أعلنت دار كريستيز أن مزاد فنون الشرق الأوسط التي تنظمه في 24 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل في لندن، سيضم لوحة «أذن من طين وأخرى من عجين» للتشكيلي المصري الراحل عبدالهادي الجزار. واللافت أن اللوحة لم يرَها أحد منذ 30 سنة، ولم تشارك في أي من المزادات، وستعرض فقط يوم البيع، ويقدر سعرها الأولي بنصف مليون دولار. نشأ الجزار ( 1925- 1966) في حي القباري في الإسكندرية، وهو حيٌ شعبيٌ قريب من الميناء، وكان لهذا الحي بالغ الأثر في تشكيل البنيَة الفنّية للجزار. فقد ألفت عيناه منذ الصغر مشاهد معاناة البُسطاء مِن العمال والشيَّالين الكادحين، وقصص الكفاح والصبر الطويل، كما أحبَّ الجزار اللهو على الشواطئ ومناظر الشروق والغروب وعنفوان البحر، حتى إنّ عدداً من أعماله الفنية كان مستوحى من البحر والقواقع. عاش الجزار طفلاً في تلك البيئة المشحونة بكل أطياف المعاناة، ما ساهم في تفجُّر طاقات الإبداع لديه منذ الصغر، فقد فاز بالمركز الأول في مسابقة الرسم بين المدارس الثانوية عام 1938، وعلى رغم ميله إلى الرسم منذ كان يافعاً، التحق بكلية الطب (1944) إرضاء لوالده فقط، قبل أن يتركها بعد ستة أشهر ليلتحق بكلية الفنون الجميلة. بُعيد قبوله في كلية الفنون التحق الجزار بجماعة الفنّ المعاصر التي أسسها حسين يوسف أمين، وقد توسعت مدارك الجزار الفنية في الجماعة حيث ساهم مع رفاقه أعضاء المجموعة في تحويل الاتجاهات الأكاديمية للفنانين المصريين إلى الاتجاهات الحديثة، فاهتمت الجماعة بدرس أصل الإنسان ونشأته وعلاقته بالطبيعة، وفي تلك الفترة ظهرت بواكير أعمال الجزار الفنية وهي الكهف والإنسان البدائي وآدم وحواء. المرحلة المهمة من تاريخ الجزار امتدت حتى عام 1946، إذ ظهرت مميزات شخصيته كفنان وسجل فيها أروع الأحاسيس الفنية وكانت عن الكون والإنسان، كيف نشأ وكيف عاش في هذا الوجود على مر العصور مع الطبيعة المجردة، فأخرج أعمالاً فنية نادرة كانت موضوع دهشة في الأوساط الفنية في مصر والخارج، بل ومحل إعجاب وانبهار وتقدير النقاد العالميين في الفن أمثال فيليب دارشكوت من بلجيكا ودلهم فيولا من لنمسا ومربيل في فرنسا، وراسل وريد في إنكلترا وجان بول سارتر الذي أبدى إعجابه وانبهاره بأعمال الجزار عندما زار معرض الفن الحديث واجتمع فيه بالفنانين العرب أثناء زيارته إلى مصر مع سيمون دو بوفوار. نضج فكر الجزار وتفتح عقله على مأساة بلده وهي مقسمة نهباً بين الاستعمار والإقطاع وكانت تتمثل أمامه فصول هذه المأساة وهو يعيش في حي السيدة زينب، إذ يرى طوائف الناس في سذاجة بريئة وتتجمع الحشود وهى تمشي في بحر من الغموض، تلفها ثياب من التقاليد البالية والمتناقضات، ويعود الجزار إلى منزله لا ينام بل يستعرض ما رآه وكانت مرحلة حاسمة لمواجهة الموقف، إذ كان لا بد أن يحدث شيء فلم يقبل الفنان الثائر الشاب أن يكون مهادناً في فنه مع هذه الأوضاع السائدة في مجتمع ذلك العهد. قدم الجزار مادته الفنية للدفاع عن القضية من صور هذه الحياة، وعرضها في بلاغه فنية معبراً عنها ومستعرضاً ومفسراً العوامل والبواعث المسببة لها، مستنداً في ذلك إلى أسلوب تحليل نفسي عميق.
مشاركة :