتم بالإنسان، وبداية الكون على مر العصور، وعبر عن أفكاره من خلال مجموعة من الأعمال غاية فى الإبداع أدهشت الفنانين والنُقاد داخل وخارج مصر.بمجرد انتقال الفنان عبدالهادى الجزار للعيش فى منطقة السيدة زينب بالقاهرة، اختلفت الموضوعات التى كانت تستحوذ على اهتماماته، ليبدأ فى مرحلة جديدة تدور فيها أفكاره حول الاستعمار والإقطاع الذى عايشه فى تلك الفترة، وهو فى الحادى والعشرين من عمره، فعبر الفنان عن تلك الفترات البائسة والصعبة فى أسلوب غاية فى الجمال والإبداع.وعن هذه الفترة، قال الفنان التشكيلى حسين يوسف أمين: «كانت تتمثل أمام عبدالهادى الجزار فصول هذه المأساة وهو يعيش فى حى السيدة زينب، يرى طوائف الناس فى سذاجة بريئة وتتجمع الحشود وهى تمشى فى بحر من الغموض تلفها ثياب من التقاليد البالية والمتناقضات»، وواصل قائلًا: «ويعود الجزار إلى منزله لا ينام يستعرض ما رآه وكانت مرحلة حاسمة لمواجهة الموقف وكان لا بد أن يحدث شيء، فلم يقبل الفنان الثائر الشاب أن يكون مهادنًا فى فنه مع هذه الأوضاع السائدة فى مجتمع ذلك العهد، فقدم الجزار مادته الفنية للدفاع عن القضية من نفس صور هذه الحياة وعرضها فى بلاغه فنية معبرًا عنها ومستعرضًا ومفسرًا العوامل والبواعث المسببة لها، مستندًا فى ذلك إلى أسلوب تحليل نفسى عميق»، فكان «أمين» أستاذا للفنان عبدالهادى الجزار تعلم على يده الكثير فى مدرسة الحلمية الثانوية بدروس «نادى الفنون»، كما ربطتهم صلة قرابة بعدما تزوج «الجزار» من «ليلى عفت» قريبة الفنان حسين يوسف.وبمجرد اشتعال ثورة يوليو ١٩٥٢، كان الجزار فى آخر سنوات العقد الثانى من عُمره، فانفعل بسعادة شديدة جراء ما يحدث فى البلد من قضاء على الإقطاع الذى غمر البلد لسنوات طويلة، وتأثر برؤية الفلاحين وهم يخرجون من خلف شعور وزمن الإقطاع الصعب مُتجهين نحو الأراضى الزراعية الخضراء، فتأمل المشهد وأبدع مجموعة من أروع أعماله الفنية التى خلدت بدورها هذه الفترات الزمنية.تزامنت فترة ثورة يوليو مع دراسة الفنان عبدالهادى الجزار بمعهد الآثار، وفور الانتهاء منه اتجه نحو أكاديمية الفنون الجميلة بروما التى حظى منها الأستاذية فى فن التصوير، ومنها اتجه فى بعثة صيفية إلى أكاديميات ومعاهد الفنون بإنجلترا وفرنسا وإيطاليا لدراسة نظم وبرامج تدريس الفنون الجميلة، ليُنهى رحلته مع الدراسة والتعلم فى روما بحصوله على دبلوم معهد الترميم والتكنولوجيا، وكان ترتيبه الأول على دفعته إلى جانب كونه أول مصرى يحصل على هذا الدبلوم.وعن حياة الجزار العملية، بدأها مُعيدًا بكلية الفنون الجميلة قسم التصوير، وظل يستكمل دراساته حتى تدرج وشغل منصب أستاذ مساعد بالكلية نفسها، ومن بعد عودته من البعثة بدبلوم معهد الترميم والتكنولوجيا، كان من الطبيعى أن ينقل هذا العلم الجديد بعدما كان أول مصرى يدرسه، وبالفعل قام بتدريس التكنولوجيا والترميم فور عودته، كما قام بالتدريس لطلاب مرسم الأقصر الذى كان بمثابة الدراسات التكميلية لطلاب كلية الفنون الجميلة. ربما أراد الله عز وجل للفنان عبدالهادى الجزار أن ينال المعرفة فى فروع ومجالات عدة حتى يتعرض لكل خبرات الحياة المُختلفة ويستمتع بها، فقد وافته المنية صغيرًا وهو فى الحادى والأربعين من عمره، ولكن أعماله خلدت سيرته لأجيال وعقود كثيرة من بعده لا تزال مستمرة حتى الآن.

مشاركة :