ما زلنا نتحدث بين حين وحين عن أزمة النقد، فهل لدينا في سائر أوساطنا الأدبية أزمة نقدية بالفعل، أم نحن نحاول «اختراع» هذه الأزمة من «عندياتنا» ونعطيها من الحجم الإعلامي عبر ملاحقنا الثقافية والأدبية في صحفنا ومجلاتنا أكبر من حجمها الطبيعي، الذي تستحق؟.. أم أنها أزمة مفتعلة أو «مزعومة» فلا أكاد أركن إلى صحة هذا القول لأنني أجهل إن كان صحيحا، وأكاد أزعم بأن النقد يخرج من تحت «عباءتين» إن صح القول، إحداهما عباءة جامعية والأخرى صحفية، ويبدو من واقع الأمر أن الأزمة سواء كانت مفتعلة أو غير مفتعلة تدور داخل تضاعيف العباءة الثانية، أي داخل الأعمدة الصحفية، لاسيما تلك التي تجمل ملاحقنا الأدبية والثقافية بشكل مكثف أكبر، فأصحاب هذه الملاحق تقع عليهم تبعية مسؤولية إثارة هذه الأزمة لأنهم هم الذين «يضغطون» عليها بهذه الحساسية المفرطة في المبالغة والتهويل.. ودعوني أكون صريحا فأقول إن العملية تجنح إلى جانب الإعلام عن الأدب ولا تجنح إلى نقده بطريقة صائبة أو صحيحة.عندما يصل للمحرر الثقافي كتاب أدبي يستحق نقدا أو استعراضا نراه يفتش في فهرسه عن معلوماته، فيختار منها ما يستهويه ويروق له، فيقوم بنشره مع غلاف الكتاب وصورة المؤلف، وهو واقع إعلامي لا نقدي للأدب، وهذا أمر مؤسف للغاية ويدعو لمزيد من الاستغراب، بل يدعونا إلى تذكر «صحافة زمان» تلك التي كانت تعتني عناية خاصة بالأدب، وتحفل بالأدباء، وقد انقلبت الصورة في عصرنا الحاضر رأسا على عقب، فأضحت «صورة وخبرا»، ولم تعد قصة أو قصيدة كما عهدناها في أوائل القرن العشرين، حيث لم تكن الدهشة تبدو على وجوهنا كما هو الحال اليوم حينما نجد قصيدة جيدة تستحوذ على الصفحة الأولى بأكملها في جريدة يومية، وأكاد أزعم بأن الصحافة وقتذاك لم تتحول إلى «صناعة» بعد، إضافة إلى أن معظم رؤساء تحريرها كانوا من الأدباء، أما الآن فقد تحولت الصحافة إلى مهنة، فأدى ذلك إلى نوع من الانشطار بين الصحفي والأديب، وأظن بأن هذا الوضع له عيوبه ومحاسنه، فمن محاسنه أنه منع اختلاط الحابل بالنابل، فأضحت للصحافة لغتها، واحتفظ الأدب بلغته، ومن عيوبه أنه صرف الناس عن الكتاب الأدبي إلى الصحافة الأدبية بما فيها من ضحالة فكرية واضحة.mhsuwaigh98@hotmail.com
مشاركة :