في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، ضابط إنجليزي شاب، كان مسؤولاً عن بعض الشؤون في إدارة الهجرة والجوازات، وكان حينها المرحوم عيسى الجامع الذي أصبح بعد الاستقلال سفيراً للبحرين في الكويت، كان عيسى الجامع هو المسؤول عن مينائي المنامة وميناء المحرق البحريين.ذلك الضابط الإنجليزي سأل عيسى الجامع، أما عندكم صحافة محلية؟ أجابه عيسى الجامع، عندنا صحافة محلية، لكن هذه الأيام، صدر أمر من السلطات بحجبها لأسباب، لكنها ستعود، وكانت جريدة الوطن شعارها صقر باسط جناحيه للطيران، لكن قدميه مقيدتان، والقيود تمنعانه من نيل حريته -بالطبع المعنى معروف في زمن الحماية البريطانية-، وإذا حجبت جريدة من جرائد ذلك الزمان عن الصدور من ثم إعادة مزاولة رسالتها مثل الميزان أو غيرها، ترى رأياً أو تحليلاً سياسياً مبتوراً منه أجزاء، وبعض الصحف تكتب في الجزء المبتور «مقص الرقابة»، الضابط الإنجليزي الشاب، من أقواله لعيسى الجامع، كيف تعيشون في بلد بلا صحافة؟.. كيف تعرفون ما يصدر من الحكومة من قوانين أو غيرها؟.. كيف تتعرفون أو تحسون بنبض الشارع؟ أو تعبرون عن رأيكم؟!هو إنجليزي وعاش وتربى في بلاده إنجلترا بلد الديمقراطيات العريقة، وكان يقول، بلد بلا جرائد، لا تعرف شيئاً عن بلادها ولا تعرف شيئاً عن العالم، هذا الضابط لم يدم في البحرين طويلاً.كنا قبل صدور الجرائد المحلية التي كانت تعتمد على شباب بحريني متنور، يريد أن يدخلنا في عصر التنوير والمعرفة، وهم كثر، وذكر بعض منهم فيه إجحاف في حق الآخرين، وهذا لا أبتغيه لنفسي، وأرشيف الصحافة في البحرين لم ينقصهم حقهم، يقول السيد عبدالعزيز يوسف السيد، في كتابه مسيرة وطن إن أول جريدة صدرت في البحرين وطبعت فيها أيضاً، هي جريدة البحرين عام 1939، ثم تلتها مجلة صوت البحرين، ثم صدرت جرائد أخرى.بعد الاستقلال، في عهد طيب الذكر والذكرى المغفور له صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين -قبل ذلك كانت حكومة البحرين-، وكان رئيس وزرائه صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة حفظه الله ورعاه وأطال عمره الشاهد على الفترتين، فترة الحماية البريطانية، وفترة الاستقلال من بعد إنهاء الحماية البريطانية، مع المحافظة على علاقتنا المتينة مع المملكة المتحدة الصديقة التي زادها رسوخاً وتقدماً صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى، وزادها ثباتاً في الأمور الاقتصادية والتعليمية والسياسية لما فيه منفعة المملكتين الصديقتين وشعبيهما، والتعاون في جميع المجالات منها العسكرية.كنت أرسل شيئاً من وجهات نظر أو اقتراح عن النظافة أو شيئاً من هذا القبيل باسم مستعار «مواطن» للظروف السياسية قبل الاستقلال، وبدايتي في الكتابة وعندما صدرت الأضواء بزعامة عميدها المرحوم محمود المردي -وهي جريدة أسبوعية-، ثم أخذت أتوسع في الكتابة للصحافة بصفة هاوٍ وباسمي كاملاً.وتنبه أساتذتنا في الصحافة مثل محمود المردي وأنور عبدالرحمن وعلي سيار وعبدالرحمن جمشير -وهذا الأخير اختار الصحافة الرياضية ونجح فيها-، وترك السياسة لغيره، كما أصدر المرحوم إبراهيم حسن كمال مجلة اجتماعية تحمل عنوان الجيل الجديد -ترأس سعادة السيد إبراهيم كمال اتحاد الأندية الوطنية في فترة ما قبل الاستقلال-.كنا قبل أن تكون لدينا صحافة محلية نعتمد على الصحف العربية المصرية ولو وصلت متأخرة إلى البحرين بأكثر من يومين، خاصة بعد ثورة يوليو 1952.الصحافة الأسبوعية في عصر النهضة المتسارع، لا يمكن الاعتماد عليها أو استيفاء خبر منها، فولدت الأضواء جريدة أخبار الخليج اليومية، وفي نفس الفترة، زاحمتها وساندتها جريدة الأيام اليومية خدمة للوطن والمواطنين، ولم تتوقف المسيرة ثم صدرت جريدة المسيرة، والآن إلى جانب أخبار الخليج، وبالمناسبة جريدة أخبار الخليج تبنت مؤلفي الأول من عبق الماضي قبل طبعه، ونشرته مسلسلاً منذ عام 1997 في باب البراحة بإشراف الصحفي ناصر القلاف، ومواضيعه تركز على فريق الشيوخ بالمنامة «فريق بوصرة» وأسواق المنامة وأهلها، وشيء من التاريخ العبق لبلدنا الحبيب.وفي عهد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه، الذي أطلق مشروعه الإصلاحي الشامل، انطلقت الصحافة انطلاقة مباركة، وصدرت في هذا العهد الزاهر جرائد يومية أخرى مثل الوطن.إن إشادة صاحب الجلالة الملك المفدى بالصحافة بيوم الصحافة، دليل قاطع على تبنيه للديموقراطية، والاعتماد على شباب البحرين في توليهم شؤون الإعلام، والإعلام حديثاً تحسب له الدول ألف حساب، فهو الموجه للرأي العام وأعطته القوانين حيزاً كبيراً من الحرية للتعبير عن آرائه وعصارة تفكيره لبناء الوطن والمواطن، وأن يكون كل من يحمل قلماً، يسطر ما يدور في داخله من رأي، يضيف كسباً مادياً ومعنوياً للبلد وأهله، وأن تكون الحقيقة هي ضالة الصحفي والإعلامي لنشرها على الملأ، وتنويره لمحاسنها والحث عليها، إن مسؤولية مسك القلم، مسؤولية كبيرة وعظيمة، وهو مسؤول عما يكتب، إن كان خيراً، فخير له وإن كان عكس ذلك فعليه، مصداقاً لقول جلالة الملك المفدى «الإعلام الوطني المسؤول ركيزتنا الأساسية نحو ترسيخ الديموقراطية».وبمناسبة اليوم العالمي للصحافة، إن من حق الصحافة والصحفيين والإعلام والإعلاميين والأدباء والمفكرين إيجاد متحف خاص بهم يعنى بتاريخ الصحافة والإعلام والأدب في المملكة، ليكون إضافة لمتاحفنا الأخرى المتخصصة، يحكي تاريخ وتطور الصحافة والإعلام عندنا، وما بذله الرواد الأوائل من عطاء، كان بداية ناجحة لحاضرنا المعاش بقيادة الملك المفدى ورئيس حكومته الموقر وولي عهده الأمين، ومساندة من كل من حمل قلماً أنار به سبيلاً ليسمو بالوطن وأهله إلى العلياء، ويجذر الوحدة الوطنية، مصداقاً لقوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).من حق الصحافة والصحفيين والإعلام والإعلاميين والأدباء والمفكرين إيجاد متحف خاص بهم يعنى بتاريخ الصحافة والإعلام والأدب في المملكة ليكون إضافة لمتاحفنا الأخرى المتخصصة.
مشاركة :